عماني يرى النور بعد 43 عاماً من العمى 2024.

مسقط – راشد البلوشي

تخيل أنك بعد 27 عاما كنت خلالها مبصرا يصيبك العمى… ما هو شعورك بعد أن ترى الدنيا وتشعر بألوانها وفجأة تجد الظلام هو رفيقك الوحيد… قد تشعر باليأس وقد تستسلم وقد ترضى بحالك وقد تكون مثل الشيخ محمد بن أحمد بن حمد المحروقي مواليد ولاية أدم عام 1937م الذي لم ييأس ولم يستسلم للعمى… فشهد النور بعد 43 عاما من العمى… قابلناه حتى نتعرف منه على قصه صراعه مع الظلام.

يقول: بداية معاناتي مع المرض كانت في عام 1956م وقتها أصبت بمرض الرمد في عيني اليسرى وهو ما جعلني أفقد النظر بنسبة 60% في تلك العين، إلا أنني مارست حياتي الطبيعية واستمريت في مواظبة عملي الذي كان يتطلب مني السفر من بلد إلى آخر ففي ذلك الوقت كنت أسافر إلى السعودية واليمن وسوريا أسوة بالكثير من العمانيين، وفي عام 1964 أي بعد تسع سنوات من بداية الإصابة وأثناء وجودي في سوريا اشتد علي المرض في عيني اليسرى ووصلت إلى مرحلة العمى الكامل، إلا أنني لم أيأس من رحمة الله ومارست حياتي بشكل طبيعي فعيني اليمنى كانت سليمة والحمد لله، استمريت على هذه الحالة عدة سنوات حتى سافرت إلى تنزانيا باحثا عن علاج لما أصاب عيني إلا أنني وقعت فريسة سهلة في يد مجموعة من الجهلة يدعون الطب فقاموا بغرس مجموعة من الإبر في السليمة – العين اليمنى- ليروا مقدار الاستجابة لدي فما كان من هذه الإبر إلا أن أفقدتني بصري بالكامل في العينين وأصبحت أعمى بشكل كامل.

يضيف: شعور غريب وإحساس لا أتمنى أن يشعر به أحد فبعد أن كنت أرى الأشياء حتى وإن كانت بعين واحدة فهي كانت كافية بالنسبة لي وكنت راضياَ بحالي أما الآن فقد أصبحت أسير الظلام، إن من أصعب التجارب التي مرت علي في حياتي هي تجربة العمى فما أصعب العمى خاصة إن كنت مبصرا من قبل فكنت لا أستطيع الخروج من البيت إلا مرات معدودة بمساعدة أحد الأبناء أو الإخوان.

ويضيف: رجعت إلى السلطنة وذهبت إلى عدة مراكز ومستشفيات إلا أن الجميع أكد لي أن حالتي لا شفاء منها وسأظل بهذه الحالة حتى أموت حتى أن أحد المختصين قال لي: أنت مصاب بعمى مطلق ولا يوجد علاج لك في هذه السن وأنصحك أن توفر مالك وجهدك أصبت بحالة من اليأس والإحباط إلا أن أملي في الله كان كبيرا وكنت أشعر دائما أنه سوف يأتي يوم وتشهد فيه عيناي النور مرة أخرى وذات يوم جاء أحد أبنائي ليخبرني بأنه علم بأن هناك مركزا جيدا في تايلاند متخصصاً في علاج أمراض العيون المستعصية والصعبة وأخذ يشجعني على السفر. في الحقيقة لم أتردد كثيرا وسافرنا معا إلى تايلاند وتحديدا إلى هذا المركز(Rutnin Eye Hospital) وهناك قاموا بإجراء الفحوصات وقابلتنا الطبيبة المختصة التي أكدت لي أن هناك أملاً إلا أنه أمل ضعيف فقرنية العين ضمرت وماتت وعدسة العين أيضا لم تعد صالحة ولا يمكننا أن نعرف مدى صلاحية أعصاب العين إلا بعد العملية لهذا قررت الطبيبة أن تقوم بزراعة قرنية جديدة في العين اليسرى فقط حيث قالت لي: علينا أن نجرب في إحدى العينين أولا لنعرف النتيجة وإن صار الوضع إلى ما نريد سنجري العملية في العين الأخرى علما بأن هذه الطبيبة كانت في منتهى الرقة والتواضع معي على الرغم من صغر عمرها الذي لم يتعد 34 عاما إلا أنها تحظى بمقدار كبير من الاحترام والتقدير فقد تخرجت في كلية الطب منذ أربع سنوات فقط على الرغم من أن عمر دراسة الطب هناك 8 سنوات، ودرست الماجستير في الولايات المتحدة، الأمر الذي أعطاني ثقة كبيرة وجعلني أدفع ثمن القرنية مقدما 800 ريال عماني تقريبا بعد ذلك رجعنا إلى عٌمان في انتظار اتصالهم لأن القرنية تأتي من أكثر من مكان عن طريق أحد المتبرعين بالإضافة إلى أنني موضوع على قائمة الانتظار والتي تضم 32 شخصا وأنا آخرهم وعلي أن أنتظر دوري وبالفعل لم يمض شهران إلا ووجدتهم يتصلون ويخبرونني بأن الشخص رقم 31 أجرى العملية وهم في انتظار وصول القرنية الخاصة بي وعلي الذهاب إليهم فورا لأن عمر القرنية من وقت خروجها من المتبرع حتى تصل إلى المستضيف ثلاثة أيام فقط وإلا ستموت خلاياها وستصبح غير صالحة.

ويستطرد الشيخ المحروقي قائلاً: وصلت إلى تايلاند وانتظرت يومين حتى وصلت القرنية وعند إجراء الفحوصات الأخيرة قبل العملية وجدت الطبيبة نسبة السكر في دمي عالية جدا فرفضت إجراء العملية لأن هذا سيشكل خطرا على حياتي وقالت أنه يجب على أن اخفض مستوى السكر أولا. كان الوقت يداهمني فالوقت قليل ويجب أن تتم زراعة القرنية خلال ثلاثة أيام على الأكثر كنت في صراع مع الزمن إلا أنني والحمد لله استطعت أن أخفض نسبة السكر في دمي من خلال مركز متخصص في هذا وأجريت العملية والحمد لله أرى الآن بالعين اليسرى بنسبة 100% وسوف أعود مرة أخرى إلى تايلاند لإجراء العملية في العين اليمنى.

ويختم الشيخ قصته: وهكذا فإنني بعد 43 عاما من العمى أصبحت أبصر… إن الأمر بالنسبة لي أشبه بالمعجزة… فهناك العديد من أحفادي رأيتهم للمرة الأولى مؤخرا… حتى أنني زرت تايلاند ولم أكن أعلم ما طبيعة البلد وبعد العملية شاهدتها للمرة الأولى… وبعد نجاح العملية كدت أطير من الفرح والسعادة فالبصر أهم ما يملك الإنسان وأنصح كل من فقد بصره ألا ييأس من رحمة الله فهناك أمل ما دام الإنسان فيه نفس.