بدي تقرير عن حضارة بلاد الشام … و فيه كل الشروط ..
مقدمة و موضوع و خاتمه و رأي .. و في الواجهة تكون اسم الوزارة مكتووبة ..
و شـــــــــكرا للحلوين …. ساعدوني الله يخليكم …
ما في وقت … لازم انسلم التقارير و اناما سويت ..
ساعدوووووووني بلـــــــــــــــيز …
عن أي موضوع بس مو عن مصر و لا بلاد الرافدين .. اي موضوع من الكتاب ..
لازم يكون في مقدمه و موضوع و خاتمه و صور و رأي ..
بليييييييييييييييييز ,,
الله يوفقكم في الدنيا و الأخرة ,,
(1)
كانت « بلاد الشام » على الدوام بالنسبة للعرب ـ قبل الإسلام وفي فجره ـ هي المنطقة الواقعة إلى الشمال من شبه الجزيرة العربية باستثناء الزاوية الشمالية التابعة « لأهل المصرَين: البصرة والكوفة ».
التحديد الإداري
« الشام » عند العرب يراد بها « سوريا » على العموم من دون تحديد تخومها بدقة، إلاّ أنها بعد الفتح الإسلامي لها بدأت هذه التسمية تأخذ عندهم أبعاداً جغرافية فعلية، فبات يُطلق هذا الاسم على المناطق التي تضمها « سبعة أجناد » تشكّل بمجموعها « بلاد الشام ». وهذه الأجناد هي: فلسطين والأُردنّ وحِمص ودمشق وقِنّسرين والعواصم والثغور.
وفي العهد العثماني قبل عام 1839 ـ أي قبل « التنظيمات » ـ كانت بلاد الشام مقسّمة إدارياً على الوجه التالي:
1 ـ ولاية سورية، ومركزها دمشق.
2 ـ ولاية حلب، وكانت تشمل فوق حدودها الحاضرة أنطاكية وإسكندَرون وألوية عديدة في الشمال معظم سكانها من الترك والأرمن.
3 ـ ولاية طرابلس.
4 ـ ولاية صيدا، وكان ينتقل واليها عند إيجاب المصلحة إلى بيروت أو عكّا.
5 ـ مُتصرّفيّة القدس: مركز إدارة فلسطين المرتبطة بالعاصمة أسوة بالولايات.
6 ـ المقاطعات ذات الامتياز الإداري، وقد نالته بحكم الأمر الواقع منذ جاء سورية بعد الفتح الإسلامي أمراء عرب يمانيّون وقيسيّون وتَنوخيّون ومعَيّون وشهابيّون وإرسلانيّون وأيّوبيّون، بالإضافة إلى إقطاعيين ومشايخ محليين، فكان التنوخيون في اللاذقية، وبنو سيفا والأيوبيّون في شمال طرابلس، وآل حرفوش في بعلبكّ وجوارها، والشيخ ظاهر العمر في بلاد صَفَد وعكّا وبعض فلسطين، والأمراء المعنيون والشهابيون وغيرهم في لبنان، والوائليون في جبل عامل.
وبعد مباشرة « التنظيمات »، أصاب بلادَ الشام حقبة من التغيير المتواصل للتقسيمات الإدارية التي يمكن القول بأنها استقرّت مع أواخر القرن التاسع عشر على الوجه التالي:
ـ ولاية سورية، وتضمّ: لواء الشام، لواء حَماه، لواء حوران، لواء مَعّان.
ـ ولاية بيروت، وتضم: لواء بيروت، لواء عكّا، لواء طرابلس الشام، لواء اللاذقية، لواء البلقاء.
ـ ولاية حلب، وتضم: لواء حلب، لواء أُورفة، لواء مرعش.
