السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
السؤال
ما هي الآداب التي يجب أن يتحلَّى بها طالب العلم؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
العلم الشرعي هو ميراث النبوة ، والعلماء ورثة الأنبياء، فبقدر حظ الإنسان من العلم الشرعي يكون حظه من ميراث النبي صلى الله عليه وسلم ، ولذلك كان طلب العلم من أفضل القربات، وأجلِّ الطاعات.
وينبغي على طالب العلم أن يتحلى بالآداب اللائقة بطلب العلم، والتي يمكن تقسيمها على النحو التالي:
آداب طالب العلم مع الله تعالى:
1- أن يكون مخلصاً لله تعالى في طلب العلم، فلا يطلبه لِمِرَاءٍ أَوْ رِيَاءٍ قال –صلى الله عليه وسلم-: "لا تعلموا العلم لتباهوا به العلماء، أو لتماروا به السفهاء، أو لتصرفوا به وجوه الناس إليكم، فمن فعل ذلك فهو في النار" حديث حسن، رواه ابن ماجة (259) وحسنه الألباني.
2- أن يقف عند حدود الله ولا يتعداها، قال تعالى: "وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ" [فاطر : 28 ] فكلما ازداد علماً ازداد لله خشية. يقول مَالِكُ بْنُ دِينَارٍ : "مَنْ لَمْ يُؤْتَ مِنْ الْعِلْمِ مَا يَقْمَعُهُ، فَمَا أُوتِيَ مِنْهُ لَا يَنْفَعُهُ".
3- أن يغار على حرمات الله ويدافع عنها آمراً بالمعروف ناهباً عن المنكر، قال –صلى الله عليه وسلم-: "الدين النصيحة". قلنا: لمن؟ قال: "لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم" صحيح مسلم (82).
4- أن يسلم لما جاء من الأحكام والتشريعات عن الله عز وجل، ولا يقدم رأيه على النصوص الشرعية الواردة عن الله ورسوله؛ لقوله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ" [الحجرات : 1 ]
آداب طالب العلم مع العلماء:
1- أن يوقرهم ويجلهم ويدعو لهم بالرحمة والمغفرة.
2- أن يظهر محاسنهم، ويغض عن مساوئهم.
3- أن يحسن الظن بهم، ولا يطعن فيهم لاجتهاد اجتهدوه يبتغون به أجر الله تعالى، فالمصيب له أجران والمخطئ له أجر واحد، بل يدعو الله أن يجزيهم خيراً عما أصابوا فيه، ويغفر لهم ما قصروا فيه.
آداب طالب العلم مع شيوخه:
1- أن يجتهد ويتحرى في اختيار أصحاب الديانة والتقوى والورع من العلماء، يقول ابن سيرين وغيره : " إن هذا العلم دين ، فانظروا عمن تأخذون دينكم ".
وقال الخطيب البغدادي : " ينبغي للمتعلم أن يقصد من الفقهاء من اشتهر بالديانة، وعرف بالستر والصيانة".
2- التواضع لهم وإجلالهم، وتقديرهم، لأن الله رفع منزلة العلماء، فقال: "يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ" [المجادلة : 11 ].
عن عبادة بن الصامت –رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " ليس من أمتي من لم يجل كبيرنا، ويرحم صغيرنا، ويعرف لعالمنا حقه". رواه أحمد (21693) وإسناده حسن انظر مجمع الزوائد (1/127).
3- ملازمتهم للاستفادة من هديهم وسمتهم ليَكُون مُقْتَدِيًا بِهِمْ فِي أَخْلَاقِهِمْ ، مُتَشَبِّهًا بِهِمْ فِي أَفْعَالِهِمْ ؛ لينشأ عليها ويجتنب ما يخالفها، والنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ " أخرجه أحمد(5409)، وأبو داود (4031)..
– التأدب في الجلوس بين يدي شيخه ، وحسن الإصغاء إليه ، وأن لا يتشاغل عن ذلك بشيء، لأن الله يقول: "مَّا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ "[الأحزاب : 4 ] .
4- الصبر على ما قد يصدر عن شيخه من جفوة وشدة في بعض الأحيان، والتماس العذر له.
5- التلطف في السؤال عما أشكل عليه ، فإنما شفاء العي السؤال ، وأدب السائل من أنجع الوسائل ، فإن سكت شيخه عن الجواب لم يلحف عليه في المسألة ، وإن أخطأ تلطف في المراجعة . فقد قيل لِابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا : بِمَ نِلْت هَذَا الْعِلْمَ ؟ قَالَ : بِلِسَانٍ سَؤولٍ وَقَلْبٍ عقُولٍ . (أدب الدنيا والدين ص 78).
