هناك بعض الهموم التي يعيشها هذا النوع من التعليم في امارة أبوظبي الذي يضم نحو 177 ألفاً و715 طالباً وطالبة يدرسون في 182 مدرسة في مختلف المراحل الدراسية والذي يفوق أعداد طلبة المدارس الحكومية البالغ عددهم 126 ألفاً و830 طالباً وطالبة يدرسون في 296 مدرسة، ومن بين تلك الهموم الزيادة السنوية لأعداد الطلبة الراغبين في الالتحاق بمدارس التعليم الخاص وعملية اختيار المعلم وتدريبه وتحسين وضعه المادي وتخفيف الأعباء عنه مقابل ما يتلقاه من راتب ضئيل مقارنة بزملائه في المدارس الحكومية، بالإضافة إلى عدم صلاحية المباني المدرسية “الفلل”، وما يشكله هذا من خطورة على الطلبة، فضلاً عن ضيق الفصول وموقعها غير الآمن وافتقارها إلى الملاعب والساحات ولكل مقومات المبنى المدرسي الذي يمنح الأمن والأمان وجودة التعليم للطالب، ناهيك عن مشكلة زيادة الرسوم الدراسية السنوية والشروط التي تفرضها بعض المدارس عند تسجيل وقبول الأبناء وما يصاحبها من أعباء مالية ترهق الأُسر من ذوي الدخل المحدود، ولا تقتصر الهموم على المعلمين وأولياء الأمور، بل إنها طالت أيضاً إدارات ومالكي المدارس، حيث تتمثل معاناتهم في إجراءات تعيين المعلمين، والاستقالات المفاجئة في وسط العام الدراسي، والتفاف المعلم على قرار الانتقال، وصعوبة البحث عن المعلم البديل وإجراءات الموافقة على تعيينه من قبل الجهات المعنية .
“الخليج” التقت عدداً من مديري ومعلمي مدارس التعليم الخاص في أبوظبي وأولياء الأمور واستطلعت مجمل الهموم التي يعيشها هذا القطاع، كما التقت عدداً من المسؤولين والتربويين في مجلس أبوظبي للتعليم وتعرفت إلى المساعي الحثيثة والجهود التي تبذل لتطوير هذا القطاع ورفع مستواه باعتباره رافداً أساسياً يحتل المرتبة الأولى في رفد المجتمع بالخريجين من الطلبة .
في البداية، أكد الدكتور مغير خميس الخييلي مدير عام مجلس أبوظبي للتعليم، حرص المجلس على توفير فرص التعليم المتميز لكل طالب وطالبة في إمارة أبوظبي دون النظر لجنس أو نوع أو قومية أو عقيدة، مشيراً إلى أن فلسفة المجلس ورسالته التي حددها الفريق أول سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة رئيس مجلس أبوظبي للتعليم، تؤكد أن التعليم حق للجميع، مطمئناً جميع أولياء أمور الطلبة من المواطنين والمقيمين على توافر مقاعد دراسية تستوعب جميع أبنائهم خلال العام الدراسي المقبل 2024-2012 في المدارس الحكومية والخاصة في أبوظبي والعين والمنطقة الغربية .
وأشار إلى استمرارية المجلس في تنفيذ خطته التي تهدف إلى ضمان الالتزام بمعايير الجودة العالية وتوسيع نطاق الحصول على تعليمٍ خاصٍ عالي المستوى، وإتاحته أمام الجميع في الإمارة سواء كانوا من المواطنين أو المقيمين، والتزام كافة المدارس الخاصة بتحقيق الحد الأدنى من معايير التقييم التي وضعها لكل مدرسة .
وقال إن المجلس أعد مؤخراً اللوائح التنظيمية لقطاع التعليم الخاص بعد عمليات تقييم شاملة للمدارس الخاصة قامت بها فرق متخصصة العام الماضي استهدفت الوقوف على الجوانب السلبية والإيجابية فيها من أجل الارتقاء بمستوى الأداء وتطوير الخدمات التعليمية التي تقدمها للطلبة وفقاً لمعايير المجلس وتحقيق المعايير التي تؤهلها للحصول على الاعتماد الأكاديمي الذي ينوي المجلس تطبيقه اعتباراً من العام الدراسي المقبل .