التحديد الجغرافي
عرّف صاحب كتاب « خطط الشام » بلاد الشام تبعاً لتعريف الإدريسي الذي حدّد المنطقة جغرافياً على النحو التالي: تبدأ شمالاً عند السفوح الجنوبية لجبال طوروس بالامتداد إلى « ما وراء خليج الإسكندرونة لجهة أرض الروم (…) ومن السويدية إلى جبل رأس الخنزير عشرون ميلاً. وعلى هذا الجبل دير كبير، وهو أول بلاد الأرمن وآخر بلاد الشام. فما كان من جهة الشام على ضفة الفرات فهو شام، وما كان على الضفة الأخرى من الشرق فهو عراق؛ فصفّين مثلاً في الشام، وقلعة جعبر في الجزيرة الفراتية وبينهما مقدار فرسخ أو أقل. وتدخل بالس أو مسكنة الشام لأنها من غرب الفرات، وتدخل البيرة ( بيردحك ) في الجزيرة لأنها على الشق الآخر من الفرات. وما كان من دير الزور على الفرات إلى جهة الشام فهو من الشام، وما كان على الشاطئ الآخر إلى الشرق فهو من العراق، وكذلك يقال في الرقّة. وتدخل دُومَة الجَندَل المعروفة اليوم بالجوف في الجنوب في جملة هذا القطر، كما أن أيلة ( العَقَبة ) هي آخر الحجاز وأول الشام، فالعريش أو رفح أو الزعقة هي حد الشام الجنوبي الغربي ومعان نصفها للشام ونصفها للحجاز ».
نلحظ من خلال قراءتنا لتعريفات بلاد الشام في مختلف المصادر أنّ الحدود الجغرافية لبلاد الشام أو لـ « سورية »، لم تكن مستقرة، وهي تختلف أحياناً اختلافاً جوهرياً عما هي عليه التقسيمات السياسية والإدارية الراهنة في المنطقة. إلاّ أننا نلتزم بما هي عليه حالياً هذه التقسيمات، ونعتبر أن « بلاد الشام » هي تلك المنطقة التي تضم حالياً الجمهورية العربية السورية والجمهورية اللبنانية والمملكة الأردنية الهاشمية وفلسطين المحتلة. وهي المنطقة التي تنسجم حدودها لدرجة كبيرة مع ما اعتمده « المؤتمر السوري العام » في التقرير الذي رفعه إلى لجنة الاستفتاء الأميركية بعد الحرب العالمية الأولى.
(2)
هي ما تُعرف اليوم بكلٍّ من سوريا ولبنان وفلسطين والأردنّ مضافاً إليها قسم من تركيا هو: عين تاب ومرعش وسيس وأضنه وإسكندرونة.
تمتد بلاد الشام في العصور الوسطى، كما وصفها الجغرافيون العرب (1)، من الفرات إلى مصر، وظلت تعتبر كذلك حتّى نهاية العصر العثماني (2)، إذ تحدّها من الشرق البادية من أيلة (3) إلى الفرات ومن الغرب البحر المتوسط، أما غربها البرّي فيمتد من طرسوس غرب أذنه إلى رَفَح بين مصر والشام. ويحدّها شمالاً حدّ يمتد من بالس (4) مع الفرات إلى قلعة نجم ثم إلى البيرة إلى قلعة الروم إلى سمساط إلى حصن منصور إلى بهنس إلى مرعش إلى بلاد سيس إلى طرسوس. أما الحد الجنوبي فيمتد من رفح إلى تيه بني إسرائيل إلى ما بين الشوبك وأيلة إلى البلقاء (5).
ولعل من أهم العوامل التي أثرت في تاريخ بلاد الشام، وضعها الجغرافي الذي يتكون من بيئات طبيعية متعددة متباينة تجمع بين المتناقضات جميعها؛ فهناك الجبل والسهل والصحاري والأراضي الزراعية. كما أن إقليم الشام يتميز بتنوع الأرض من ارتفاع وانخفاض يسيران في سَمْتٍ واحد آخذاً مساراً طولياً من الشمال إلى الجنوب. لذلك كان التقسيم الطولي هو أنسب التقاسيم لطبيعة بلاد الشام.
التقسيم الطولي لبلاد الشام
تنقسم بلاد الشام إلى خمسة أقسام طولية يحدّها من الشرق بادية الشام ومن الغرب البحر المتوسط.