6- حسن الإصغاء حتى فيما سبق له به علم ، فإن هذا من أحسن الأدب لطالب العلم ، يقول عطاء بن أبي رباح : " إني لأسمع الشاب ليتحدث بالحديث فأسمع له كأني لا أحسن منه شيئا " ويقول أيضا : " وإني لأسمع الشاب ليتحدث بالحديث فأسمع له كأني لم أسمع به ، ولقد سمعته قبل أن يولد".
آداب طالب العلم مع زملائه:
1- أن يتواضع لهم، ولا يتكبر عليهم أو يتعالى عليهم بما أوتي من قوة حافظة أو حضور بديهة، فإن ذلك من النعم التي تقيد بالشكر.
2- أن يتعاون معهم بأن يفيدهم بما تعلم، ولا يتكبر عن التعلم منهم، (قِيلَ لِلْخَلِيلِ بْنِ أَحْمَدَ : بِمَ أَدْرَكْت هَذَا الْعِلْمَ ؟ قَالَ : كُنْت إذَا لَقِيتُ عَالِمًا أَخَذْت مِنْهُ ، وَأَعْطَيْته). (أدب الدنيا والدين ص 85).
3- أن يحب لهم من الخير والعلم ما يحب لنفسه ويرغبهم في التحصيل ، ويساعدهم فيه.
4- أن لا يكثر المزاح معهم، أو يسخر بأحد منهم, أو يحسد واحداً منهم.
آداب طالب العلم مع نفسه:
1- أن يعمل بعلمه، حتى لا يكون ممن قال الله سبحانه وتعالى فيهم: "مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا ". وفي الحديث: "لن تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع، ومنها: وعن علمه ماذا عمل به". وقد قيل: الْعِلْمُ يَهْتِفُ بِالْعَمَلِ ، فَإِنْ أَجَابَهُ أَقَامَ وَإِلَّا ارْتَحَلَ.
يقول الشعبي رحمه الله : " كنا نستعين على حفظ الحديث بالعمل به ، وكنا نستعين على طلبه بالصوم " ، ويقول وكيع بن الجراح: "إذا أردت أن تحفظ الحديث فاعمل به".
2- أن يلتزم الأدب في نفسه، ويتعلمه من شيوخه. يقول الإمام مالك رحمه الله : كانت أمي تعممني، وتقول لي : اذهب إلى ربيعة فتعلم من أدبه قبل علمه ، ويقول عبد الله بن المبارك : " كانوا يطلبون الأدب ثم العلم "، ويقول أيضا : " كاد الأدب يكون ثلثي العلم " ويقول أبو زكريا العنبري : " علم بلا أدب كنار بلا حطب ، وأدب بلا علم كجسد بلا روح ".
3- أن يجتهد في تحصيل العلم ويصبر عليه، فقد قال يحيى بن أبي كثير: "لا يستطاع العلم براحة الجسم". ولا يمني نفسه ويسوف في الطلب ويؤجل الطلب إلى وقت الفراغ، فإن لكل وقت شغلاً، ولكل زمان عذرا ، وأن يطلب المزيد من العلم، ولا يقنع بما يتحصل له منه، وليكن شعاره "وقل رب زدني علما".
4- أن يتدرج في طلب العلم، لأن التدرج سنة عامة في التعلم وفي غيره ، وإن من طلب العلم جملة فاته جملة ، كما قال الزهري رحمه الله ، وإنما يدرك العلم حديث وحديثان ، ولعل هذا بعض الحكمة في نزول القرآن الكريم منجما على مدى سنى البعثة ، وأمر الله لنبيه صلى الله عليه وسلم أن يقرأه على الناس على مكث ، قال تعالى : " وقرآنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ونزلناه تنزيلا ".
5- أن يجتهد في الاطلاع على مختلف علوم عصره، بحيث يعلم شيئاً عن كل شيء. يقول الغزالي: "أن لا يدع طالب العلم فناً من العلوم المحمودة، ولا نوعاً من أنواعه إلا وينظر فيه نظراً يطلع به على مقصده وغايته، ثم إن ساعده العمر طلب التبحر فيه، وإلا اشتغل بالأهم منه واستوفاه وتطرف من البقية؛ فإن العلوم متعاونة، وبعضها مرتبط ببعض، ويستفيد منه في الحال الانفكاك عن عداوة ذلك العلم بسبب جهله؛ فإن الناس أعداء ما جهلوا. قال تعالى " وإذ لم يهتدوا به فسيقولون هذا إفك قديم" [الأحقاف:11] إحياء علوم الدين – (ج 1 / ص 55).
6- تأديته لزكاة العلم بتبليغه للآخرين, قال النبي صلى الله عليه وسلم: "بلغوا عني ولو آية" أخرجه البخاري (3461).
.
.