الخير العميم
قيام الليل عبادة عظيمة كان للمصطفى
– صلى الله عليه وسلم – بها اختصاص مذكور في قوله تعالى : {ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً }
وسياق الآية مشعر بفضل قيام الليل وعظيم أثره ، وذلك لربطه بما
ذكر بعده من نيل المصطفى – صلى الله عليه وسلم – المقام المحمود ، وهو مقام الشفاعة
يوم القيامة ، وقيام الليل عمل ذكره الحق – جل وعلا – في أعمال وأوصاف المؤمنين حيث
قال : { إنما يؤمن يآياتنا الذين إذا ذكروا بها خروا
سجداً وسبحوا بحمد ربهم وهم لايستكبرون * تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم
خوفاً وطمعاً ومما رزقناهم ينفقون } . وامتدح الله به
المتقين عند ذكر أنهم { كانوا قليلاً من الليل ما يهجعون
* وبالأسحار هم يستغفرون } وعده من خلال عباد الرحمن
فقال في حقهم : { والذين يبيتون لربهم سجداً
وقياماً }.
قيام الليل مدرسة الإيمان
والتقوى ، ومنبع التزكية والتطهير، به تحيا القلوب وتزداد إشراقاً ، وبه تسمو
النفوس وتمتلئ أشواقاً ، فيه تذرف العيون دموع الخشية والندامة ، وتلهج الألسن
بدعوات التضرع والإنابة ، وتتمرغ الجباه في سجود الذل والاستكانة
.
قيام الليل مظنة إجابة الدعاء كما
قال خاتم الرسل والأنبياء – صلى الله عليه وسلم – : ( إن في الليل لساعة لا يوافقها عبد
مسلم يسأل الله تعالى خيراً من أمر الدنيا والآخرة إلا أعطاه الله إياه ، وذلك في
كل ليلة ) [ رواه مسلم ] .
وهو من أسباب دخول
الجنة كما يبين البشير النذير – عليه الصلاة والسلام – حين قال
: ( أيها الناس
أفشوا السلام ، وأطعموا الطعام ، وصلّوا بالليل والناس نيام ، تدخلوا الجنة
بسلام ) [رواه الترمذي ] .
وقيام الليل أفضل الصلاة بعد الفريضة بنص حديث الرسول – صلى الله عليه وسلم
– . رواه مسلم .
والآن لعلك تقول كما
يقول كثير من الناس- وكلنا ذاك الرجل – : "لم نعد نقوم الليل، ولا طاقة لنا به ،
ضعفت عنه هممنا ، وقعدت عنه عزائمنا ، وثقلت عن القيام به أجسادنا ، وشغلتنا عنه
أموالنا وأهلونا ، ومع أنني أدعو نفسي وأدعوك وأدعو كل مسلم أن لا يفوّت قيام الليل
ولو ركعتين ؛ فإن في ذلك خير كثير ، وأجر كبير ، ولكنني مع ذلك أسوق لك غنيمة عظمى
من غنائم الفجر ، إذا أديت صلاة الفجر فكأنما قمت الليل كله ، نعم !كله لا بعضه ،
وليس هذا من عندي ، بل هي غنيمة جاء بها حديث المصطفى – صلى الله عليه وسلم – الذي
يرويه عثمان بن عفان – رضي الله عنه – ، عنه – عليه الصلاة والسّلام – أنه قال
: ( من صلى العشاء في جماعة ، فكأنما قام نصف الليل ، ومن صلى
الفجر في جماعة فكأنما قام الليل كله ). [ رواه مسلم ]
.
إذن فأنت بذلك تنال غنيمة
جديدة أكيدة ، فتمسك بها ولا تفرّط .
الخير
العميم
خير بلا حد ، وفضل بلا سد ، وحسنات
بلا عد ، عطاء يفوق الوصف ، وهبات تزيد على الضعف ، لا لا تقل إنها مبالغات ، كلا !
فهذا جود رب الأرض والسماوات ، إنه الذي لا تنفذ خزائنه ، ولا ينقص ملكه ، وإن أعطى
كل سائل مسألته .. {ولله ملك السماوات والأرض وما بينهما }
.
تصور- أخي القارئ- وأختي
القارئة أن هذه الغنيمة التي سأخبرك بها ليست من غنائم صلاة الفجر ، بل هي غنيمة
ركعتي السنة قبل صلاة الفجر ، ولك -بعد أن تعرف الغنيمة – أن تتساءل وتقول : إذا
كان هذا لركعتي السنة ، فكيف إذن ركعتي الفريضة ؟
.
اقرأ معي حديث عائشة أم المؤمنين –
رضي الله عنها – ، عن النبي – صلى الله عليه وسلم – : ( ركعتا الفجر خير من الدنيا وما
فيها ) رواه مسلم ، وفي رواية : ( لهما أحب إليّ من
الدنيا وما فيها ) .
سبحان
الله (خير من
الدنيا وما فيها ) !! الدنيا بذهبها وفضتها ، وجمالها
ونسائها ، الدنيا بكل ملذاتها وشهواتها {زين للناس حب
الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة
والأنعام والحرث } نعم ركعتا الفجر خير من كل ذلك ،
ويعدل كل ذلك ويزيد عليه ، والرواية الثانية مؤيدة ومؤكدة لهذا المعنى عندما جاء
لفظها بالمقارنة بين الدنيا وركعتي الفجر وقال الرسول الكريم – صلى الله عليه وسلم
– ( لهما أحب إليّ من الدنيا جميعاً ) ، إذن فكرر معي فكيف صلاة الفجر ذاتها ؟
.
إنها غنيمة بلا حدود ، فاسع إليها
وقيدها بالقيود ؛ فإن عائشة – رضي الله عنها – قالت : (لم يكن النبي – صلى الله عليه وسلم
– على شيء من النوافل أشد تعاهداً منه على ركعتي الفجر ) [ متفق عليه