الدكتور الشيخ سلطان بن كايد القاسمي
الأربعاء 23 شعبان 1445 هـ
الموافق 5 سبتمبر 2024 م
إن من أشد ما تستحي منه الحضارة الغربية في العصر الحديث هو ما قامت به من أعمال التطهير العرقي والديني نحو فئات وأقليات عاشت في دولة واحدة وتحمل نفس الجنسية، وهي أعمال مخزية تخالف وتناقض ما تدعو إليه حضارتها المعاصرة من قيم العدل والمساواة والحرية والتعبير عن الرأي.
لاحظنا ذلك جلياً في مجموعة من الحوادث خلال العصر الحديث، كان من أشهرها التطهير الديني والعرقي الذي دارت رحاه في أرض البوسنة والهرسك، فشاهدنا ما أصاب المسلمين في تلك البقعة من أبشع صور التعذيب والقهر الإنساني والقتل والتشريد، ولذا تنادت الدول الغربية لتستر فضيحتها وتغطي عورتها في هذه الحادثة المخزية التي ستبقى نقطة سوداء وعاراً لا يمسح في تاريخ الحضارة الغربية المعاصرة.
ويؤسفنا أن الحكومات الغربية لم تتعظ بتلك المأساة التي حدثت، بل تتكرر بذور صورة جديدة هذه الأيام للتطهير الديني نحو الطالبات الصغيرات في مدارس مجموعة من الدول الغربية، تمنع الفتيات المحجبات من الدخول إلى المدارس الحكومية ليحصلن على أبسط حقوقهن الدستورية والإنسانية، وهي حالة تستنكرها وتشمئز منها الشعوب الإسلامية وتتمنى أن يرفع عنهن هذا الظلم والضير.
ومما يدعو للأسف والألم أيضاً ما نراه اليوم، من تكرار الأمر نفسه بلون آخر في مدارس دولتنا الحبيبة، ولكن نحو المدرسين هنا وليس الطلبة، فقد تسامع الجميع بقيام وزارة التربية والتعليم بإبعاد مجموعة تزيد على ثمانين موظفاً بين مدرس وموجه وإداري عن سلك التعليم بقرار يمتهن مكانة المعلم المواطن في المجتمع، مما رسم في أذهاننا العديد من علامات الدهشة والاستغراب!
نحن نؤيد ما تقوم به الوزارة من تطوير وارتقاء للعملية التعليمية، يستفيدان من التجربة العالمية الغنية في مجال تطوير التعليم. فهذه حاجة ماسة للميدان التربوي، بل ضرورة لا بد أن يخطوها بين فترة وأخرى؛ ليراجع نفسه ويقوم مسيرته ويبحث عن قمم جديدة يرتقيها. فيكون الجهاز التعليمي جهاز بناء فعال في عملية التنمية الشاملة في دولتنا الغالية، ويواكب التطور التربوي والتعليمي الحاصل في باقي دول العالم .
إننا كما نؤيد ذلك التطوير والارتقاء، فإننا نستنكر استنكاراً شديداً ذلك الإقصاء الغريب الذي وجه إلى نخبة من خيرة العاملين في مجال التعليم في الإمارات والذين استطاعوا أن يحققوا إنجازات مباركة يشهد لها القاصي والداني في سبيل تطوير العمل التعليمي في الدولة، ويتركوا بصمات واضحة في مدارسهم ومناطقهم وفي نفوس الطلاب الذين نهلوا العلم والمعارف منهم.
إن من أهم ملامح التطوير الحديث الذي تبنته الوزارة في الفترة الأخيرة هو الانفتاح نحو التجديد والاقتباس من التعليم الغربي وخاصة الاهتمام باللغة الإنجليزية، واستقطاب مجموعة من مدرسي ومدرسات اللغة الإنجليزية من بريطانيا وأمريكا على وجه الخصوص.
