سألوني عن السعادة ..سألوني عن لونها ..عن مذاقها ..عن رائحتها ..عن ملمسها ..
عن حجمها ..طولها و عرضها ..مادتها ..مكانها ..عنوانها ..
أحسست أن الكلمة غريبة على مسمعي في بادئ الأمر ..
لكني تذكرت أني قرأت عنها في كتب القدماء ..
ماذا تعلمون عن السعادة ؟ إذا انتم لا تعلمون ما هي السعادة ..
و لا حتى أنا ..لكني سأنقل لكم ما قالوا عنها ..
و ما اعتقده عنها ..إن أخطأت ..فهذا لأني بشر ..و أن أصبت فهو فضل من الله ..
السعادة لا تعرف بالأشياء المادية ..بل تتواجد أحيانا بها ..و لكنها متغيرة من شخص إلى آخر ..
يقول أرسطو : «انه إذا بحث عدة أشخاص عن السعادة، فسوف يجد كل منهم سعادة مختلفة عن سعادة الآخرين»،
أي أن هناك عددا من أنواع السعادة بعدد الأشخاص..
المال هو المصدر الأكبر للسعادة بفكر المليارات من البشر..لماذا ؟ لأنهم لا يمتلكون منه ما يسعدهم ..
لكن المال يفقد رداء السعادة عند الأغنياء ..لماذا ؟ لأنهم امتلكوا منه ما أسعدهم لوقت ..
ثم لم يعد يشكل تلك السعادة بعد فترة من الزمن ..
إذا للسعادة وقت محدد ثم تنتهي من الشيء السعيد ..
فخبر تخرجك و نجاحك من الجامعة تزول سعادته بعد فترة قصيرة منه ..لأنه انقضى و انتهى
فأنت لن تتخرج كل يوم ..
السعادة لحظية ..لا احد يستطيع البقاء سعيدا دائما
لأنه لن يشعر انه سعيد فلا شيء يبرر و يثبت سعادته
فالسعادة ليست طبعا دائما للإنسان كالقناعة أو الجشع ..
كثيرا هم الذين قالوا جملة : مطاردة السعادة أو البحث عنها ..لماذا ؟
لأن السعادة لا تتواجد بذاتها بل هي النتيجة من فعل تقوم به ..
عندما تعطي الفقير المال فأنك تسعد بنفسك بفعل الخير و تجعله يسعد أيضا ..
و ستسعد أيضا لسعادته ..(أظن أن هذا العمل انقرض من الوجود !! )
لكن لو لم تعطه أو تفعل الفعل هل كنت ستسعد أو هو سيسعد ؟ ( سأسعد أن أبقيت قرشي في جيبي !! )
و بعد أن ينفق الفقير المال و بعد أن تمر لحظات عليك سيختفي شعور السعادة عندكما ..
( أنا سأحزن على المال و هو سيحزن على فقدان ماله !! )
السعادة هي شعور مؤقت ..عندما تقول أنا اليوم سعيد ..
فأنت تتذكر لحظات من السعادة شعرت بها جعلتك تشعر بالرضا طوال اليوم ..
إذا كلمة ” أنا سعيد ” اليوم ليست صحيحة حرفيا ..
لكنها تشمل لحظات السعادة المتفرقة التي شعرت بها طوال ذاك اليوم
فرضيا : أتاك خبرا سعيد ..هذا الخبر سيكون متعلق بقضية أخرى ستجعلك سعيدا أيضا
عندما تحدث هذه القضية عما قريب , إذا أنت سعيد بالخبر لأنك تعلم انك ستسعد في وقت قريب مرة أخرى ..
و الفواصل الزمنية بين السعادة و الأخرى (إذا لم يحدث فيها أي شيئا سيء أو حزين) فأنها تسمى الرضا ..
فأنت راضي عنك نفسك اليوم ..لماذا ؟.
لقد نجحت اليوم في الثانوية(الخبر السعيد) ..
بعلامات ستدخلك اختصاصا في الجامعة تحبه ..(القضية الأخرى السعيدة المرتبطة بالخبر ..السعادة القادمة )
أما عن تقطع لحظات السعادة فهي على النحو التالي :
أنا نجحت ..لحظة سعيدة
مباركة الأهل ..لحظة سعيدة
ضمان دخولك الجامعة المحببة : لحظة سعادة ..
