الحمـد لله والصلاة على رسول الله ، أمــا بعد :
الخطابة فن قديم عرفها العرب وغيرهم في جاهليتهم، وهذه الوسيلة هي الأكثر انتشاراً، والأقوى تأثيراً في الإقناع بالمبادئ والقيم والمذاهب وإثارة حماس الجمهور لفكرة، أو التهيؤ لحرب، أو غير ذلك.
والخطابة بمفهومها العام لا أعتقد أن مجتمعاً من المجتمعات الإنسانية يستغني عنها، إلا أن الخطابة بعد الإسلام تغيرت فزادها الإسلام بلاغة وحكمة بما كان يتوخاه الخطباء من محاكاة أسلوب القرآن واقتباس الآيات القرآنية، كما أن للحديث النبوي نحو هذا التأثير، إضافة إلى أن الإسلام قد فتح المجال للخطابة، فأوجب عليهم خطباً تقال على المنابر في المناسبات الإسلامية كالجمع والأعياد.
والمساجد هي المكان المناسب للخطابة, فهو المكان الذي يجتمع فيه المسلمون خمس مرات في اليوم والليلة, ولا تجد مكاناً أصلح منه للخطابة.
معنى الخطابة:
الخطابة: (فن مشافهة الجمهور للتأثير عليهم واستمالتهم). فهي تركز على أمرين: العلم، والموهبة.
من فوائد الخطابة:
1- أنها وسيلة تربوية وتعليمية وتثقيفية وإعلامية، وأمر ونهي تزكي النفوس، وتفض المنازعات، وترفع الحق، وتزهق الباطل.
2- تهدئ الثائرين، وتوقظ الغافلين الذاهلين، وتنهي الاضطراب, وهذا جميعه يتجلى في خطبة قصيرة, مثالها ما تكلم به الصديق -رضي الله عنه- بعد وفاة النبي -صلى الله عليه وسلم-.
3- اعتماد الخطابة على البلاغة في كثير من المواطن مما يحصل بها التأثير الشديد في المواقف والأحداث.
4- الخطابة من جملة ما ساعد على نشر الإسلام بين الناس، وكثيراً ما توقّف فتح بلد أو حصن على خطاب يتلوه القائد على رجاله فتثور فيهم النخوة والقتال في سبيل الله -عز وجل- كما هو معلوم في أخبار الفتوحات الإسلامية.1
أبرز خصائص الخطابة:
1- مخاطبة الجمهور على اختلاف مداركهم وثقافاتهم.
2- تتوخى الإقناع والاستمالة بالحجة وبالتأثير العاطفي، وغيرهما.
3- يعتمد نجاح الخطبة على مكانة الخطيب وجاهه، علماً أو فضلاً أو إصلاحاً أو تفاعله أثناء الخطبة ويظهر صدقه في لهجته ونبرات صوته.
ثالثاً: أنواع الخطب:
وقد عدّ بعض الباحثين ستة أنواع للخطابة وهي:
1- الخطبة الوعظية: ومحورها العام الموعظة الحسنة والتذكير بالله -عز وجل- وبيوم الحساب, وبيان أحكام الشرع وحكمه، وعلى الجملة فهذا النوع من الخطب من أجلّ الخطب وأنفعها، إذ غرضه التعليم والتذكير.
2- الخطبة الاجتماعية: وموضوعها النكاح أو خطبة النساء وغيرهما.
3- الخطبة الحفلية: وهي التي تلقى في المحافل العامة وأغراضها: التكريم، أو التهنئة، أو علاج معضلة أو نحو ذلك.
4- الخطبة القضائية: وتلقى غالباً في المحاكم والدوائر القضائية ويتولاها الخصوم أو من ينوب عنهم.
5- الخطبة الحربية: وتلقى في ميادين الوغى، يتولاها قادة الجيوش يرغبون جنودهم في القتال وغير ذلك.