وأضاف أن المجلس يحرص على زيادة عدد المدارس الخاصة بالإمارة لمواكبة الزيادة السنوية في أعداد الطلبة والتي تبلغ 5% سنوياً، وذلك من خلال تشجيع الاستثمار في هذا المجال ومساعدة المستثمرين وأصحاب المدارس الخاصة في الحصول على أراض لبناء مدارس ذات مستوى عالٍ والاستفادة من بعض الأبنية المدرسية الحكومية الشاغرة لصالح المدارس الخاصة حتى نستطيع توفير المقاعد الدراسية التي تلبي تلك الزيادة، وبما يحقق استراتيجية المجلس التي يأتي من بين محاورها الأساسية توفير التعليم الخاص المناسب للطلبة وفق إمكاناتهم، والاستمرار في تنفيذ البرامج التدريبية للهيئات الإدارية والتدريسية بالمدارس الخاصة بما ينعكس إيجاباً على هذا القطاع الحيوي والمهم ككل ويصب في مصلحة الأبناء .
قالت فادية القلة، مديرة مدرسة الروافد الخاصة، إن من أبرز المشاكل التي تعانيها معظم إدارات المدارس الخاصة الاستقالات المفاجئة لبعض المعلمين خاصة المعلمات اللواتي على كفالة ذويهن حيث يتقدمن بسهولة ودون سابق إنذار بطلب الاستقالة متذرعات بأي حجة، وغالباً يتم ذلك بعد حصولهن على وظيفة أفضل حتى لو كانت بزيادة طفيفة، مشيرة إلى أن من حق أي معلم يرغب في تحسين مستواه المعيشي، ولكن يجب ان يتمتع المعلم بالضمير المهني والأخلاق المهنية .
وشدد على أن اللوائح الجديدة للتعليم الخاص يجب أن تمنح إدارات المدارس الحق في إضافة بند أثناء إبرام عقد التعيين لأي معلم لديها تشترط فيه ألا يطلب استقالته خلال العام الدراسي، حيث إن انتقال المعلم واستقالته المفاجئة يسبب إرباكاً للمدارس حيث إنه من الصعب أن نجد بديلاً له، وإن وجد البديل نصطدم بمسألة إجراءات تعيينه التي تستغرق أكثر من شهر .
وأضافت أن المدارس تتكفل بعمل التأمين الصحي لأبناء المعلمات اللواتي يشكلن نسبة 80% من معلمي مدرستها، حيث تتراوح تكلفة التأمين ما بين 1000 إلى 3700 درهم، مشيرة إلى أن المدرسة تخسر ما يقدر ب 550 ألف درهم سنوياً لصرف بطاقة التأمين الصحي للموظفين والعمال والمعلمين بالمدرسة، لافتة إلى أن أقل معلم لديها يتقاضى 6000 درهم، مشيرة إلى أن الاستقالات تؤثر في العملية التربوية والتعليمية بدرجة اولى، وتدخل المدرسة في دوامة لا آخر لها .
اعترفت ريم الرحيباني، مديرة مدرسة البشائر، أن المدارس الخاصة ليس بمقدورها منع تنقلات المعلمين، لكن المعلم الذي انتقل إلى مدرسة خاصة أخرى قد يتركها بين لحظة وأخرى كما فعل في السابقة، لافتة إلى أنها لم تعد تثق بتعيين معلم لديها ترك مدرسته في وقت كانت بحاجة إليه .
وأكدت أن بعض المدارس تخسر الكثير في سبيل استقطاب معلمين من الخارج حيث تتكبد عناء السفر واللجان والإقامة والتأشيرات، وليس من المعقول أن تفقد المدرسة كل ذلك في غضون عام أو شهور . وقالت إنه ينبغي أن تضع الجهات المعنية في الوزارة أو مجالس التعليم قانوناً يحظر انتقال هؤلاء المعلمين إلى أي موقع عملي آخر إلا بعد مرور ثلاث سنوات على الأقل، وبالأخص معلمو المواد الأساسية .
أحد مديري المدارس الخاصة في أبوظبي، امتنع عن ذكر اسمه، قال إن الاستقالات الفجائية والانتقال إلى التعليم الحكومي من قبل معلمي التعليم الخاص او إلى مدارس خاصة مماثلة تشكل عبئاً كبيراً على المدارس الخاصة، حيث إن المشكلة تكمن في أن المنطقة التعليمية توافق للمعلم المستقيل من مدرسته في منتصف العام الدراسي للعمل في مدرسة خاصة أخرى بحجة أن من حق المعلم تحسين حياته المعيشية، مشيراً إلى أن مسألة تحسين المستوى المعيشي للمعلم أمر وارد، ولكن تقديم الاستقالات ينبغي أن يتم مع نهاية العام الدراسي حتى تتمكن المدارس من ترتيب أوضاعها قبل بداية العام الدراسي الجديد، لافتاً إلى أن منح المعلم الموافقة في الانتقال من مدرسة خاصة إلى أخرى أمر غير موضوعي ولا منطقي .
