هذا موقع تعليمي مو لعب اولاد
أبو الطيب احمد بن الحسين المعروف بالمتنبي من اصل عربي ينتهي إلى كهلان من القحطانية. ولد في الكوفة سنة 915 من أسرة فقيرة في محلة تدعى "كندة" فنسب إليها، وكان أبوه سقاء في الكوفة يستقي على جمله لأهل محلة كندة ويعرفه القوم بعبدان السقاء، والمرجح أن أمه ماتت وهو طفل، فقامت له جدته مقام الأم.
ونشأ الفتى في الكوفة، أحد مواطن الحضارة العباسية وأهم موطن للشيعة ، وما لبث أن اشتهر بقوة الذاكرة وشدة النباهة والذكاء، والجد في النظر إلى الحياة، والمقدرة على نظم الشعر.
وفي سنة 925م استولى القرامطة على الكوفة، ففر الشاعر مع ذويه إلى السماوية الشرقية، ومكث فيها سنتين اختلط خلالهما بالبدو حتى تمكن من ملكة اللغة العربية الأصيلة؛ ثم عاد إلى الكوفة سنة 927م، واتصل بأحد أعيانها أبي الفضل الكوفي. وكان أبو الفضل قد اعتنق مذهب القرامطة فتشرب الشاعر المذهب القرمطي.
قدم سيف الدولة إنطاكية سنة 948 وبها أبو العشائر الحمداني ولديه المتنبي يمدحه، فقدمه إلى سيف الدولة وأثنى عليه. وكان سيف الدولة عربياً يملك على حلب منذ سنة 944، وكان محباً للأدب وأصحابه، يجمع في بلاطه عدداً كبيراً من الأدباء والشعراء حتى قال ابن خلكان: "يقال انه لم يجتمع بباب أحد من الملوك؛ بعد الخلفاء، ما اجتمع ببابه من شيوخ الشعر، ونجوم الدهر". فضم سيف الدولة الشاعر الجديد إليه، ورجع به إلى حلب، فنال المتنبي لديه حظوة كبيرة، وصحبه في بعض غزواته وحملاته على الروم والبدو.
وقد لاقت نفسية الشاعر أحسن ملائمة مع نفسية الأمير، فكانت تلك الحقبة أطيب حقبة في حياة المتنبي وأخصبها، فقد حاز لدى سيف الدولة من الإكرام ما لم يحزه شاعر آخر، وطار له في الشعر صيت طوى البلاد؛ ولكن كثر من جراء ذلك حساده؛ وراحوا يرمونه بالوشايات وهو يقاومهم بعنف وكبرياء، حتى نغصوا عليه العيش؛ وقد لاحظ في آخر عهده عند سيف الدولة جفوة من الأمير وانحرافاً، إذ جرت في حضرته مناظرة بين الشاعر وابن خاوية أدت إلى المهاترة والغضب، وضرب ابن خاليه الشاعر بمفتاح شج به رأسه؛ فغادر المتنبي حلب وفي نفسه حنق جبار وحزن أليم عميق على فردوسه المفقود.
توجه الشاعر إلى دمشق ولكنه لم يلبث فيها طويلاً، واتى الرملة بفلسطين، فسمع كافور الإخشيدي بأخباره فطلبه. وكان كافور عبداً زنجياً.
وقصد المتنبي الفسطاط عاصمة مصر الإخشيدية إذ ذاك ومدح كافوراً فوعده بولاية طمعاً في إبقائه بالقرب منه؛ ورأى المتنبي في ذلك الوعد تحقيقاً لأحلامه في السيادة التي لم تباريحه سحابة حياته، ووسيلة لقهر حساده؛ وانقضت سنتان والوعد لا يزال وعداً، فشعر أبو الطيب بمكر كافور وتبين حيلته، فانحاز إلى قائد إخشيدي اسمه أبو شجاع فاتك لقي منه حسن التفات وإخلاص ومودة، إلا أن الحظ لم يمتعه به طويلاً، فمات أبو شجاع فجأة وترك للشاعر لوعة واحتداماً، وقد عزم أن يهرب، ولكن كافوراً مانعه في ذلك وضيق عليه، خشية من لسانه وهجائه؛ وفي كانون الثاني من سنة 962 سنحت الفرصة فهرب المتنبي، وهجا كافوراً هجاء ضمنه كل ما في نفسه من مرارة واحتقار. وراح يضرب في البلاد، قاصداً العراق؛ وقد وصف رحلته هذه في قصيدة شهيرة عدد فيها الأماكن التي مر بها وختمها بهجاء كافور،
