[color=darkblue]المقدمة:
إن الله سبحانه وتعالى غير معلوم الذات, وغير محسوس وإنما يدرك بالعقول, والفطرة, كوجود الهواء والكهرباء، نحن لا نراهم ولكن تظهر آثارهم في حياتنا، كذلك أن وجود الله شيء محسوس غير مادي, لا يستطيع العقل إدراكه لأنه وراء المادة, ولكنه يلتمسه من خلال أحاسيس داخلية, ومشاعر وجودية مسكونة في قلب الإنسان, وخصوصا أوقات العبادة عندما يكون بين يديه يتملكه شعور بالقرب منه. وأنا في هذا الموضوع أتناول دلائل وجود الله وكيفية تحصيل الألوهية.
وجود الله:
وجود الله تعالى أظهر حقيقة في هذا الوجود، وأول شعور يشرق في عمق الإنسان إذا تأمل في نفسه وفي العالم من حوله، شعوره بوجود الله المهيمن على العالم كله والمدِّبر له والذي يتصرف فيه بالحياة والموت والخلق والفناء والتغير والتطور والحركة والسكون وجميع أنواع التغيرات المحكمة التي تجري فيه.
فالإنسان يشعر بهذه الحقيقة وهي وجود الله، ويؤمن بها إيماناً داخلياً عميقاً، سواء استطاع أن يقيم دليلاً عقلياً برهانياً على صدق هذا الشعور أو لم يستطع.
ولكن دليل الفطرة شاهد حق قد يسبق الأدلة النظرية وقد يكون أعمق منها في الشعور والصدق.
قال الله تعالى: {فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ} [الروم: 30].
فطرة لا تنطمس في النفس الإنسانية إلا من بالغ في الانحراف الخُلقي بدافع شهواني ليرضي نفسه أو من حامت حوله الشكوك الفكرية أو من عادي هذه الفطرة استكباراً وتجبراً. ومن هذا المنطلق لابد من إقامة أدلة نظرية عقلية ترفع عن ذهن الإنسان كل شك أو ريب في وجود الله، فبالحجة القاطعة لا يترك مجال لأي شخص بإنكار هذه الحقيقة.
دلائل وجود الله سبحانه وتعالى :
– أن العدم لا يخلق شيئاً:
والمعنى أن الذي لا وجود له لا يستطيع أن يصنع شيئاً لأنه غير موجود.
فإذا تأمل المرء في المخلوقات التي تولد في كل يوم من إنسان وحيوان ونبات وتفكر في كل ما يحدث في الوجود من رياح وعواصف وأمطار وليل ونهار، ونظر في المجرات الضخمة (التي تحتوي آلاف ملايين النجوم)، ونظر في كل مجرة فيها بالإضافة إلى النجوم والكواكب والسُّدم الغازية وتسير كلها بسرعات هائلة، وما فيها من النجوم والكواكب التي لها حركتها الخاصة المنتظمة، ومع ذلك فلكل منها مداره المنتظم الذي لا يختلف، ومن نظر في عالم الحياة من الأسرار في وحيدات الخلية وكذا في الورقة الخضراء التي تحتفظ بسر صناعة الغذاء، ومن غاص في عالم الذرة وأسرارها وفي عالم الإنسان وأسراره وغير ذلك من العوالم التي لا يستطيع أن يحصيها الإنسان والتي لا مجال للإفاضة فيها.
فإنه يجزم بأن هذا كله ليس من صنع العدم الذي لا وجود له، بل هو من صنع الخالق الموجود سبحانه.
قال الله سبحانه وتعالى: {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ* أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بَل لا يُوقِنُونَ} [الطور: 35، 36].
كما أن حدوث العالم يدل على الخلق لأنَّ العلوم تثبت بكل وضوح بأن هذا الكون لا يمكن أن يكون قديماً أزلياً أي ليس له بداية. فهنالك انتقال حراري مستمر من الأجسام الحارة إلى الأجسام الباردة ولا يمكن أن يحدث العكس.
فالكون يتجه إلى درجة حرارة تتساوى فيها حرارة جميع الأجسام، وينضب فيها معين الطاقة، ويومئذ لن تكون هناك عمليات كيماوية أو طبيعية، ولن يكون هنالك أثر للحياة نفسها في هذا الكون ولما كانت الحياة لا تزال قائمة، ولا تزال العمليات الكيماوية والطبيعية تسير في طريقها، فإننا نستطيع أن نستنتج أن هذا الكون قد كانت له بداية، وإلا لاستهلكت طاقته منذ زمن بعيد وتوقف كل نشاط في الوجود.
وهذا العالم لم يأتِ من العدم كما ذكرنا في الدليل الأول والحادث كذلك لا يستطيع إخراج نفسه من مرتبة العدم إلى مرتبة الوجود، فينتج أن هناك خالقاً أوجده وأخرجه من العدم إلى الوجود.
قال الله تعالى: {أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ(1) السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} [إبراهيم: 10].
إضافة إلى ذلك فإن الإتقان في الكون يدل على خالق عظيم حكيم: إن إتقان صنعة هذا العالم الزاخر بالمتقنات دليل واضح على الصانع المتقن الحكيم العظيم العليم، يشهد ذلك كل الناس، وبالبداهة يُحكم بأن الله حق وهو على كل شيء قدير، وهكذا نجد أن الصنعة تدل على الصانع، فكل مصنوع لابد له من صانع، وكل إتقان للصنعة يدل على كمال متقنها ولنضرب مثالاً على ذلك:
إذا رأينا باباً من خشب قد أتقن صنعه، فإننا سنعلم أن للمصنوع صانعاً، وأن الصانع يملك الخشب، وأنه يستطيع أن يقطعه بانتظام وأنه قادر على أن يجعل الخشب أملس، وأنه يملك المسامير، وأنه يقدر على تثبيت أجزاء الباب بالمسامير وأن لديه خبرة في صناعة الأبواب وأن لديه إحكاماً في عمله وهكذا نجد كلَّ شيء في المصنوع يدل على صفات عند الصانع، فلا يمكن أن يوجد شيء في المصنوع إلا إذا كان الصانع يملك قدرة أو صفة تمكنه من صنع ذلك الشيء ولله المثل الأعلى.
الخاتمة:
والآن بعد أن تناولنا جميع هذه الدلائل على وجود الله لابد من الإيقان من وجود مبدع ومخترع وخالق من العدم إلى الوجود فيا لأسف لكافر يعلم بوجود هذه الدلائل ولا يؤمن بخالقه
المصدر :
1- كتاب سبيل المعرفة الشيخ خليل رزق
V
وجزاج الله خير