القسم الأول
هو السهل الساحلي، وهو عبارة عن شريط يقع شرق البحر المتوسط وغرب الجبل، ويمتدّ من ساحل شبه جزيرة سيناء حتّى خليج الإسكندرونة، وهو متّسع في الشمال والجنوب فيبلغ اتساع السهل الساحلي عند عَسقَلان عشرين ميلاً وضيّق عند لبنان. وينقطع امتداد السهل الساحلي في نقطتين، الأولى إلى الجنوب من مصبّ نهر الكلب، فيصل الجبل إلى البحر. وقد أفاد السكان من هذه الميزة فائدة عظيمة، إذ أعطتهم موقعاً استراتيجياً هاماً، فقد شكّل ذلك مانعاً طبيعياً أمام القوات المعادية السالكة لهذا السهل. والنقطة الثانية عند جبل الكَرْمَل، حيث يتميز السهل بخصوبة أرضه وخاصة عند سهل صارونة وسهل فلسطين جنوباً ومنطقة الساحل عند لبنان شمالاً. وبرغم امتداد السهل لهذه المسافة الطويلة إلاّ أننا لا نجد خليجاً نهرياً عميقاً اللهمّ إلاّ خليج الإسكندرونة في الشمال. وقد ترتّب على ذلك عدم وجود موانئ هامة.
القسم الثاني
يقع إلى الشرق من السهل الساحلي الذي يمتدّ من جبل الأمانوس شمالاً حتّى جبل سيناء في الجنوب، مكوّناً سلسلة من المرتفعات التي تشكّل عائقاً أمام الاتصال بين البحر وداخل الشام، ويمكن عبور هذا العائق في عدة مواضع عن طريق الجسر السوري مع سهول ما بين النهرين، وعند تصدّع مَرْج ابن عامر شرقيّ عكّا وحيفا، وعن طريق وادي النهر الكبير وشماليّ طرابلس، ولذلك كان على الجيوش الصليبيّة المتّجهة إلى ظهير بلاد الشام أن تسلك أحد هذه الأبواب. على أن أهمّ جبال هذه السلسلة هو جبل الأمانوس الذي يفصل بين الشام وآسيا الصغرى، ويقطع هذا الجبل نهر العاصي في جزئه الجنوبي. ويُعرف هذا الجزء بجبل الأقرع، ويقطع طرقاً تمتد إلى أنطاكية وحلب مارّة بمضيق بيلان المعروف بأبواب سوريا ( Pyle syria ) (6). وتمر هذه الجبال باللاذقية إلى أن تصل إلى النهر الكبير الجنوبي (7).
وتضمّ أودية عميقة وكثيرة، بعضها شديد الوعورة شديد الارتفاع وذات مَيل حادّ. وقد اتّخذ الصليبيون من هذه المواقع الحصينة مكاناً لبناء حصونهم وقلاعهم التي لا تزال خرائبها باقية حتّى اليوم، على أن أعلى قمم هذه السلسلة الجبلية: جبال لبنان.
وتستمر هذه السلسلة في الاتجاه جنوباً في شكل مرتفعات وهضبات تسمّى الجليل الأعلى. وأقصى ارتفاع فيه عند جبل ( الجرمق ) شمال صفد، وهو أعلى قمّة في فلسطين، والجليل الأدنى وأعلى قمة فيه جبل طابور قرب الناصرة. وتنقطع هذه السلسلة عند مَرج ابن عامر.
القسم الثالث
يقع إلى الشرق من سلسلة الجبال الغربية، ويبدأ من الشمال بسهل العمق، فسهل البقاع، ويمتدّ في وادي الأُردنّ حتّى البحر الميت، ثم وادي عَرَبة حتّى خليج العَقَبة. على أن سهل البقاع يرتفع عند بعلبكّ حيث نقطة تقسيم، فيتجه نهر العاصي نحو الشمال، أمّا نهر اللَّيطاني فيتجه نحوالجنوب ـ وهما النهران الكبيرانِ الوحيدان في الشام ـ ثم يأخذ نهر الليطاني مسار نهر العاصي، فينعطف فجأة في مجراه الأسفل نحو الغرب عند سفح قلعة الشقيف ( التي كانت تُعرف بقلعة ( Belfort )، إلاّ أن مجرى هذا النهر منخفض مما يجعل الريّ متعذراً. وقد كان لهذين النهرين أكبر الأثر في خصوبة سهل البقاع؛ فإن أراضي هذا السهل من أجود أراضي الشام وأخصبها مرعىً.