قدم الشاعر بغداد ومكث فيها نحو سنة التف حوله، في خلالها، جماعة من علماء اللغة والنحو كعلي البصري، والربعي، وابن جني، فشرح لهم ديوانه واستنسخهم إياه؛ ثم برح بغداد وقصد ابن العميد في أرجان، وكان ابن العميد وزير ركن الدولة البويهي، فانتهى إليه في شباط من سنة 965م. قدم الشاعر بغداد ومكث فيها نحو سنة التف حوله، في خلالها، جماعة من علماء اللغة والنحو كعلي البصري، والربعي، وابن جني، فشرح لهم ديوانه واستنسخهم إياه؛ ثم برح بغداد وقصد ابن العميد في أرجان، وكان ابن العميد وزير ركن الدولة البويهي، فانتهى إليه في شباط من سنة 965م ومدحه، ولبث عنده نحو ثلاثة أشهر، ثم انطلق إلي شيراز نزولا عند طلب عضد الدولة السلطان البويهي، ولقي حظوة كبيرة، ومدح السلطان بقصائد عدة، وفي شهر آب من سنة 965م غادره متشوقاً إلى بلاده، وودعه بقصيدة كانت آخر ما نظم، مطلعها:
فِدى لكَ مَن يُقَصِرُ عن مَداكا فلا مَلِكٌ إذَنْ إلا فِداكا
مقتله: ترك المتنبي شيراز وعاد إلى أرجان، ووقف قليلاً في واسط بالعراق، ثم نوى الوصول إلى بغداد؛ فحذر كثيراً من اللصوص الذين يكمنون في الطريق من واسط إلى بغداد إلا انه لم يصغِ إلى أحد، وسار مع ابنه وبعض غلمانه، فعرض له فاتك بن جهل الأسدي في جماعة، وكان الشاعر قد هجا أخته، فقتل المتنبي وتناثر ديوانه الذي خطه بيده، وذلك في شهر أيلول من سنة 965م بعد حياة حافلة بالطموح والفشل….
…واحر قلباه…
وَاحَـرَّ قَلبـاهُ مِمَّـن قَلْبُـهُ شَبِـمُ***ومَن بِجِسمي وَحالي عِنْـدَه ُ سَقَـمُ
ما لي أُكَتِّمُ حُبّاً قـد بَـرَى جَسَـدي***وتَدَّعِي حُبَّ سَيـــفِ الدَولـةِ الأُمَــــــمُ
إِنْ كـــانَ يَجـمَعُنـا حُــبٌّ لـِغُـرَّتِـهِ***فَــلَـيـت َ أَنَّـا بـِقَـدْرِ الحُـــب ِّ نَقتَسِــــمُ
قد زُرتُه وسُيُـوفُ الهِنـدِ مُغمَـدةٌ***وقد نَظَـرتُ إليـه ِ والـــــسُــيُــــوف ُ دَمُ
كـانَ أَحسَـنَ خَلـقِ الله كُلِّهِـمِ***وكانَ أَحْسَنَ ما في الأَحسَنِ الشِيَـمُ
فَوتُ العَـدُوِّ الِّـذي يَمَّمْتَـهُ ظَفَـرٌ***في طَيِّهِ أَسَـفٌ فـي طَيِّـه ِ نِعَـمُ
قد نابَ عنكَ شَدِيدُ الخَوفِ واصطَنَعَتْ***لَكَ المَهابةُ مـا لا تَصْنـعُ البُهَـمُ
أَلزَمْتَ نَفْسَكَ شَيْئاً لَيـسَ يَلْزَمُهـا***أَنْ لا يُوارِيَهُـم أرض ٌ ولا عَـلَـمُ
أَكلما رُمتَ جَيشـاً فانثَنَـى هَرَبـاً***تَصَرَّفَتْ بِـك َ فـي آثـارِهِ الهِمَـمُ
علَيكَ هَزمُهُـمُ فـي كُـلِّ مُعْتَـرَكٍ***وما عَلَيكَ بِهِمْ عـارٌ إِذا انهَزَمـوا
أَما تَرَى ظَفَراً حُلـواً سِـوَى ظَفَـرٍ***تَصافَحَت ْفيهِ بيض ُ الهِنْـدِ والِلمَـمُ