أبدت لمياء المدفعي، مديرة مدرسة “أبي موسى الأشعري الخاصة” بمنطقة الوثبة، أملها أن تحصل مدرستها على موافقة الجهات المعنية بالسماح لها ببناء فصول إضافية في المساحات الكبيرة الفارغة، وكذلك بناء صالات أنشطة تربوية، مشيرة إلى أنها تتابع المجلس للحصول على الموافقة لها بالزيادة في الرسوم الدراسية بدءاً من العام المقبل، كون المدرسة أجرت تحسينات وتعديلات نوعية على مناهجها لتتواكب مع سياسة التطوير التي يقوم بها المجلس، كما منحت معلميها زيادة في الرواتب، لافتة إلى أن رسومها الدراسية الحالية لن تغطي تكاليف البناء والتطوير للمدرسة وفق المواصفات المطلوبة التي حددها المجلس والتي تفوق قدراتها المادية حيث إن رسومها تتراوح ما بين 5 إلى 6 آلاف درهم شاملة للمواصلات والكتب الدراسية، موضحة أن مدرستها ليست من مدارس الفلل ولكنها تمتلك مساحة كبيرة تمكنها من إضافة فصول دراسية وصالات أنشطة تربوية ورياضية، ويبلغ عدد طلابها 480 طالباً وطالبة في الروضة والمرحلة التأسيسية فقط .
وقالت مديرة مدرسة خاصة، رمزت إلى اسمها بحرفي (ز . م) إن بعض المدارس تنفق عشرات الآلاف من الدراهم على معلمين لا يمكثون فيها أكثر من عامين، كما تعيش مدارس أخرى حالة إرباك متواصلة بفعل تنقلات المعلمات اللواتي على كفالة ذويهن حتى وإن حصلن على زيادة تقدر ب 100 درهم على رواتبهن في مدارس أخرى .
وأرجعت تدني رواتب معلمي المدارس الخاصة إلى الرسوم الدراسية التي تحصلها بعض المدارس من الطلبة، وهذه المدارس لا نلومها، ولكن في المقابل توجد مدارس قادرة على رفع رواتب معلميها ولكنها لا تعمل ذلك .
وفي المقابل، اشتكى عدد من معلمي ومعلمات المدارس الخاصة من تدني رواتبهم وكثرة النصاب التدريسي الذي يتراوح ما بين 25 إلى 30 حصة أسبوعياً، وتكليفهم بأعمال إضافية كمشرفين على الحافلات المدرسية وملاحظين على الطلبة في الساحات خلال الفسحة دونما أي مقابل مادي يحتسب لهم، حيث أكد أحد المعلمين أن المعلم في ظل هذا النصاب يبدأ يومه دون أن يعرف متى ينتهي وفي آخر الشهر يتسلم راتباً لا يتجاوز 3000 درهم، وأوضح معلم آخر أن معاناة المعلمين في قطاع التعليم الخاص ليس لها نهاية، حيث بلغ الأمر ببعض المدارس إلى تسليم الرواتب بعد مرور 10 أو 15 يوماً، وهذا يضعهم في مأزق دائم مع الحياة وتلبية المتطلبات المعيشية، وتساءلت معلمة أخرى حول ما إذا كان راتب كهذا يكفي المعلم لتدبير نفقات الماء والكهرباء والمواصلات؟
وحول معاناة أولياء الأمور مع مدارس التعليم الخاص لفت العديد منهم، وبخاصة ممن تم دمج أبنائهم الذين كانوا يدرسون في مدارس “الفلل” التي اغلقت في العام الماضي في مدرسة واحدة إلى أن عملية الدمج لم تقنعهم، خاصة أن المدرسة التي تم اختيارها تبعد كثيراً عن مناطق سكنهم، مشيرين إلى أن ذلك لم يكن حلاً لمشكلات مدارس “الفلل”، مشيرين إلى أنهم واجهوا صعوبات جمة في البحث عن مدارس خاصة لأبنائهم وبالذات الإناث وصغار السن منهم، الأمر الذي اضطرهم إلى إلحاقهم في مدارس خاصة لا تتناسب وإمكاناتهم المادية، مما اضطرهم للاقتراض من البنوك، حيث إن مدارس التعليم الحكومي لا تقبل أبناء الوافدين إلا نسبة 20% من إجمالي طلبة المدرسة الواحدة، وغالباً ما تغلق الأبواب في وجوه أبنائهم لكفاية العدد، فيما شكا البعض الآخر من فرض المدارس التي استقطبت أبناءهم رسوماً دراسية تفوق رسوم مدارس الفلل التي كانت تتعامل معهم بنظام الدفع بالأقساط المريحة، وأعربوا عن تخوفهم من بعض التصرفات غير التربوية التي يتعرض لها الأبناء كالشتم والضرب والإهانة من قبل بعض المعلمين في مدارسهم .
