هع
مقدمة
إن أجمل لحظة يعيشها المؤمن عندما يتّخذ من العلم طريقاً للإيمان بالله تعالى واليقين بعَظَمَة كتابه ومعجزته الخالدة. وما الحقائق العلمية والكونية الغزيرة التي يفيض بها القرآن إلاّ وسيلة هيّأها الله تبارك وتعالى لكلّ مؤمن ليزداد بها إيماناً بهذا الخالق العظيم، ووسيلة لكلّ ملحد يرى من خلالها نور الإيمان ونور القرآن وصدق رسالة الإسلام.
ولا نعجب إذا علمنا أن العلماء قد بدءوا فعلاً بالعودة إلى نفس التعبير القرآني! وهذا الكلام ليس فيه مبالغة أو مغالطة، بل هو حقيقة واقعة تثبت لكل من يدَّعي بأن القرآن ليس معجزاً من الناحية العلمية والكونية، أن القرآن وإن كان كتاب هداية وتشريع، فهو كذلك كتاب علوم، كل عالم يجد فيه معجزة تناسب اختصاصه العلمي.
ومن خلال الحقائق العلمية الكونية في هذا البحث سوف نبحر في بعض الآيات التي تحدثت عن بناء السَّماء، وجاء العلم حديثاً ليؤكد أن الكون كلَّه بناء محكم، ولا وجود فيه لأي خلل أو فراغ أو اضطراب.
فالعلماء يؤكدون الغنى الذي يظهره الكون في البنية المحكمة، ويؤكدون رؤيتهم للنسيج الكوني وكأنه نسيج حُبِك بمنتهى الإتقان والإبداع، وأن النجوم والمجرات تَظهر كالّلآلئ التي تزيّن العقد.
عظمة الكون
هنالك أنواع متعددة من المجرات تسبح في الكون وتشكل لبنات بناء في هذا الكون الواسع. وتوجد في الكون المرئي من هذه المجرات أو "اللبنات" مئات البلايين!! وبالرغم من ذلك لا تشكل إلا أقل من 5 بالمئة من البناء الكوني، أما الـ 95 بالمئة الباقية فهي مادة مظلمة لا تُرى. إن كل مجرة من هذه المجرات تحوي أكثر من مئة ألف مليون نجم! فسبحان مبدع هذا البناء العظيم.
إن الضوء يقطع في الثانية الواحدة 300 ألف كيلو متراً تقريباً، وهو يقطع في سنة كاملة 9.5 تريليون كيلو متراً تقريباً، والمجرَّة التي تبعد عنا بليون سنة ضوئية، يحتاج ضوؤها للوصول إلينا إلى بليون سنة! خلال هذا الزمن يقطع ضوء هذه المجرة مسافة قدرها 9.5 ألف مليون مليون مليون كيلو متر!!
شكل (1) الكون كما يظهر بالأجهزة المكبرة الحديثة، وتظهر فيه النجوم والغبار والدخان الكوني، إنها عظمة الخالق تبارك وتعالى. إنه بناء مُحكم لا وجود فيه للخلل أو الفراغ أو الفروج والشقوق. إن هذا المشهد المهيب ينبغي أن يكون وسيلة لمزيد بالخالق تبارك وتعالى والخوف من عقابه، كيف لا وهو القائل عن عباده المؤمنين: ﴿الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾ [آل عمران: 191].
شكل (2) المجرات تزيّن الكون كما تزين اللآلئ العقد: في هذه الصورة تظهر المجرات البعيدة بألوانها الحقيقية تماماً كالزينة، وقد حدثنا عنه القرآن عن هذا المشهد قبل أن يراه العلماء بقرون طويلة في قوله تعالى: ﴿أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ﴾ [ق: 6].
لآلئ تزيِّن العقد!
عندما رأى العلماء هذا الكون بمناظيرهم المقربة والمكبرة، ورأوا ما فيه من نجوم ومجرات وغبار كوني وجدوا أنفسهم أمام بناء هندسي كوني فسارعوا لإطلاق مصطلح [البناء] على هذا الحشد الضخم من المجرات والدخان والغبار، ورأوا فيه ألواناً وزينة فشبهوها باللآلئ!
شكل (3) تمثل المادة المظلمة أكثر من 95% من حجم الكون، هذه المادة لا نراها ولكنها موجودة وهي التي تسيطر على توزع المادة المرئية في الكون. وحجم المادة المرئية في الكون أقل من 5% وهنا تتجلى عظمة القرآن عندما تفوق على العلم بتسمية السماء ﴿بناء﴾ وليس كما يسميها العلماء "فضاء".
