الخلاصة :
تشهد دول منطقة الخليج العربي تطورا صناعيا كما ونوعا قلما يوجد مثيله في بلدان كثيرة مما سيجعل دول الخليج في وضع صناعي واقتصادي قوي ومتميز يستمد منه إنسان هذه المنطقة قوته ومنعته ومكانته الاجتماعية والفكرية والأخلاقية ، ولكن هل سيتم له ذلك في حالة إغفال الجانب الصحي السلبي الذي قد يترتب بسبب الملوثات التي قد تصدر من هذه الطفرة الصناعية- علما بأن أي تطور صناعي وأي خطة إنمائية لن يتم لها النجاح في غياب الصحة المتكاملة للعاملين أيا كان موقع عملهم. فالمواطن السليم جسديا ونفسيا هو العمود الفقري لإنجاح خطط التنمية.
فالملوثات المتوقعة تشمل المذيبات العضوية والرصاص، والزئبق والكادميوم والزرنيخ، والنشادر والمبيدات الحشرية والفطرية ومبيدات الأعشاب وأكاسيد النيتروجين وأكاسيد الكبريت والإشعاعات المؤينة والجسيمات الصلبة العالقة وغيرها. وتسبب هذه المواد تلوث الهواء والتربة والمياه إما بشكلها الأصلي أو كملوثات ثانوية ناتجة عنها، وقد تصل هذه الملوثات إلى الإنسان من حيث لا يدري بطريقة مباشرة او غير مباشرة منتهية به إلى تدهور صحي. وبما ان الإنسان هو جزء من البيئة وهو أغلى ما فيها فإن هذا البحث سيتطرق إلى الآثار الصحية السلبية التي قد تنجم من جراء بعض الملوثات البيئية إن لم يتم مراقبتها والسيطرة عليها، ونهدف من ذلك إلى لفت أنظار المهتمين قبل الوصول إلى وضع يصعب تصحيحه.
مقدمة :
تشهد دول منطقة الخليج بأكملها تطورا صناعيا وعمرانيا قلما يوجد في كثير من البلدان، وقد أدت هذه النهضة الصناعية إلى وضع هذه الدول في مصاف الدول ذات القيادة الاقتصادية والعمرانية حيث انعكس إيجابيا على إنسان هذه المنطقة فاستمد منه قوته ومنعته ومكانته الاجتماعية والفكرية والأخلاقية. ولكن إذا نظرنا إلى الدول التي سبقتنا في مجال التصنيع لوجدنا ما عانت منه إبان السنين الأولى من عمر التطور الصناعي، فقد انتشرت الأمراض البيئية على مختلف أشكالها ومنها مازالت آثاره موجودة وبذلك ينبغي على دول الخليج الاستفادة من أخطاء الغير وليس من أخطائها لتفادي الخطر قبل وقوعه فصحة المجتمع تبدأ بصحة الفرد وهو الركيزة الأولى للمجتمع والتطور وإنجاح خطط التنمية فهو العمود الفقاري .
الملوثات البيئية :
الملوثات البيئة كثيرة نوعا وعددا وكثيرة كذلك مصادرها ، ولكن المهم هو التعرف على أهمها وكذلك على ما قد تسببه من أضرار صحية :
1- المذيبات العضوية :
إن التعرض للمذيبات العضوية يكون عن طريق الاستنشاق او التلامس مع الجلد ومن أمثلة هذه المذيبات مثيلين كلورايد، بنزين تولوين،ترايكلورو إثيلين، تتراكلوروإثيلين زيلين، هكسين، مثاييل بيبوتايل كيتون، كاربون دايسلفايد وغيرها ومعلوم ان حوالي 20% من الأمراض الجلدية المهنية سببها هذه المذيبات فهي تسبب التهيج الجلدي او التهيج التحسسي إن اثارها على الجهاز العصبي تتلخص في تسمم حاد شبيه بالتسمم بالخمر وشدة الأعراض الحادة لها علاقة وثيقة بالجرعة. أما التسمم المزمن فمنه تغير الشخصية والمزاج وضعف القدرة الذهنية والضعف الجسماني العام. ضعف الذاكرة والتركيز والتهاب الأعصاب الطرفية ويبدأ بتنمل وتخدر بالأطراف أولا قبل أن يشمل الأجزاء العلوية من الأعضاء … أما الآثار السلبية على الجهاز التنفسي فتكون في شكل تهيج للأغشية المخاطية وآلام بالحلق والأنف وكحة وآلام بالصدر وتدميع وربما يكون التعرض شديدا ويسبب أزمة رئوية.