وقالت نجلاء الدهان، ولية أمر، إن بعض المدارس الخاصة تلجأ إلى توظيف معلمين من ذوي التحصيل المقبول حتى تضمن بقاءهم لديها لأن التدريس في المدارس الحكومية يشترط حصول المعلم على معدل جيد فما فوق في شهادته الجامعية، مشيرين إلى أن ذلك يضر بمستوى التحصيل لأبنائهم، فالمعلم الضعيف لا يعطي إلا تعليماً ضعيفاً، كما أن التمسك بالمعلم الجيد والذي ليس لديه الرغبة في التدريس لضعف راتبه بالتأكيد لن يخلص في مهنته ولن يستطيع أحد إجباره على ذلك، لافتين إلى أن المعلم بطبيعة الحال يبحث عن تعديل أوضاعه المعيشية نحو الأفضل .
أكد يوسف الشرياني، المدير التنفيذي لقطاع التعليم الخاص وضمان الجودة بمجلس أبوظبي للتعليم، أن المجلس لديه معايير واضحة بشأن زيادة الرسوم الدراسية من جانب بعض المدارس، منها أن زيادة الرسوم لا تتم تلقائياً من جانب المدرسة، بل ينبغي تقديم طلبات الزيادة في الفترة الزمنية التي حددها المجلس وهي من أول مارس/ آذار الماضي وحتى منتصف أبريل/ نيسان الجاري .
وقال إن المجلس لم يتخذ أي قرار حتى اليوم بشأن زيادة الرسوم في أية مدرسة خاصة على مستوى الإمارة، وإن قرارات الزيادة من عدمه ستتخذ بعد انتهاء المدة المقررة ووفقاً لتوفر المتطلبات التي حددها المجلس للزيادة .
وأشار إلى أن المجلس أبلغ جميع المدارس الخاصة بضرورة الالتزام بالرسوم الدراسية بما فيها رسوم المواصلات والكتب والزي المدرسي المعتمدة من قبل قطاع المدارس الخاصة وضمان الجودة، كما أنه لا يحق للمدرسة تحصيل أي رسوم إضافية دون الحصول على موافقة خطية مسبقة من المجلس، وتتضمن هذه الرسوم رسوم تقييم الطلبة عند تقديم طلب الالتحاق أو رسوماً لاستخدام غرف المصادر التعليمية أو أي رسوم أخرى من ذات الصفة، وسيتم مخالفة المدارس غير الملتزمة بذلك .
وأوضح أن اللائحة المنظمة للعمل بالمدارس الخاصة التي يستعد مجلس أبوظبي للتعليم لإصدارها تلزم المدرسة ومديرها بالتكفل بضمان أحقية الطلبة في عدم التعرض للاستغلال أو العنف أو الإيذاء الجسدي أو الاعتداء الجنسي أو أية إهانة لفظية أو تهديد معنوي أو إيذاء من أي نوع، طالما أن الطالب تحت رعايتها، بما في ذلك أوقات انتقاله من المدرسة وإليها باستخدام وسائل المواصلات التي توفرها المدرسة وعند انتقاله خلال الأنشطة التي تنظمها المدرسة كالرحلات وغيرها .
نصت اللائحة التنظيمية الجديدة للتعليم الخاص بمجلس أبوظبي للتعليم على أن يقوم مالك المدرسة بتعيين مجلس أمناء لضمان فعالية إدارتها وكفاءتها ولتخويلهم الحق في مساءلة مدير المدرسة، ويكون مجلس الأمناء مسؤولاً عن تعيين مدير المدرسة وتقويم أدائه وإعفائه من منصبه إذا لزم الأمر، كما يكون هذا المجلس مسؤولاً عن اعتماد سياسات المدرسة وخطط تطويرها، وضمان سياسات التطوير وخططه الموضوعة من قبل مدير المدرسة تدعم تحقيق رؤية المدرسة وقيمها، مع الالتزام بأحكام هذا القرار، ودليل سياسات المدارس الخاصة وإرشاداتها، كما يجوز لمالك المدرسة وفقا للائحة أن يكون عضواً بمجلس الأمناء أو رئيساً لها، ولا يحق له المشاركة في إدارة العمليات اليومية للمدرسة كما لا يجوز تخصيص مكتب دائم له بالمدرسة، ونصت اللائحة على أن تشكل كل مدرسة لجنة دائمة للشكاوى تكون مسؤوليتها النظر في الشكاوى الكتابية التي تقدم في حق المدرسة وأسلوب عملها ويكون مدير المدرسة رئيساً لها، والرد كتابياً على الشكاوى المقدمة من أولياء الأمور أو المعلمين خلال (24) ساعة من تسلمها .