أسلوب القَصْر
تعريف القصر :
القصر لغة : الحبس ، ومنه قوله تعالى: حُوُرٌ مَقْصُورَاتٌ في الخِيام ( الرحمن : 72 ) . واصطلاحًا: « تخصيص شيء بشيء بطريق مخصوص » . فالأوَّل يُسمَّى مقصورًا ، و الثاني مقصورًا عليه.
طُرق القصر :
وللقصرِ طرقٌ كثيرة: كالإتيان بلفظ ( فقط ) أو ( وحدَه ) أو ( لا غير ) أو ( ليس غير ) أو توسّط ضمير الفصل ، أو تعريف المسند إليه ، أو لفظ ( القصر ) أو ( الاختصاص ) أو ما يُشتقّ منهما.. أو نحوها ممّا عدّها بعضُهم إلى أربعة عشر طريقًا .
لكن الأشهر المتداول في كلام العلماء أربعة :
1ـ القصر بالنفي والاستثناء، قال تعالى: وما محمّد إلا رسول قد خلت من قبله الرُسُل ( آل عمران : 144 ) .
2ـ القصر بـ (إنما)، قال تعالى: إنَّما يخشى الله من عباده العلماءُ ( فاطر : 28 ) . و المقصور عليه معها واجب التأخير. ومثل: " إنّما الفارسُ خالدٌ " . فالمقصور عليه خالد والمقصور الفارس . ولا يجوز تقديم المقصور عليه هنا لئلا يلتبس بالمقصور .
3ـ القصر بحروف العطف: ( لا ) و( بل ) ( ولكن ) :
أمّا «لا» فيشترط فيها أن تسبق بكلام موجب، كقولك : « زيدٌ شاعرٌ لا كاتب ». و أمَّا « بل، و لكن » فيشترط أنْ يتقدّمهما نفي ، كقولك : « ما زيد شاعرًا بل عمرو، و ما زيد شاعرًا لكن كاتب ». و المقصور عليه في « لا» هو المذكور قبلها، المقابل لما بعدها، و في « بل، و لكن » ما يُذكر بعدهما.
كقول الشاعر : عمر الفتى ذكره لا طول مدّته وموته خزيه لا يومه الدانـي
فالمقصور عليه في الشطر الأول ( ذكره ) لأنّه مقابل طول مدّته والمقصور عمر الفتي وفي الشطر الثاني المقصور عليه خزيه والمقصور موته .
وقوله : ما الفخرُ بالنسب بل بالتقوى .
4ـ القصر بتقديم ما حقّه التأخير، قال تعالى: إياك نعبد وإياك نستعين ( الفاتحة : 5 ) .
ثمَّ إنّ المقصور عليه في الأوّل: هو المذكور بعد أداة الاستثناء ، كالرسالة . [ مثال : ما المتنبي إلا شاعر المقصور: المتنبي، المقصور عليه : شاعر ، قصرنا المتنبي على الشعر. وفي قولنا :ما شاعرٌ إلا المتنبي .المقصور: شاعر ، المقصور عليه:المتنبي ، قصرنا الشعر ( الشاعرية ) على المتنبي . و هناك فرقٌ بين التعبيريْن ] .
وفي الثاني: هو المذكور في آخر الجملة ، كالعلماء .
وفي الثالث:هو المذكور ما قبل ( لا ) وهو: ذكره، وخزيه، والمقابل لما بعدها كقولهالفخر بالعلم لا بالمال) والمذكور ما بعد ( بل ) و( لكن) وهو: بالتقوى .
وفي الرابع: هو المذكور مقدّمًا، كـ ( إيَّاك ) . وكما تقدَّم يكون المقدَّم هو المقصور عليه والمؤخَّر هو المقصور ففي قولك " شاعرٌ هو " فالمقصور عليه شاعر والمقصور هو. وكما يقع القصر بين المبتدأ والخبر يقع أيضًا بين الفعل والفاعل وبين الحال وصاحبِه وبين الفاعل والمفعول به وبين المفعول والفاعل وبين المفعول به الأوّل والمفعول به الثاني والأمثلة كالآتي: ما جاء إلا زيدٌ . ما جاء راكبًا إلا محمّدٌ ، ما جاء محمّدٌ إلا راكبًا ، " ما قلتُ لهم إلا ما أمرتني به " ما ضرب محمَّدًا إلا زيدٌ ، ما كسوتُ زيدًا إلا ثوبًا .
أمور ترتبط بالقصر :
1ـ القصر يحدّد المعاني تحديدًا كاملاً، ولذا كثيرًا ما يُستفاد منه في التعريفات العلميّة وغيرها.
2ـ القصر من ضروب الإيجاز وهو من أهم أركان البلاغة، فجملة القصر تقوم مقام جملتين: مثبتة ومنفيّة ؛ إذ قولك: « ما قائمٌ إلاّ زيد » ، في قوّة قولك: « زيد قائم ، و غيره ليس بقائم » .
لذا يُعدّ القصر من أدوات التوكيد، و أشدّ طرقه توكيدًا النفي والاستثناء؛ فلذا كان الأصل فيه أنْ يجيء لأمرٍ يُنكره المخاطَب، كقولك لصاحبك وقد رأيت شبحًا من بعيد:« ما هو إلاّ زيد »، إذا اعتقد غيره مصرًّا على هذا الاعتقاد.
وقد يُستعمل في المعلوم إذا نزل منزلة المنكر؛ لاعتبار مناسب ، و من هذا الباب قوله تعالى: « وَمَا محَمَّدٌ إلاّ رَسُولٌ » ، حيث قصر محمّدًا صلى الله عليه وسلّم على الرسالة ، و نفى عنه صفة الخلود ، والمخاطَبون ـ و هم الصحابة ـ عالمون بذلك غير منكرين له ، لكنّهم لمّا كانوا يعدّون موتَه أمرًا عظيمًا ، نزل استعظامهم موتَه منزلة إنكارهم إيّاه ، فاستُعمل له النفي والاستثناء.
3ـ يُفهم من (إنما) حكمان: إثبات للشيء والنفي عن غيره دفعة واحدة ، بينما يفهم من العطف الإثبات أوّلاً والنفي ثانيًا ، أو بالعكس ، ففي المثال السابق : الخشية للعلماء دون غيرهم ، والفخر للتقوى لا للنسب ، مع وضوح الدفعة في الأوّل ، والترتّب في الثاني .
4ـ في النفي والاستثناء يكون النفي بغير ( ما ) أيضًا، قال تعالى: (إنْ هذا إلاّ ملك كريم) ( يوسف : 31 ) .
ويكون الاستثناء بغير ( إلا ) أيضًا، كقوله : لم يبق سواك نلوذ به مـمّا نخشاه من المحن
5ـ يُشترط في كلٍّ من (بل) و(لكن) أنْ تُسبق بنفي أو نهي، وأن يكونَ المعطوفُ بهما مفردًا، وأنْ لا تقترن ( لكن) بالواو، وفي ( لا ) أنْ تُسبقَ بإثبات وأنْ يكونَ معطوفُها مفردًا وغيرَ داخل في عموم ما قبلها.
الله يعطيك العاافيه
سيتم قفل الموضوع في هذه الفترة ………