6- الخطبة السياسية: ويلقيها في الأغلب الزعماء والساسة والمنتخبـون وأغراضها شتى.2
واعلم أن المفهوم الذي درج عليه أهل العلم هو أن تكون الخطابة الدينية مستحوذة على جميع الأنواع الأخرى ومهيمنة عليها، لأن الدين الإسلامي ليس بمعزل عن ضروب الحياة وأنماطها المتعددة، بل يضم في أرجائه كل قضايا الحياة، فما من شأن إلا وللشرع فيه بيان وحكم قال -تعالى-: {مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ} (38) سورة الأنعام. وعليه فهذا التقسيم الذي أوردناه قُصِدَ به بيان تنوع الخطبة في أغراضها ومضامينها ومقاصدها, وكلها تنضوي تحت لواء الدين.3
رابعاً: أبرز خصائص الخطابة::
1- المقدمة. 2- العرض. 3- الخاتمة.
1. المقـدمة:
وهي مفتتح الخطبة وصدرها وعنوانها، من خلالها يمكن استشفاف موضوع الخطبة ومكانة الخطيب في الأغلب، وضوابط المقدمة كثيرة أهمها:
أ – أن تستهل بحمد الله -جل وعلا- والثناء عليه, ثم الصلاة والتسليم على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
قال ابن القيم -رحمه الله تعالى-:
وكان -صلى الله عليه وسلم- لا يخطب خطبة إلا افتتحها بحمد الله… وكان يخطب قائماً… وكان يختم خطبته بالاستغفار)4.
ب – أن تكون متصلة بموضوع الخطبة, تمهد له وتنسجم مع معطياته: على سبيل المثال: فلو كانت الخطبة عن الصلاة تكن المقدمة هكذا:
الحمد لله الذي جعل الصلاة عماد الدين، ورفع بها درجات المتقين، والصلاة والسلام على من جعلت الصلاة قرة عينه، وراحة قلبه…
ونحو ذلك على أن الاقتباس من القرآن العظيم ومن سنة المصطفى -صلى الله عليه وسلم- هو مقصود النبهاء من الخطباء.
ج- الوضوح: أي أن تكون بينة لا لبس فيها ولا غموض.
د- التناسب مع حجم الخطبة طولاً وقصراً.
2. العرض:
وهو صلب الخطبة ومنتهاه، ومما وضعوا له من ضوابط:
1- الوحدة الموضوعية: أي كون الحديث في موضوع واحد؛ لأن ذلك أدعى إلى الاستيعاب، فإذا خطب عن الشرك -مثلاً- فرّع على هذا الموضوع كأن يعرّفه ويذكر أنواعه وآثاره وعقوبته في الدنيا والآخرة.
2- الجـدّة: بأن يأتي بالجديد الطريف غير المكرر في أسلوب العرض، ومنهج المعالجة وتقديم الفكرة.
3- الوضوح: سواءً في اختيار الموضوع أو في الأسلوب الخطابي، فعليه أن يختار موضوعاً واضحاً تجتمع عليه إرادات الناس في الغالب.
4- الإلمام بأساليب الإقناع وعوامل التأثير، ومبنى ذلك قوة الحجة وسلامة الاحتجاج وصحة المسلك التعبيري، والاطلاع على أعراف الناس وعوائدهم. وليس أرجى ولا أزكى في قوة الإقناع والتأثير من قول الله -جل ذكره- وقول رسوله -صلى الله عليه وسلم- إذ ذاك غاية المرام.
3. الخـاتمة:
وهي ما تذيل بها الخطبة، ومن أهم ضوابطها:
1- أن يختم بالاستغفار، وهو هدي النبي -صلى الله عليه وسلم-.
2- إبراز أهم جوانب الموضوع.
3- أن تكون قوية في سبكها ومعانيها.
السلام عليكم
ما شاء الله عليك طالبنا النجيب
الصراحة تقرير مرتب ومكتمل
بار ك الله فيك ووفقك الله دوما
..