الجميع باستطاعتهم أن يوجهوا اللوم و العتاب إلى معلمٍ مقصر ، و لكن ، لا أحد إطلاقاً ، بمقدوره أن يصنع معلما اسطوريا . لا الوزارة ، لا المدرسة ، و لا أولياء الأمور .
مقنع جدا القول بأن أغلب المعلمين و المعلمات في أوطاننا العربية لم يختاروا مهنة التعليم بدافع من الرغبة و الحلم ، و لكنهم ، وعلى أية حال أصبحوا معلمين . إنها ورطة جميلة و فريدة من نوعها ، فكم من الأمثلة التي قد نقرأ عنها في التاريخ عن أشخاص عادين جدا ، أصبحوا دون قصد معلمين و مربين ، و صانعي أجيالٍ غيرت مجرى التاريخ .
قد يكون مثل هذا الكلام إنشائيا في نظر البعض ، ولكن إذا ما واجه المعلم نفسه بسيل من الأسئلة الذاتية المبتكرة حول حقيقة عمله ، و جدوى ما يقوم به يوميا ، و نظر بعين عقله و قلبه معا ، إلى هذه الأجيال التي تحط رحالها سنويا في عهدته خلال عبورها مراحل الدراسة ؛ من رياض الأطفال إلى الثانوية العامة ، و منها إلى الجامعات ، لاكتشف بأنه ليس موظفا على الإطلاق ، و أن المناهج على الرغم من أهميتها ، لم و لن ، تعطل فيه القدرة على الإبداع في مهمته العسيرة .
بالنسبة لأغلبنا كان هناك معلم واحد على الأقل استطاع أن يغير مجرى حياته . معلم استثنائي استطاع أن يصنع منه شيئا ، و استطاع أن ينفذ من كتلة المناهج العقيمة إلى عقله و قلبه . ذلك هو المعلم الواسع الثقافة . المتمكن من أدواته و المطور لها باستمرار .. هو ذلك المعلم الساحر الذي لن يسقط أبدا من ذاكرة الأجيال .
في أحاديث حميمية تجمعني و بعض الأصدقاء يحدث أن نتطرق – أحيانا – إلى سنوات الدراسة و ذكرياتها الجميلة و المرة في آن ، و في كل تلك الأحاديث تتردد أسماء بعينها بمهابة بالغة . تلك الأسماء التي دلت بعضنا إلى الكتاب الفلاني الذي نطلق عليه أسم ( أول كتاب ) غير مدرسي نقرأه في حياتنا . و هي نفسها تلك الأسماء التي كانت تحدثنا عن أشياء تجاهلها التاريخ ، و كنتيجة لذلك ، تجاهلتها المناهج الدراسية العربية بغباء و ببغائية مستفزة ..
إن مثل هؤلاء المعلمين تُقبل أقدامهم ، لا أياديهم فقط .
و لكن !!
السؤال هو كيف يستطيع الملعم أن يفعل كل ذلك دون أن يتورط في التجربة ؟ ..
و مما هو معلومٌ ، أن التجريب في عملية مهمة جدا كالتعليم خطر جدا ، ما لم يكن المعلم على دراية كاملة بخطورة ما يقوم به ، و هنا يأتي دور الثقافة . بمعنى أن يصنع الملعم نفسه بنفسه . أن يتعلم هو الآخر . أن يستمر في التعلم إلى ما لا نهاية . أن يشرع عقله للمدخلات المعرفية التي تتلائم و كونه معلما بكل السبل ، لكي يغني في المقابل عقول طلابه بالمخرجات التي يصيغها بتقنيته الخاصة في التعليم ، فلكل معلم نوعان من التقنية يؤدي بهما رسالته ؛ تقنية عامة معهود بها إلى المؤسسة التعليمية العليا في البلد ، و تقنية خاصة يصنعها و يطورها المعلم نفسه ، و في حال غياب التقنية العامة ، أو فشلها مثلا ، فعلى المعلم أن يبذل جهودا مضاعفة للتخفيف – على الأقل – من وطأة الفشل العام في العملية التعليمية .
لا أعتقد بوجود معلم حقيقي يتوانى عن القيام بمثل هذه المهمة .
(( تحية حب و عرفان إلى معلمي الساحر محمود النواجحة )).
______________
* سبق نشره
لكنه لأنه يحبهم قرر أن لا يورطهم معه
ففاقد الشيء لا يعطيه
قرر أن ينتهي قبل أن يبدأ
إلى ورطة أخرى .. إلى عالم جديد مجهول !
أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه
مميز .. بكل معنى الكلمة
شكرا أخ أحمد سالمين على الموضوع الرائع ….
جزيتم خيرا
ودمتم برقي
.
.
.
.