إن هذا الانفتاح يحتم أن تكون هنالك بالمقابل، خبرات مواطنة متميزة في قدراتها التربوية وتحمل في الوقت نفسه ثقافة الإمارات وقيمها الأصيلة وتعتز بدينها وأخلاقها لكي تكون هذه الخبرات المواطنة حصناً يقي النظام التعليمي من أي فرصة لتسريب أخلاقيات الانحطاط الغربي والانحلال المنتشر في المدارس الغربية إلى مدارسنا ونفوس أبنائنا. ونظن أن تلك المجموعة التي حرم القطاع التعليمي منها تمثل نموذجاً متميزاً وصالحاً لأن يقوم بهذه المهمة الجليلة من غير إنقاص لبقية الأخوة العاملين في القطاع التعليمي الذين ما زلنا نعلق عليهم الآمال في حماية أبنائنا من أي غزو ثقافي أو أخلاقي غربي.
فما حدث قد يؤدي إلى أن يعتقد البعض من باقي العاملين في القطاع التعليمي أن أي معارضة لما يحدث الآن من تهافت محموم في مسيرة الانفتاح والتماهي مع الغرب، ستكون عاقبته كعاقبة المجموعة التي كانت أولى ضحايا التطوير.
وترى ما هي جريرة هذه النخبة؟ هل لأنها كانت ملتزمة بدينها معتزة به؟ أو لأنها تنتمي إلى دعوة الإصلاح؟ إنني أؤكد هنا أن دعوة الإصلاح في دولة الإمارات لتفتخر أن يكون واحد من هؤلاء ينتمي إليها ويحمل فكرها، هؤلاء الذين ما عرفنا عنهم إلا تفانيهم في عملهم وحبهم لوطنهم وإخلاصهم لدينهم. وإن دعوة الإصلاح لتعتبر كل من يتبنى تطوير التعليم وتنمية المجتمع على أسس ديننا الحنيف منتمياً في الواقع إلى دعوة الإصلاح المباركة، بل إن دعوة الإصلاح في الإمارات هي التي تنتمي إليه!
عندما يحاكم الناس على أساس اجتهادهم في دعوتهم إلى الله عز وجل، دعوة تقوم على السلم والمحبة للآخرين، فإن الضحية لن يكون أولئك المربين فحسب، بل إن الضحية الحقيقي هم أبناؤنا وأمل مستقبلنا، وقبل كل ذلك، فإن وطننا هو أكبر ضحية وأول الخاسرين. لا سيما إذا علمنا أن ميدان التعليم في دولتنا يعاني من عزوف شديد من قبل المواطنين عن هذه المهنة ذات المشقة العالية والمردود المالي المنخفض قياساً إلى غيرها من الفرص المتاحة في سوق العمل.
إننا على ثقة تامة بأن دولتنا الغالية، وعلى رأسها صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة حفظه الله، قادرة بعون الله تعالى على تجاوز هذه الأزمة من خلال أجهزتها الرسمية والشعبية، كما أننا على ثقة كبيرة بمجلس وزرائنا، وعلى رأسه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد المكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء، كما عودنا أن يكون المواطن على رأس أولوياته، وتكون جميع المؤسسات والوزارات التابعة للمجلس في خدمة المواطن، تحقيقاً لشعار الإنسان هو أغلى ثروات الوطن.
إننا على ثقة بأن أجهزة القضاء لدينا قادرة على إعادة الحق إلى نصابه، وأننا على ثقة بأن وزارة التربية والتعليم ستراجع قراراتها لتنصف العاملين المخلصين فيها وتعيد الأمان إلى الميدان التربوي المترقب.
وأخيرا فإننا على ثقة بأن هذه المجموعة المربية قادرة على المطالبة، الواعية الحثيثة العاقلة، بحقوقها الدستورية والوطنية، مطالبة تثبت بأن المعلم المواطن المتميز مازال هو القائد الحقيقي للتطوير والارتقاء التربوي في دولتنا العزيزة الأبية .