وتتميز هذه المنطقة بوجود الزلازل والبراكين فيها؛ فالهضبة الواقعة شرقيّ جبل حرمون وجنوبي دمشق تخترقها خطوط البراكين الخامدة. كذلك منطقة لبنان والوادي الكبير ووادي الأردنّ والبحر الميت تُعتبر منطقة الزلازل، فقد أصيبت أنطاكية خلال القرون الستة الأولى للميلاد بهزّات عنيفة (8) حوالي عشر مرات. كذلك تدل التصدّعات الموجودة في جدران معبد الشمس في بعلبكّ على تعرّضه لهزّات عنيفة نتيجة الزلزال. وكذا خراب سَدُوم وعَمُورة الشهير في الطرف الجنوبي الغربي للبحر الميّت، بالإضافة إلى النيران التي نجمت عن ترشيحات الزلازل من نفط وينابيع من الإسفلت، وغيرها من التصدعات التي حدثت للقلاع الصليبية التي ما تزال باقية.
القسم الرابع
يتكوّن من سلسلة الجبال الشرقية، وتبدأ من جنوبي حِمص، وتقابل جبل لبنان الغربي بجبل لبنان الشرقي ( سنير ) (9)، ثم تنحدر نحو هضبة حوران ومنها إلى هضبة الجولان في الغرب، ثم إلى شرقيّ الأردنّ حيث تِلال جلعاد وهضبة مُؤاب المرتفعة إلى جبل سعير جنوبيّ البحر الميت.
والجدير بالذكر أن في هذا القسم نهر بَرَدى، يبدأ من مرتفعات وادي الزَّبَداني في جبال لبنان الشرقي ويتجه شرقاً ويسقي قسماً كبيراً من الأراضي، ويمر بمدينة دمشق ويروي بساتين دمشق المشهورة. ويتفرع هذا النهر إلى خمسة أفرُع تمرّ بدمشق. ويحدّ هضبة حوران من الشمال الشرقي منطقة اللَّجا المعروفة ( بالوعر ). ويُطلِق الجغرافيون العرب هذا الاسم على كل من منطقة اللجا ومنطقة الصفا (10). وقد اتّخذت القبائل المتمردة من منطقة اللجا ملجأ، ولعلّ هذا يفسّر اسم هذه المنطقة. وفي الجنوب الشرقي لهذه المنطقة يوجد جبل حوران أو جبل الدُّروز. وبرغم قلة مصادر المياه بهذه المنطقة إلا أنها تنتج القمح بكثرة كما تكثر بها المراعي الجيدة. ومن القمم البارزة في هضبة حوران: جبل عجلون، وجبل جلعاد الذي عرف عند الصليبيين باسم ( La Coac ).
القسم الخامس
إلى الشرق من سلسلة الجبال الشرقية سالفة الذكر نجد بادية الشام، وهي تكوّن مثلّثاً رأسُه عند حلب شمالاً وقاعدته عند خليج الكويت في الشرق وخليج العقبة في الغرب. وأرض بادية الشام قاحلة، وهي امتداد لصحراء العرب وهي التي تفصل الشام عن العراق. وقد سُمّي الجزء الشرقي من البادية ببادية ما بين النهرين، أما الجزء الجنوبي فيعرف ببادية العراق أو السَّماوة. وكان سكان البادية منذ عهد قديم يقومون بالتجارة وأعمال الوساطة التجارية أو كأدلاّء للقوافل.
أرض الشام وأرض جزيرة العرب
بالنظرة العامة لطبيعة بلاد الشام وعلاقتها بشبه جزيرة العرب نجدهما تتفقان في مَيلَيهما العام من الغرب إلى الشرق، ومن الجنوب إلى الشمال، اللهمّ إلاّ تلك الهضبات الانكسارية التي تُشرف على الساحل من الشمال إلى الجنوب، إلاّ أننا نجد أن اتجاه الظهير السوري من الغرب نحو العراق في اتجاه من الجنوب الغربي نحو الشمال الشرقي (11).
