دخول الجنة والفوز بنعيمها غاية الغايات ، وأسمى
الأمنيات ، ومنتهى الآمال بالنسبة للمؤمنين ، إنه رجاؤهم الدائم ، ودعاؤهم المستمر
، إنه الفوز الحقيقي بعد رحلة الحياة الدنيا بكل ما فيها { كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم يوم القيامة فمن زحزح عن النار
وأدخل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور } إنه الثمن الذي تبذل لأجله الأموال ، وتزهق فيه سبيل الأرواح
{ إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم
الجنة يقاتلون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم فيقتلون ويقتلون وعداً عليه حقاً في
التوراة والإنجيل والقران ومن أوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به
وذلك هو الفوز العظيم } إنه الجزاء العظيم الذي لا ينال
إلا بالجهد الكبير { أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم
مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين
آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب } إنه
الثواب الذي لا ينال إلا بجهد وجهاد وصبر ومصابرة {أم
حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين }
.. { وما يلقاها لا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ
عظيم } .
الجنة التي فيها { أنهار من ماء غير آسن وأنهار من لبن
لم يتغير طعمه وأنهار من خمر لذة للشاربين وأنهار من عسل مصفى } وفيها { غرف من فوقها غرف مبنية تجري من تحتها الأنهار } ..
{ فيها فاكهة ونخل ورمان } ،
أكل أهلها { فاكهة مما يتخيرون * ولحم طير مما
يشتهون } ، ولباسهم { يحلون
فيها من أساور من ذهب ولؤلؤاً ولباسهم فيها حرير } ،
وخدمهم {يطوف عليهم ولدان مخلدون } ، وآنيتهم { يطاف عليهم بصحاف من ذهب
وأكواب } ، ومجالسهم {متكئين
على فرش بطائنها من إستبرق }، ومع ذلك لهم
{حور عين كأمثال اللؤلؤ المكنون } إنه نعيم ما بعده نعيم { كلما رزقوا منها
من ثمرة رزقاً قالوا هذا الذي رزقنا به من قبل وأُتوا به متشابهاً ولهم فيها أزواج
مطهرة وهم فيها خالدون } ، إنه فوق الوصف وأعظم من
الخيال { فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما
كانوا يعملون } .
ألا تشتاق لذلك نفسك ؟ ألا تتعلق به آمالك
وطموحاتك ؟ ألا تحب أن تكون من أهلها ؟ خذها غنيمة من غنائم
الفجر.
من غنائم الفجر دخول الجنة ، كما ورد في حديث أبي موسى
الأشعري – رضي الله عنه – ، عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أنه قال
: ( من صلّى
البردين دخل الجنة ) [متفق عليه ] . حديث موجز في خمس
كلمات ، لكنه واضح الدلالة ، وهو نص صريح في بيان أن من غنائم الفجر دخول الجنة ،
فما أغلاها من غنيمة !، عض عليها بالنواجذ ولا تفوت
.
: الزيادة
الفريدة
يقول الله – عز وجل – : { للذين أحسنوا الحسنى وزيادة
} ، وقد ورد في تفسير للآية من قول المصطفى – صلى الله عليه
وسلم – حيث جاء : " إنها نعمة ما بعدها من نعمة، إنه إكرام لمن فاز بالجنان بمزية
رؤية الرحمن – سبحانه وتعالى – { وجوه يومئذ ناضرة إلى
ربها ناظرة } .
إن من ثمار صلاة الفجر الظفر بهذه الرؤية التي هي أعظم
من كل أجر ، وفي ذلك جاء حديث جرير بن عبد الله البجلي – رضي الله عنه – قال : كنا
عند النبي – صلى الله عليه وسلم – فنظر إلى القمر ليلة البدر، فقال :
( إنكم سترون
ربكم كما ترون هذا القمر ، لا تُضامون في رؤيته ؛ فإن استطعتم أن لا تغلبوا على
صلاة قبل طلوع الشمس ، وقبل غروبها فافعلوا ) . [متفق عليه]
.
الله أكبر رؤية الباري جل جلاله ، يوم يأذن بذلك
للمؤمنين يوم القيامة، من أسبابها الميسرة، وأبوابها المشرعة صلاة الفجر ، والربط
في الحديث ظاهر وإليك البيان، فالمصطفى – صلى الله عليه وسلم – يخبر أن المؤمنين
سيرون ربهم ، ثم يزيد ذلك توكيداً من خلال بيانه أنها رؤية واضحة كاملة كوضوح
رؤيتهم للقمر ليلة البدر ، ويزيد في التوكيد بقوله : ( لا تضامون في رؤيته ) أي لا
يلحقكم ضيم ولا مشقة في رؤيته ؛ فإنها تكون سهلة وواضحة ، وبعد ذلك يحث المؤمنين
بالحرص والمبادرة على أداء الصلاة قبل طلوع الشمس – والمراد صلاة الفجر – ، وكذلك
الصلاة قبل غروب الشمس – والمراد صلاة العصر – ، وقوله : ( إن استطعتم أن لا تغلبوا
) إشارة إلى وجود مثبطات وعوائق تقعد المسلم عن تلك الصلوات ،
فدعاه رسول الهدى – صلى الله عليه وسلم – أن يغالب تلك العوائق وأن لا يسمح لها أن
تغلبه ، ومراد المصطفى – صلى الله عليه وسلم – بذكر هاتين الصلاتين بعد الرؤية ،
الدلالة على أنهما مما يكون سبباً في حصول المؤمن للرؤية واستحقاقه لها
.
قال ابن حجر – رحمه الله تعالى – : " وجه
مناسبة ذكر هاتين الصلاتين عند ذكر الرؤية ، أن الصلاة أفضل الطاعات ، وقد ثبت
لهاتين الصلاتين الفضل بالنسبة إلى غيرهما ، ذكر من اجتماع الملائكة ورفع الأعمال
وغير ذلك فهما أفضل الصلوات فناسب أن يجاز المحافظ عليهما بأفضل العطايا وهو النظر
إلى الله تعالى " .
تأمل عظمة هذه النعمة فيما رواه
مسلم من حديث صهيب الرومي أن المصطفى – صلى الله عليه وسلم – قال :
( إذا دخل أهل
الجنة الجنة ، يقول الله – تبارك وتعالى – : تريدون شيئاً أزيدكم ؟ قالوا : ألم
تبيض وجوهنا ؟ ألم تدخلنا الجنة وتنجنا من النار ؟ قال: فيكشف الحجاب ، فما أعطوا
شيئاً أحب إليهم من النظر إلى وجه ربهم تبارك وتعالى )
.
أما تعلم أن من دعاء النبي الكريم – صلى الله عليه وسلم
– : ( اللهم إني
أسألك برد العيش بعد الموت ، وأسألك لذة النظر إلى وجهك ، وأسألك الشوق إلى لقائك
في غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة ) [صحيح ابن حبان] .