نجاح أصدقائك معك : لحظة سعيدة
مباركة أصدقائك لك : لحظة سعيدة
هذا المثال جيدا لأنه يثبت لك انك طوال تلك الأيام التي كنت تدرس فيها بجد و أنت و قلق و متعب
و تبذل أقصى جهدك و محبط و خائف من الفشل ..( تتذكروا تمام أيام البكلوريا لا أريد التفصيل أكثر من هذا !! )
.إحساسك بكل تلك المشاعر هو من أعطاك الإحساس بلذة السعادة .. ( لا تقول انك رسبت فيها !! )
و هذا المثال جيدا لأنه يعطيك صورة عملية عن مطاردة السعادة و البحث عنها ..
أوجه السعادة كثيرة و مختلفة من شخص إلى آخر ..
فالذي يسعده الطعام.. غيره يجعله تعيسا بسبب زيادة وزنه ..
و المال كذلك و الجنس أيضا ..(هل ادخل في التفاصيل هنا ايضا !! )
هذه هي السعادة المادية التي تكون بها السعادة في اقصر لحظاتها ..
الحب ليس سعادة فقط ..الحب خليط و توازن مجهول الكم من السعادة و التعاسة ..
لن تشعر بقيمة من تحبه حتى يتعس منك و تتعس منه ..و تشتاق إليه و يشتاق إليك ..
و لن تشعر بقيمة حبك إلا إذا جعلك سعيدا مرة أخرى بعد تعاستك منه
فالسعادة بين اثنين مرهونة بهم و بتصرفهم تجاه بعضهم البعض ..
فعندما يفعلون لبعضهم شيئا سعيدا بدون أن يطلبوه أو يشعرون بتعاسة الطرف الآخر
و يصححون خطأهم سريعا لكي لا تتحول التعاسة إلى حزن و الحزن يتحول إلى حقد ..
(بدي الطلاق و الأولاد و البيت والسيارة !!)
هؤلاء فقط يعلمون مقدار التوازن الذي تحتاجه علاقتهم لكي تستمر و تنجح ..
لهذا اغلب العلاقات من حب وزواج و صداقة حاليا تفشل سريعا
و الذين يطلبون الانفصال أكثر من الذين يطلبون الارتباط..
بقول آخر ..تختلف نسبة التوازن من كل علاقة إلى أخرى بسبب تنوع طبع الإنسان و ظروفه ..
لكنها بالنهاية تنتج أنماطا تتشابه كثيرا مع جميع العلاقات ..
و هذا النمط هو أن السعادة بذل و جهد تحتاجه لإنجاح العلاقة..
السعادة الروحية هي أكمل أوجه السعادة .. و هي الناتجة عن فعل و التفكير الروحي البعيد عن المادي
لأنها لا تنتهي بمجرد انتهاء الفعل مثل المادية بل تبقى لزمنا أطول من المادية ..
فالصلاة على اختلاف أنواعها ..تعطي السعادة للروح ..و الدعاء و الابتهال و التأمل و التفكر .
القناعة بالقضاء و القدر و أن ما كان سيصيبك هو صائب مهما فعلت لاجتنابه ..
يعطيك سعادة من قناعتك و يجعلك لا تحزن بما حدث لك بل تقبله برضا ..
الأيمان العميق يعطيك سعادة بأنك لست سطحيا ماديا تعيش فقط لأنك وجدت نفسك مخلوقا في هذه الحياة ..
بل يدلك و يدفعك للبحث عن سبب وجودك في هذا الكون لأنك كما قال مصطفى صادق الرافعي :
( إذا لم تزد شيئا على الدنيا كنت أنت زائدا..)
السعادة الغيرية ..هي تلك السعادة التي تصيبك بسبب سعادة الآخرين بحصول شيء جيد في حياتهم ..
و إسعاد نفسك عن طريق إسعادهم بالشيء الذي يحبوا أن يسعدوا به ..
دائما وجدت أن تحصيل هذه السعادة ليست سهلة و ليست صعبة أيضا .. فهي تتوقف غالبا عليك ..