المناخ
أمّا عن مناخ بلاد الشام فهو معتدل، إذ يقع بين منطقة الرياح التجارية الجافة التي تهبّ على الجزء الجنوبي من الشام، ومنطقة الرياح الغربية المحمّلة بالرطوبة التي تهبّ على الجزء الشمالي من الشمال مسبّبة الأمطار. أمّا في فصل الصيف فتسود الرياح التجارية الجافة التي تجعل هواء الشام حاراً بعض الشيء. فالرياح الغربية التي تمر بالبحر المتوسط تكون محمّلة بالرطوبة، وتقابل جبال لبنان ومنطقة التلال الوسطى فترتفع، وبارتفاع الهواء يتمدد مما يتسبب في سقوط الأمطار، وهذا هو تعليل كثرة الأمطار التي تسقط على غرب جبال سوريا. على أن كمية المطر تتناقص كلما اتجهنا شرقاً، فدمشق مثلاً الواقعة خلف الحاجز المزدوج لجبال لبنان لا يصيبها إلاّ القليل من المطر، كذلك الحال كلّما اتجهنا جنوباً فتقلّ الأمطار بعد مرتفعات فلسطين الوسطى وتلال شرق الأردنّ. أما القسم الشرقي من شرقيّ الأردنّ فلا يصيبه إلاّ النزر القليل من المطر.
وفي الشتاء تأتي البرودة الجافة الآتية من آسيا الوسطى فوق منطقة الهضاب الشرقية في سوريا، وتكوّن الصقيع والثلوج. ويقع تأثير البرودة كلّما اتجهنا صوب الساحل. وتعمل سلسلة الجبال على منع تسرب الرياح البحرية الباردة من الوصول إلى داخل بلاد الشام. وفي الصيف تأتي الرياح الحارة الآتية من الشرق والجنوب الشرقي، وتسبب ارتفاع درجة الحرارة. أمّا رياح السَّموم أو الشرقية فتهبّ في فصلَي الربيع والخريف.
المياه
نشير إلى أنّ مياه الأمطار تتسرّب في الصخور الكِلسيّة، فيتجمع بعضها تحت الأرض ويخرج على شكل ينابيع؛ ففي الجديدة على مقربة من بحيرة الحُولة عشرات من العيون حيث ( مَرْج العُيون )، وفي ريحا بجانب حلب. أمّا المياه التي لا تتسرّب في الطبقات الكِلسية فتكون جداول وأنهاراً تتحول إلى سيول بعد هطول الأمطار بغزارة. أما في فصل الصيف حيث الجفاف فإنها تقلّ إن لم تجفّ تماماً. ولا شك أن السيول التي كانت تتدفق من المرتفعات العالية قد ساعدت على عامل التعرية والتآكل في بعض الأراضي التي كانت خصبة فأمست قاحلة اليوم، الأمر الذي حدا ببعض العلماء إلى الاعتقاد بحدوث تغيّرات طبيعية تتّجه بالمنطقة نحو الجفاف عبر العصور التاريخية. على أن انخفاض قدرة الأرض على الإنتاج نتيجة تعرية سفوح المرتفعات، بفعل مياه الأمطار والرياح، وتضاؤل بعض الينابيع والرعي، وزوال الغابات التي كانت جذورها تساعد على تماسك التربة الرخوة، وإهمال وتخريب أعمال الريّ نتيجة لهجمات البدو والغزوات، وإنهاك التربة، لم يكن هو العامل الوحيد في فقر المنطقة بل زاد الطين بلّة.
أمّا في الجنوب فقد كان يغطي جبالَ لبنان أشجار الأرْز وغابات السَّنديان الفضية والصَّنوبر، وقد أتت عليها يد الاستغلال والنهب والتخريب في عصور التاريخ المتعاقبة فلم يَبقَ منها إلا مساحات ضئيلة من الأرْز. ولم يَنمُ محلَّ الغابات المزالة غيرُها، بل حلّ محلها الماكي، وهي شجيرات قصيرة كثيفة ينتجعها رعاة الماعز والفحامون. وقد ساهموا في تخريب تلك الشجيرات، وعرّضوا بذلك التربة للتعرية وحيوان الماعز؛ فالماعز خفيف الحركة يتسلّق الصخور والجروف، ويصعد إلى القمم العالية فيقرض الأخشاب وفروع الأشجار والشجيرات.