يا أَعدَلَ النـاسِ إِلاَّ فـي مُعامَلَتـي***فيكَ الخِصامُ وأَنتَ الخَصْمُ والحَكَـمُ
أُعِيذُهـا نَظَـراتٍ مِنْـكَ صـادِقَـةً***أَنْ تَحْسَبَ الشَحمَ فيمَن شَحْمُهُ وَرَمُ
وما انتِفـاعُ أَخـي الدُنيـا بِناظـرِهِ***إذا استَوَتْ عِندَهُ الأَنـوار ُ والظُلَـمُ
سَيَعْلَمُ الجَمْعُ مِمَّن ضَـمَّ مَجْلِسُنـا***بِأنَّني خَيْرُ مَـن تَسْعَـى بِـهِ قـدَمُ
أَنا الَّذي نَظَرَ الأَعمَـى إلـى أَدَبـي***وأَسمَعَتْ كَلِماتي مَـن بِـهِ صَمَـمُ
أَنامُ مِلءَ جُفُوفي عـن شَوارِدِهـا***ويَسْهَرُ الخَلْق ُ جَرَّاهـا ويَختَصِـمُ
وَجَاهِلٍ مَدَّهُ فـي جَهلِـهِ ضَحِكِـي***حَتَّـى أَتَتْـهُ يَـد ٌ فَرَّاسـة ٌ وفَـمُ
إِذا رَأيـتَ نُيُـوبَ اللّيـثِ بــارِزَةً***فَـلا تَظُنَّـنَ أَنَّ اللَيـثَ يَبْتَـسِـمُ
ومُهجةٍ مُهجتي مِن هَـمِّ صاحِبِهـا***أَدرَكْتُهـا بِجَـوادٍ ظَهْـرُه ُ حَــرَمُ
رِجلاهُ في الرَكضِ رِجْلٌ واليَدانِ يَـدٌ***وفِعْلُه ُ مـا تُريـدُ الكَـفُّ والقَـدَمُ
ومُرهَفٍ سِرتُ بَينَ الجَحْفَلَيـنِ بِـهِ***حتَّى ضَرَبْتُ ومَوجُ المَـوتِ يَلْتَطِـمُ
الخَيْـلُ واللّيـلُ والبَيـداءُ تَعرِفُنـي***والسَيفُ والرُمْحُ والقِرطاسُ والقَلَـمُ
صَحِبتُ في الفَلَواتِ الوَحشَ مُنْفَـرِداً***حتَّى تَعَجَّبَ منَّـي القُـورُ والأَكَـمُ
يا مَـن يَعِـزُّ عَلَينـا أن نُفارِقَهـم***وَجداننا كُـلَّ شَـيءٍ بَعدَكُـمْ عَـدَمُ
ما كـانَ أَخلَقَنـا مِنكُـم بِتَكرِمـة***لَو أَن أَمرَكُـمــُ مِــــن أَمـــــرِنــــا أَمَــــــمُ
إِن كانَ سَرَّكُمُ مـا قـالَ حاسِدُنـا***فَمـا لِجُـرْحٍ إِذا أَرضاكُـمُ أَلَــمُ
وبَينَنـا لَـو رَعَيْتُـمْ ذاكَ مَعرِفـةٌ***إِنَّ المَعارِفَ في أَهلِ النُهَـى ذِمَـمُ
كَم تَطلُبُـونَ لَنـا عَيبـاً فيُعجِزُكـم***ويَكـرَهُ الله مـا تأْتُـونَ والكَـرَمُ
ما أَبعَدَ العَيْبَ والنُقصانَ من شَرَفي***أَنا الثُرَيَّـا وَذانِ الشَيـبُ والهَـرَمُ
لَيتَ الغَمامَ الذي عِنـدِي صَواعِقُـهُ ***يُزِيلُهُـنَّ إلـى مَـن عِنـدَه الدِيَـمُ
أَرَى النَوَى يَقْتَضِيني كُـلَّ مَرْحَلـةٍ***لا تَستَقِـلُّ بِهـا الوَخَّـادةُ الرُسُـمُ
لَئِن تَرَكْنَ ضُمَيـراً عـن مَيامِنِنـا***لَيَحْدُثَـنَّ لِمَـنْ ودَّعْتُـهُـمْ نَــدَمُ
إذا تَرَحَّلْتَ عن قَـومٍ وقـد قَـدَروا***أَن لا تُفارِقَهـم فالراحِلُـونَ هُــمُ
شَرُّ البِـلادِ مَكـانٌ لا صَديـقَ بـهِ***وشَرُّ ما يَكْسِبُ الإِنسانُ مـا يَصِـمُ
وشَرُّ ما قَنَصَتْـهُ راحَتـي قَنَـصٌ***شُهْبُ البُزاةِ سَـواءٌ فيـهِ والرَخَـمُ
بأَيَّ لَفْـظٍ تَقُـولُ الشِعْـرَ زِعْنِفـةٌ***تجُوزْ عِنـدَكَ لا عُـرْبٌ وِلا عَجَـمُ
هـذا عِتـابـكَ إِلاَّ أَنَّــهُ مِـقَـةٌ***قـــد ضـــُمــِّــــنَ الـــــدُرَّ إِلاَّ أَنَّــــهُ كَــــلِــــــمُ