لذلك هي سعادة نبيلة ..فأنت لا تفعل الشيء لأجلك بل للغير ..و هذه تعد أسمى أنواع السعادة برأيي ..
لأنها ليست أنانية بل غيرية ..للغير ..
و هذه هي الحكمة من اغلب الأديان ..
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه ،
رواه البخاري و مسلم.
و أنت عندما تحب شيء لأخيك فأنت تسعده ….و أخيك سوف يسعى لإسعادك أيضا ..
و بما أن ذكرنا الأديان ..سنذكر أيضا الفلسفة ..لأنها تعانق الدين ..
نبدأ بأرسطو و قوله : السعادة لا تتوقف على الآخرين ولكن علينا.
لكن القديس أوغسطين يرى غير ذلك فهو يقول : أن سعادتنا تتوقف على سعادة الآخرين حولنا،
ابن رشد : إن الفلسفة و الدين متفقان في الغاية فكل منهما يرمى إلى تحقيق السعادة
من طريق تصحيح العلم و العمل
أما المنفلوطي فيعطيك النصيحة : حسبك من السعادة في الدنيا : ضمير نقي .. ونفس هادئة .. وقلب شريف
السعادة المتصلة بالمادة الآن هي السائدة بسبب العصر المادي السريع الذي نعيشه ..
فالمادة هي التي تقرر هل أنت سعيد أم لا ..( تأخذ 100 دولار و تروق ؟ اراك تبتسم !! )
و أصبح مفهوم من مطاردة السعادة أو البحث عنها إلى شراء السعادة و الإدمان عليها ..
تقلص الفهم البشري للسعادة بسبب قلة التفكير و التفكر و انتشار الفكر التجاري و اعتناقه بدون وعي ..
فالسعادة هي الشراء ..شراء و امتلاك كل ما تحلم به فقط
لذلك ظهر مفهوم إدمان السعادة ..لأن لو كانت لحظة السعادة تشبع النفس البشرية لما كنت تطلبها بيأس المدمن ..
لذلك أقول أن هذا العصر يحكمه البؤس و الحزن ..لأنك تشتري السعادة شراء ..
فالحروب و المجاعات و الجشع و الجهل و التخلف سيطر على هذا العصر
و جعلك لا تتوقف للتفكير بالسعادة الحقيقية
بل هرعا لإيجاد ملجأ تسكن فيه و لقمة تقتات منها و شريكا لغريزتك الجنسية ..
لذلك هي السعادة الغريزية فقط …هي الموجودة الآن ..
أنت تسعد بأنك نجحت و دخلت الطب لأنك ستصبح طبيبا
مدخوله المالي السنوي كبيرا و لقبه عظيما بين الناس..فقط ..
لكن هم نسبة لا تقدر برقم من يسعدون بدخولهم الطب لتطوير مجال الطب
و البحث فيه عن أدوية لمساعدة في الحد من الإمراض ..
لمساعدة الإنسان على البقاء سعيد بعيدا عن الإمراض ..
للغاية الإنسانية في مساعدة إنسان آخر يحتاج المساعدة ..
إذا هل أنا سعيد ؟ هل سأجد السعادة أن بحثت عليها ؟
أو طاردتها ؟ ما هي السعادة التي أريدها ؟
السعادة الحقيقة دائمة , ليست لحظية أو وهمية أو محددة بزمن ما ..
السعادة شعور نادر أن تراها بوجهها المشرق الحقيقي ..
انتبه إلى القول ..عندما يقول احدهم .”.اسعد لحظة في حياتي كانت ….”
هذه هي اطول لحظة سعادة تختبرها في حياتك كلها ..تصور ..
أظن أن السعادة موجودة بشكل أفضل بالعالم الآخر ..
و كما قال الفارابي و أوافقه في أن مهما فعلنا لن نحصل على السعادة من هذا العالم ..:
( إن المدينة الفاضلة هي المؤدية إلى السعادة .. لكن السعادة غالبا لا تنال إلا في العالم الآخر..)
قد تكون الملاءة اصغر من سرير هذا الموضوع ..لكنها تكفي للجلوس على طرفه !!
بالمناسبة …أنا اليوم سعيد !!