في تاريخ الحضارة
لقد كانت لطبيعة وجغرافية بلاد الشام بالإضافة إلى موقعها المتوسط بين دول الشرق الأوسط أثر كبير على تاريخها؛ فقد كانت منذ زمنٍ بعيد تقوم بدَور الوسيط بين الحضارات النهرية الكبرى: حضارة الرافدين وحضارة وادي النيل، وبين الحضارات البحرية التي كانت تتخذ البحر المتوسط طريقاً لها، كالحضارة اليونانية. ولم يكن هذا الموقع الجغرافي مسؤولاً عن دور الوسيط الذي لعبته فحسب، بل كان مسؤولاً عن مزاجها الحضاري، فقد كانت في موقع وسط بين العالم السامي من ناحية، وبين العالم الإيجي من ناحية أخرى، كما أنها كانت متأثرة بآسيا الصغرى وحضاراتها المختلفة. وكان لموقع بلاد الشام أكبر الأثر في عبور كثير من الهجرات خلال فترات التاريخ المختلفة؛ فقد عبرته كل الطرق البرية بين البحر المتوسط والخليج الفارسي عن طريق ممرات طبيعية خاصة هيأتها الطبيعة حيث عُرِفت سورية باسم المعبر السوري.
طريق التجارة
كانت تسلك هذا المعبر قوافل التجّار وجحافل الجيوش، فقد كانت القوافل لا تجرؤ أن تسلك بادية الشام المجدبة، بل كانت تتخذ طريقها عبر نطاق الحشائش شمالاً ثم تتّجه جنوبا بشرق. وقد نجم عن هذا نشوء عدّة مُدن على حافة الصحراء توازي الساحل من الشمال إلى الجنوب، وهي مدن حلب وحِمص ودمشق وعَمّان. كما قامت كلٌّ من تَدمُر وسَلْع ( البتراء ). في ذات الوقت كانت هذه المدن محطات ونهايات القوافل البرية متصلة باستمرار بالموانئ الساحلية.
وقد ساعدت طبيعة بلاد الشام لكي تكون حلقة وصل بين قارات العالم القديم حيث تكاد تلتقي أذرُع المياه الداخلية بالبحر المتوسط والبحر الأحمر والخليج، مما جعل من الساحل الشرقي للبحر المتوسط أهميَ أهميّة طريقٍ يصل بين الخليج والبحر لأي دولة قامت في العالم القديم.
وفود البدو
وقد أتى البدو إلى بلاد الشام عن طريق ممرّات: هي حلب ـ الإسكندرونة في الشمال، واليرموك ومرج ابن عامر في الوسط، ثم النقب. فمن الممرّ الأول اتصل البدو بغيره من الشعوب التي تسكن هضبات آسيا الصغرى، لذلك أمسى إقليم حلب مستودعاً للعديد من الثقافات. أما الفتحة الجنوبية فكانت أسهل الممرات إلى بلاد الشام، وعن طريقها تم استعراب جنوب فلسطين قبل غيره من أقاليم بلاد الشام.
القوميات والأديان القديمة
والتقسيم الطبيعي لبلاد الشام بخطوط مستقيمة تأتي من الشمال إلى الجنوب وخطوط انكسارية أخرى تسير عمودية عليها من الشرق إلى الغرب، كان سبباً في وجود قوميات مختلفة بين سكان بلاد الشام، فلقد كان سكان بلاد الشام في العصور الوسطى معظمهم من بقايا الأراميين الأصليين، وهم السريان في الشمال والشرق، والسامريون في الجنوب، وبقايا الأنباط في الغرب، يليهم العرب الغساسنة والمناذرة، ثم قبائل إياد وربيعة. ويتخلّل هذه الجموعَ شَتاتٌ من أمم أخرى وأخلاط من مولد اليونان والرومان على الشواطئ ومولّدي الفرس والأكراد في الشمال. وكانت جامعة الدين قد غلبت على جامعة النسب أو الجنس أو اللغة، فأصبحت الطوائف تنتسب إلى مذاهبها الدينية كالنصارى واليهود والسامريين. وينقسم النصارى إلى ملكيين ويَعاقبة ونَساطِرة ومَوارنة.
