في كثير من الكليات العسكرية في العالم تم إعتماد معركة الحصيد مع جيش الفرس كنموذج عسكري حديث وكان قد تحدث عنه المنظر العسكري الروسي الشهير "بروميكوف" .. وأيضاً تحدث عن بطولاته الضابط البريطاني الشهير "جلوب" ..
في الحقيقة من الصعب جداً كتابة تاريخ هذا الشخص الأسطوري في مقال واحد .. فحياته والمواقف التي مر بها والحروب التي خاضها تحتاج لمجلداتِ للخوص في تفاصيلها .. وسوف أحاول كتابة أكثر المواقف التاريخية إجلالاً وتأثيراً على مسيرة التاريخ الجغرافي والسياسي في ذلكَ الوقت ..
خاض خالد بن الوليد معركة واحدة ضد المسلمين قبل إسلامه وكان في ذلكَ في غزوة أحد .. وبسبب عدم إلتزام أفراد الجيش بتوجيهات الرسول صلى الله عليه وسلم وبنفس الوقت عبقرية وحنكة خالد بن الوليد أنهزم الجيش الإسلامي في هذه الغزوة بعد أن كان المسلمين قاموا بضربتهم الأولى وأنشغلوا بجمع الغنائم فجاء خالد بن الوليد من الخلف ووجد فجاً فقتل الكثير منهم ..
خالد بن الوليد رضي الله عنه أسلم بعد أن وصله الأخبار برغبة الرسول صلى الله عليه وسلم شخصياً بإسلامه عن طريق أخيه الوليد بن الوليد والذي سعد بهِ كثيراً وذهب إلى رسول الله صلى عليه وسلم وأسلم فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم ( الحمد لله الذى هداك قد كنت أرى لك عقلا لا يسلمك الا إلى الخير) ثم ذهب إلى قريش عند الكعبة وقال لهم أنه أسلم وضرب الصنم بسيفه وقال لهم من يرد علي فلقد ضربت إلهكم .. لم يرد عليه أحد وقال أنه ذاهب مع الرسول محمد صلى الله عليه وسلم .. تهامز أحد أفراد قريش وقال هل سوف نتركه فرد عليه أحد كبار قريش : يا سفيه إنه خالد ومن يرد خالد عن أمر كان في نفسه ..
تم إرساله بعد شهرين كأحد أفراد الجيش في معركة مؤتة التي كانت مع الغساسنة والروم وكان عدد الجيش حسبما هو مؤرخ ثلاثين الف جندي .. بينما عدد جنود قوات الجيش الروماني كانت مائتين الف مقاتل .. فأستلم القيادة بعد وفاة القادة الثلاثة اللذين أوعز لهم الرسول صلى الله عليه وسلم بإستلام الراية .. وأستخدم يومها تكتيكا عسكرياً حديثاً وعبقرياً.. وتم تصنيف هذا التكتيك الإحترافي في رسالة دكتوراة من جامعة السوربون في فرنسا بأنها " مناورة النظام المائل" حيث تم دعم الميمنة إلى الميسرة إلى الميمنة ودعم الميمنة إلى الميسرة وترك المقدمة والمؤخرة لحماية الجيش كاملاً والهدف هو تركيز القوة الضاربة في طرفٍ معين لكي يزعزع الجيش المعادي في مراحله الأولى ويسبب إرباك حقيقي للقلب فيما بعد .. وأيضاً قام بإصدار جلبة وقام خط من الجيش بإفتعال الغبار والأتربة وذلك لمحاربة الجيش المعادي نفسياً وهو ماتسمى بالتكتيك الحربي الحديث "الحرب النفسية" فلايقدر على تقييم قوة الجيش المقابل له وأيضاً ليسري الإعتقاد في داخله بأن هناك دعماً متواصلاً للجيش لاينقطع .. فظهروا أمام الجيش المعادي بأنه جيش جرار لابداية له ولانهاية .. فتراجع الجيش الروماني بعد أن فقد الثقة بنفسه وسحب خالد بن الوليد جيشه ولم يلحق به أحداً من قوات الروم خوفاً من أن يكون هناك كمين من هذا الجيش الجرار حسب الإعتقاد الذي زُرع في دواخلهم .. وفي هذه المعركة بالذات أطلق الرسول صلى الله عليهم وسلم على خالد بن الوليد رضي الله عنه لقب سيف الله المسلول ..