شكل (4) مجرة حلزونية تسير في الكون وفق نظام محكم، وتبعد أكثر من 130 ألف سنة ضوئية!! ويوجد أكثر من مئة ألف مليون مجرة في الكون أكبر وأصغر من هذه. إن السماء كما يقول العلماء بناء محكم بل السماء تظهر غنى في البناء، وهذا ما حدثنا عنه القرآن بل إن البارئ سبحانه قد أقسم بهذا البناء: ﴿وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا﴾ [الشمس: 5].
وفي أقوال العلماء عندما تحدثوا عن البناء الكوني نجدهم يتحدثون أيضاً عن تشبيه جديد وهو أن المجرات وتجمعاتها تشكل منظراً رائعاً بمختلف الألوان الأزرق والأصفر والأخضر مثل الخرز على العقد، أو مثل اللآلئ المصفوفة على خيط. أي أن هؤلاء العلماء يرون بناءً وزينةً.
ففي إحدى المقالات العلمية نجد كبار علماء الفلك في العالم يصرحون بعدما رأوا بأعينهم هذه الزينة:
"إن المادة في الكون تشكل نسيجاً كونياً، تتشكل فيه المجرات على طول الخيوط للمادة العادية والمادة المظلمة مثل اللآلئ على العقد".
إذن في أبحاثهم يتساءلون عن كيفية بناء الكون، ثم يقررون وجود بناء محكم، ويتحدثون عن زينة هذا البناء. ويقررون أن الكون يمتلئ بالمادة العادية المرئية والمادة المظلمة التي لا تُرى، أي لا وجود للفراغ أو الشقوق أو الفروج فيه. لقد وجدتُ أن القرآن يتحدث بدقة تامة وتطابق مذهل عن هذه الحقائق في آية واحدة فقط!!!
والأعجب من ذلك أن هذه الآية تخاطب الملحدين الذين كذبوا بالقرآن، يخاطبهم بل ويدعوهم للنظر والتأمل والبحث عن كيفية هذا البناء وهذه الزينة الكونية، وتأمُّل ما بين هذه الزينة كإشارة إلى المادة المظلمة، تماماً مثلما يرون!!!
يقول تعالى: ﴿أَفَلَمْ يَنظُرُوا إِلَى السَّمَاء فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِن فُرُوجٍ﴾ [ق: 6]. والفروج في اللغة هي الشقوق.
واليوم نحن نشاهد من خلال الصور البناء الكوني كما ظهر للعلماء في أضخم عملية حاسوبية، وتظهر المجرات كلبنات البناء التي تزين السماء، وتظهر المادة المظلمة بلون أسود.
إذن تأمل معي قول العلماء بأن السماء بناء، ومزينة، ولا فروج أو فراغ فيها، وتأمل كذلك قول الله تعالى: ﴿أَفَلَمْ يَنظُرُوا إِلَى السَّمَاء فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِن فُرُوجٍ﴾، ألا تصور لنا الآية الكريمة ما يراه العلماء اليوم بأحدث الأجهزة؟
وتأمل أيضاً أخي القارئ كيف يتحدث هؤلاء العلماء في أحدث اكتشاف لهم عن كيفية البناء لهذه المجرات، وكيف تتشكل، وكيف تُزيّن السّماء كما تزين اللآلئ العقد! حتى الفراغ بين المجرات والذي ظنّه العلماء أنه خالٍ تماماً، اتضح حديثاً أنه ممتلئ تماماً بالمادة المظلمة، وهذا يثبت أن السماء خالية من أية فروج أو شقوق أو فراغ، وبما يتطابق تماماً مع النص القرآني الكريم.
الخاتمة
في هذه الوجوه المتعددة ردّ على دعوى أولئك الذين يهاجمون الإعجاز العلمي لكتاب الله تعالى، وردّ على كل من يعتقد بأن المسلمين ما داموا متخلفين علمياً وتقنياً، فلا يجب عليهم أن يبحثوا في الإعجاز العلمي! وردّ على من يقول بأن المسلمين ينتظرون دائماً الغرب الملحد ليقدم لهم الحقائق والاكتشافات العلمية، ثم ينسبوا هذه الاكتشافات للقرآن.
بل على العكس من ذلك! ففي اكتشافات الغرب لهذه الحقائق وحديث القرآن عنها بدقة مذهلة وخطاب القرآن لهؤلاء الملحدين، في كل ذلك أكبر دليل على صدق كتاب الله تعالى، وأنه كتاب حقّ. ولو كان هذه القرآن من تأليف محمد صلى الله عليه وسلم، لنسبَ هذه الاكتشافات لنفسه، لماذا ينسبها لأعدائه من الملحدين ويخاطبهم بها؟؟
الرد لو سمحتو