العوامل المؤثرة في المجتمع الشامي
على أنّه من المفيد هنا أن نُجمل أهم العوامل التي تركت أثراً عظيماً في المجتمع الإسلامي ببلاد الشام في القرنين الثاني عشر والثالث عشر الميلادي، ولعل من أهم هذه العوامل: وضع البلاد الجغرافي، فهي تتكون من بيئات طبيعية متعددة متباينة تجمع بين المتناقضات جميعها، فهناك الجبل والسهل والصحاري والأراضي الزراعية والأنهار والبحار. وقد سكن هذه المناطق المتباينة خليط من السكان والجماعات المتباينة الأجناس والحضارات واللغات والديانات وكذا المذاهب.
أما العامل الثاني الذي أثر في تاريخ الشام وفي مجتمعه فهو: موقعه كحلقة اتصال بين القارّات الثلاث، ومن ثَمّ كان طريقاً للهجرات التي ارتحلت من قارة إلى أخرى، كما أنه كان عُرضة للحروب والغزوات التي وفدت على الشرق الأوسط، كما أن حدوده الطبيعيّة جعلته في مهبّ الأطماع.
أما العامل الثالث فلعله أكثر العوامل تأثيراً في المجتمع الإسلامي في بلاد الشام، ونعني به: الطرق التجارية الكبرى التي تتصل به، منها الطريق الكبير أو كما يسميه بعضهم الطريق الدولي العظيم الذي يبدأ من دلتا النيل ماراً بسيناء حيث يتفرّع منه فرع يذهب إلى مناجم النحاس والفيروز، والفرع الثاني يذهب إلى أراضي البخور وجنوبي الجزيرة العربية ومن سيناء يتحول الطريق شمالاً نحو ساحل فلسطين حتّى الكرمل على مسافة من البحر، ومن هناك يتفرع الطريق مرة أخرى إلى فرعين، أحدهما يتجه إلى الساحل فيصل صور وصيدا وجبيل وسائر الموانئ الشامية. ويسير الفرع الآخر إلى الداخل، فيجتاز سهل مجدو ويعبر الأردنّ في واديه الشمالي، ثم يتجه رأساً إلى دمشق في الشمال الشرقي. وفي مدينة دمشق يتفرع الطريق الكبير إلى ثلاث شُعب، أحدها يعبر بادية الشام ماراً بتدمر حتّى يصل إلى بلاد الرافدين، والثاني يتجه نحوالغرب فيعبر لبنان إلى البحر المتوسط، والثالث يصعد شمالاً عبر سوريا متّبعاً نهر العاصي إلى شمال سورية.
كان هذا الطريق تُحمَل منه مباشرة أحمال العاج والذهب من إفريقية، والمرّ والبَخور والتوابل من الهند وجنوبي بلاد العرب، والكهرمان والحرير من آسيا الوسطى والصين، والقمح والأخشاب من سهول سوريا وجبالها. وأنه كان ينقل بطريقٍ غير مباشر الحضاراتِ والثقافاتِ المختلفة التي أثرت دون شك في الحضارة السورية.
ويكاد يكون العامل الرابع من العوامل التي انفردت بها الشام، هو: الصراع المتواصل بين البدو والحضر المستقرّين وخاصة في أطراف الشام الشرقية والجنوبيّة. فقد كانت هناك غزوات متكررة يقوم بها البدو والطامعون في حياة الرخاء التي يتمتع بها سكان الحضر في الأراضي المجاورة. والمتصفح لتاريخ سوريا يجد أنه قصة متصلة الحلقات للموجات المتتالية التي كان يقوم بها سكان البادية، محاولين تارة بالطريق السِّلمي وأخرى بالعنف والقوة احتلالَ الأراضي الزراعية، وذلك أن الأقوام الرحَّل الذين ينتقلون من مكان إلى آخر سعياً وراء الكلأ والمراعي، كانوا أسرع حركة وأشد احتمالاً مِن أهل الحضر المستقرين.
الموضوع قديم ينقل إلى الأرشيف