كان لخالد بن الوليد بعد ذلكَ دور في عظيم في عهد خلافة أبوبكر الصديق في الفترة التي وجد فيها الكثير الفرصة ليرتدوا عن الإسلام بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم .. فقام أبوبكر الصديق رضي الله عنه بإرساله على رأس الجيش للقضاء على هذه الحركات التي خرجت عن الإسلام وكان من أشهرها إدعاء مسليمة الكذاب النبوة فقضى خالد بن الوليد عليهم بشكل تام وقام بعد ذلكَ بالعودةِ إلى المدينة المنورة
يكون بعدها خالد بن الوليد على رأس جيش لتبدأ مراحل أقوى وأشرس من المعارك وهذه المرة مع الإمبراطورية الساسانية في بلاد فارس "الفرس" .. خاض فيها خالد بن الوليد معارك ضارية مع الفرس تكللت كلها بإنتصارات إسلامية عظيمة وأشهرها معركة ذات السلاسل التي كانت ضد جيش الفرس بقيادة قائد الفرس الشهير "هرمز" وأستخدم فيها خالد بن الوليد إستراتيجية "حرب الإستنزاف" والذي أجهد جيش الفرس كثيراً .. وقام وقتها قائد الفرس "هرمز" بتقييد الجنود بالسلاسل وذلك كناية على أنها الإنتصار أو الموت ولكي لايفر جنود المعركة لأي ظرفٍ كان .. أنتصر خالد بن الوليد في وقتٍ قصير وقضى على القائد هرمز وعلى الجيش كاملاً بالرغم من أن عدد جيش المسلمين لايصل إلى ربع عدد جيش الفرس في تلك المعركة وتستمر بعدها المعارك والإنتصارات ومن ضمنها معركة الحصيد التي أشرتُ لها في بداية المقال ..
بعدها قام أبوبكر الصديق بتحويل خالد بن الوليد من جبهة الفرس إلى جبهة الإمبراطورية البيزنطية والتي يعتبرها بعض المؤرخين من أهم المعارك في تاريخ العالم .. هذا التركيز على جبهة الروم كان بسبب تقدمهم نحو المسلمين.. الجيش البيزنطي كان يتكون من الجيش الأوروبي و الأرميني والروسي والغساسنة .. وكانت الإمبراطورية تحت قيادة الملك "هرقل" .. تحول خالد بن الوليد إلى هذه الجبهة في ظرف أسبوعين ومعه على الأرجح تسعة الالاف مقاتل .. وتم توليته الجيش من قبل الخليفة أبوبكر الصديق رضي الله عنه فأستلم القيادة العامة من أبوعبيدة عامر بن الجراح رضي الله عنه .. وأستمرت المعركة ستة أيام .. فاز فيها الجيش الإسلامي نصراً عظيماً وتاريخياً على أقوى جيش في العالم في ذلكَ الوقت وأستخدم في هذه الستة الأيام خالد بن الوليد كعادته تكتيكاً عسكرياً تم ذكره بالتفصيل في المراجع الإنجليزية .. حتى خالد بن الوليد لم يكتفي بهزيمة الجيش البيزنطي بل قام بملاحقة الفلول في اليوم السادس والذي تفاجأوا وصدموا بذلكَ على غير العادة في الحروب ويقوم بالإجهاز على أحد قادة البيزنطيين والمسمى "ماهان" ..
في تلكَ الفترة تولى الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه الخلافة وقام بإرسال أمر تنحية خالد بن الوليد من القيادة العامة للجيش وتسليمها مجدداً لأبوعبيدة عامر بن الجراح رضي الله عنه وأطاع خالد بن الوليد الأمر بدون تردد أو نقاش في دلالة على عظمة هذا القائد وأنه زاهد في المناصب وجلٌ همه هو الإنتصار للجيش فعاد جنداً بين الجنود وكانت إحتمالات الأسباب عديدة لتنحية خالد بن الوليد من القيادة مثل إفتتان المسلمين بخالد بن الوليد وأنهم أصبحوا يعتقدون بأن النصر لايأتي إلا عن طريق قيادته وعمر بن الخطاب أراد أن يوعي المسلمين بأن النصر من الله وليس من فرد .. بل العمل متكامل بين الجيش .. وهناك إحتمال آخر بأن أبوعبيدة عامر بن الجرح أقدم إسلاماً وأمين الأمة الإسلامية ورأى عمر بن الخطاب أنه أولى بها .. وأيضاً قد يكون بسبب شدة خالد بن الوليد ولين أبوعبيدة .. أو ربما لمثلبة قديمة قام بها خالد بن الوليد مع مالك بن نويرة وتعتبر أحد الأخطاء النادرة لخالد بن الوليد ..