إذا
كنت قد تحدثت في المقال السابق عن دروس الإسلام وقبض روح كل من في قلبه مثقال حبة
من إيمان، فاليوم أتحدث عن عودة البشرية إلى جاهليتها الأولى بما فيها من انحرافات
واعوجاجات واستجابة لغواية الشيطان ومناداته لهم بعبادة الأوثان، ومن ثم تدني
المستوى الأخلاق وهبوطه وانحطاطه إلى الحضيض السحيق، والتفصيل على
النحو التالي:
– حديث عبد الله بن عمرو
رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "…فَيَبْقَى شِرَارُ
النَّاسِ في خِفَّةِ الطَّيْرِ، وأحْلامِ السِّبَاعِ، لاَ يَعْرِفُونَ مَعْرُوفاً،
ولا يُنْكِرُونَ مُنْكَراً، فَيَتَمَثَّلُ لَهُمُ الشَّيْطَانُ، فيَقُولُ: ألاَ
تَسْتَجِيبُونَ؟ فَيَقُولُونَ: فَمَا تأمُرُنَا؟ فَيَأمُرُهُمْ بِعِبَادَةِ
الأوْثَانِ، وَهُمْ في ذلِكَ دَارٌّ رِزْقُهُمْ، حَسَنٌ عَيشُهُمْ، ثُمَّ يُنْفَخُ
في الصُّورِ" أخرجه مسلم(2940)، فقوله: ( فيبقى شرار الناس فى خفة الطير وأحلام
السباع) أي يكونون في سرعتهم إلى الشرور وقضاء الشهوات والفساد كطيران الطير وفى
العدوان وظلم بعضهم بعضاً في أخلاق السباع العادية، كما قال
النووي.
– وحديث أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "لَا تَقُومُ السَّاعَةُ
حَتَّى تَضْطَرِبَ أَلَيَاتُ نِسَاءِ دَوْسٍ عَلَى ذِي الْخَلَصَةِ وَذُو
الْخَلَصَةِ طَاغِيَةُ دَوْسٍ الَّتِي كَانُوا يَعْبُدُونَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ"
أخرجه البخاري(7116).
– حديث عَائِشَةَ رضي الله عنها، قَالَت:
سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "لا يَذْهَبُ اللَّيْلُ
وَالنَّهَارُ حَتَّى تُعْبَدَ اللاتُ وَالْعُزَّى، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ،
إِنْ كُنْتُ لأَظُنُّ حِينَ أَنْزَلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: هُوَ الَّذِي
أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ
كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ أَنَّ ذَلِكَ تَامًّا، قَالَ: إِنَّهُ
سَيَكُونُ مِنْ ذَلِكَ مَا شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ يَبْعَثُ اللَّهُ رِيحًا
طَيِّبَةً، فَتَوَفَّى كُلَّ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةِ خَرْدَلٍ
مِنْ إِيمَانٍ، فَيَبْقَى مَنْ لا خَيْرَ فِيهِ، فَيَرْجِعُونَ إِلَى دِينِ
آبَائِهِمْ" أخرجه مسلم(2907).
وفي ذلك الزمان يهبط الجانب الأخلاقي ويتدنى إلى
الحضيض السحيق؛ لحديث عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا, قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم: " لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى
تَسَافَدُوا فِي الطَّرِيقِ تَسَافُدَ الْحَمِيرِ قُلْتُ: إِنَّ ذَلِكَ لَكَائِنٌ؟
قَالَ: نَعَمْ لَيَكُونَنَّ" أخرجه البراز(2354) بسند رحاله ثقات، وقوله: (حَتَّى
تَسَافَدُوا فِي الطَّرِيقِ تَسَافُدَ الْحَمِيرِ): أي ينزو بعضهم على بعض كما تنزو
البهائم، ويؤيده حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ
صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم، قَالَ: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لاَ تَفْنَى
هَذِهِ الأُمَّةُ حَتَّى يَقُومَ الرَّجُلُ إِلَى الْمَرْأَةِ فَيَفْتَرِشَهَا فِي
الطَّرِيقِ، فَيَكُونُ خِيَارُهُمْ يَوْمَئِذٍ مَنْ يَقُولُ: لَوْ وَارَيْتَهَا
وَرَاءَ هَذَا الْحَائِطِ" أخرجه أَبُو يَعْلَى(6183) وإسناده
قوي.