يشكلها باللمس دون أن ينظر لها
طفل توحدي بحائل يخترق القدرات ويشكل حيوانات بالصلصال
الطفل مع معلميه في مدرسة أحد الابتدائية.
حائل : ماجد الطريفي
أبرز طفل من ذوي الاحتياجات الخاصة ضمور خلايا الدماغ في الجانب الأيسر بسبب نقص الأكسجين وقلة الكهرباء موهبة انفرد بها بين أقرانه في مدرسة أحد الابتدائية بحائل، وبدأ بتشكيلات الحيوانات التي يراها بسرعة قد تصعب على أشخاص متمكنين، وبات يكسر جميع الحواجب التي تقف بطريقه بيديه اللتين تتلاعبان بمادة الصلصال، فتخرجان مجسمات وكأنها خرجت من آلة للتو.
والد الطفل ناصر ضاري القفيعي قال"كان ابني عبد الملك طفلا شبه عادي حتى بلوغه الثلاثة أعوام ونصف، لم نلاحظ عليه سوى أنه لم يتكلم أو يلعب مع الأطفال، وكنا نظن أنه يعاني من ثقل في النطق، وأنه سوف يتكلم عاجلا أم آجلا، وكان كثير الحركة وكثير التأمل لأشياء في الطبيعة، وظل كثيرا ما يتأمل في وقت غروب الشمس حتى تختفي، وهو من النوع التي يتأمل الصور في الكتب التي تحتوي على القصص أو الألعاب لمعرفة ما بداخلها".
وأضاف القفيعي"كنا نجهل حقيقة مرضه، حتى حضر صديق لي، وشد انتباهه تصرفات عبد الملك مثل الهدوء وحب الاكتشاف والتأمل، وعدم الإجابة عند مناداته وقال الصديق: ابنكم يذكرني بابن قريبي يتصرف مثل هذه التصرفات، وكان يعاني من هذه الأعراض، ووجد الأطباء أنه كان يعاني من نقص الأكسجين في الدماغ، مما أصابه بالتوحد.
تعب ومعاناة
وعن المعاناة التي بدأت من تساؤلات صديقه قال "ومن هنا كانت رحلتنا مع المعاناة والتعب والخوف والقلق في نفس الوقت على مستقبل عب الملك ، وبدأنا بطرق أبواب الأطباء، وتفاوتت التشخيصات والفحوصات"، مشيرا إلى أن أحد الأطباء في المخ والأعصاب بمستشفى الملك خالد المتخصص أرشدهم بعد أن عرف أن عبد الملك لا يعاني من مرض عضوي في السمع واللسان، وأنه ليس هناك أي شي يعيقه من النطق سوى مرض التوحد الذي يحتاج إلى معلم نطق.
وأضاف "كانت هذه البداية، وبدأت مع الأساتذة وأول أستاذ هو الأستاذ جاد الذي أعطانا معلومات عن مرض التوحد، ومشاكل النطق، وكيفية التعامل مع المشكلة وأهمية الأسرة مع المعلم، وقد أحسن لنا صنعا".
وعن بداية اكتشاف مواهب عبد الملك، قال "الأستاذ جاد وهو أول من اكتشف أن عبد الملك يملك ذكاء يساعده على تخطي مشكلته، ونصحنا بشراء الصلصال والكتب والألوان والقصص التي تحوي صورا وألعابا حتى تشده لواقعه، ومن هنا انطلق عبد الملك بدقة مع الموهبة الجديدة، ولم نهمل في نفس الوقت الجانب الطبي، وواصلنا البحث بشتى الطرق، ووفقنا إلى اختصاصي مخ وأعصاب، فبعد الكشف عليه والفحص الدقيق وصلنا إلى التشخيص الصحيح، وهو ضمور في خلايا في الجانب الأيسر بسبب نقص في الأكسجين، وأكد لنا الطبيب أن حالته ليست ميئوساً منها، وأنه مع الأدوية سوف يتحسن".
ويأمل القويعي من الجهات المعنية الاهتمام بهذه الفئة من المجتمع، وتهيئة مراكز عدة لهم وإعطاء جميع الإرشادات والتوجيهات، حتى يتسنى للجميع التشخيص المبكر وتقديم الدعم المادي لهؤلاء الأطفال حتى تتمكن الأسر من دفع نفقات العلاج.
مجسم لديناصور
وفي مدرسة عبد الملك مدرسة أحد الابتدائية يقول معلمه موسى السيف معلم التربية الفنية"في أول حصة تربية فنية كان موضوع الدرس (أشغال الصلصال)، قمت بتوزيع الصلصال على الطلبة، فبدأ كل واحد يعمل شكلا من الأشكال بالصلصال، ورأيت الطالب عبد الملك جالسا وحده وعيناه فوق نحو سقف الفصل والصلصال بين يديه يشكله، وهو لا ينظر إلى الصلصال أو يديه، وبعد مضي وقت قصير رأيته يخرج عملا فنيا رائعا، وهو مجسم صغير للديناصور، وكان مشابهاً جدا لديناصور، ومنذ ذلك الوقت عرفت أن هذا الطالب مبدع، فبدأت أركز عليه، وأعطيه فرصا عدة ليشكل بالصلصال من نفسه دون أمره، وقام بتشكيل العديد من الأشياء التي لا تتوقع أن يقوم بها هذا الطالب".
تحديات كثيرة
وقال محمود عبد الشكور (معلم التربية الخاصة في مدرسة أحد)"عندما يصاب المرء بإعاقة فإن هناك تحديات كثيرة يتعرض لها، فإذا استسلم لتلك العوائق ستزيد الإحباطات التي تجعله شخصا غير منتج.
وأضاف"بإمكاننا اعتبار الطالب عبد الملك من ذوي الاحتياجات الخاصة الذين يجمعون الإعاقة مع الموهبة، فهو طفل توحدي تظهر عليه سمات التوحد من قصور التواصل الاجتماعي وقصور في الاتصال وبالأخص اللغة والمحادثة والتفاهم، والتزامه بمدى ضيق التصرفات والنشاطات، مع رفضه لأي تغيير في جدوله اليومي وأنشطته المعتادة، إلا أنه يتمتع بذاكرة بصرية قوية تحتفظ بأدق التفاصيل بمجرد نظرة خاطفة، فبإمكانه أن يكون من الصلصال مدينة كاملة إذا توجه إليها بمجرد خمس دقائق مع الاحتفاظ بالتفاصيل الصغيرة التي قد يحفظ الكثير منها، إلى جانب ذلك القدرة على اللمسة الفائقة، فهو يعتمد على حاسة اللمس في تكوين الأشكال والشخصيات والحيوانات، حتى إنه لا ينظر إلى الصلصال الموجود في يده، ويكتفي بالتحسس عن طريق أصابعه.