الموت الفجائي ذكر كأحد الآثار السلبية للتعرض للمذيبات كالذين يدمنون استنشاقها وذلك بسبب آثارها على القلب والأعراض إذا لم تحدث الوفاة هي الدوخة، وزيادة ضربات القلب مع عدم انتظامها وربما فقد الوعي مع او بدون هبوط وظائف الجهاز العصبي المركزي. التأثير على الكبد يكون في شكل تدمير لخلاياها ولكن هذه الآثار تعتمد على نوع المذيب المتعرض له فمنها ما هو شديد الأثر مثل المذيبات الهالوجينية والنايترية وأخرى ضعيفة مثل الهايدروكارونات الأليفاتية والعطرية . التأثير على الجهاز الدموي ليس شائعا ولكن البنزين وهو الهايدروكاربونات العطرية له آثار ضارة وخطرة ومنها فقر الدم اللاتنسجي وابيضاض الدم ، الآثار السلبية على الكلى إن وجدت فهي قليلة وكذا الآثار على الجهاز التناسلي والأجنة.
2- الرصاص :
الرصاص من المعادن المستعملة كثيرا ويضاف إلى وقود السيارات وإن كان الإتجاه الآن إلى استبداله بمواد أخرى مثل ميثايل- تيرت- بيوتايل إيثر mtbe والآثار السلبية للتعرض للرصاص تبدأ أول ما تبدأ أول ما تبدأ بالجهاز الدموي فيعاني المصاب من فقر الدم ويظهر عليه الشحوب ثم تتولى الآثار السلبية إن لم تكتشف الحالة مبكرا فتشمل الجهاز العصبي المركزي والطرفي والكلى وارتفاع ضغط الدم والعقم عند الرجال والنساء والإجهاض.
3- الزئبق :
الزئبق من الملوثات للمياه في البلدان الزراعية مثل اليابان وشبه القارة الهندية والدول الاسكندنافية والمصدر هو المبيدات الحشرية والفطرية وحادثة تلوث مياه خليج مينيماتا باليابان في الخمسينات مازال يذكرها الكثيرون ومدونه في الكتب المهتمة بأمور التلوث والإصلاح البيئي. والزئبق يؤثر على الجهاز العصبي والكلى والجهاز التناسلي فيسبب الارتجاف وعدم الإتزان والفشل الكلوي وعدم انتظام الدورة الشهرية عند النساء والإجهاض والشلل المخي.
4- الكادميوم :
الآثار السلبية الناتجة عن التعرض الكادميوم تشمل الفشل الكلوي وأزمة رئوية حادة والتهاب ونفاخ رئوي مزمن يؤدي إلى الإصابة بالسرطان الرئوي.
5- الزرنيخ :
يدخل الزرنيخ في صناعة تقوية المعادن وكذلك المبيدات الحشرية واستعمالات أخرى مثل صناعة الزجاج. والآثار السلبية من جراء التعرض إما أن تكون حادة وتظهر خلال دقائق أو ساعات قليلة بعد التعرض ومنها الغثيان والقيء والمغص المعوي وإسهال دموي شديد وآلام العضلات وتسبق الوفاة تشنجات وإغماء وهبوط الدورة الدموية ومن تكتب له النجاة تظهر عليه علامات التخدير الطرفي وربما الشلل. أما غاز الارسين فيسبب التحلل الدموي مصحوبا بصداع وغثيان وضيق الصدر، ووجود المغص المعوي واليرقان مع قلة إدرار البول دلائل قوية على التسمم بغاز الأرسين . أما علامات وأعراض التسمم المزمن بالزرنيخ التخدير الطرفي مع ضعف العضلات وانعدام الانعكاسات العصبية وتغير الجلد خاصة اليدين وراحة القدمين والسرطان الجلدي والرئوي وربما أدى إلى تسمم الجنين داخل الرحم مع إنقاص وزن المولود او إصابته بتغيرات خلقية.
6- النشادر :
غاز النشادر يدخل في إنتاج الأسمدة الكيميائية وصناعات أخرى وهو غاز شديد التهيج للأغشية المخاطية بالعيون والرئتين والتعرض لكميات كبيرة منه يسبب أزمة رئوية حادة وحروق بالعين والشعب الهوائية والوفاة وقد أثبتت دراسة حديثة ان التعرض لغاز النشادر في بيئة العمل قد سبب الربو الشعبي لعدد من العاملين.
7- المبيدات الحشرية والفطرية ومبيدات الأعشاب :
إن التوسع الزراعي في بعض دول الخليج أدى بالضرورة لزيادة استعمال المبيدات الحشرية أملا في زيادة الإنتاج من المحاصيل والفواكه وإذا علمنا أن الزراعة تكون غالبا في المناطق الريفية بعيدا عن الخدمات الصحية ندرك أهمية المحافظة على صحة العاملين بتلك المزارع فمن بين هذه الكيماويات الزراعية ما هو فتاك ليس للآفات الزراعية فحسب بل للإنسان والحيوان على السواء فقد تحدث الوفاة خلال وقت قصير. والتعرض للمبيدات الزراعية وبقية الكيماويات المستعملة في الزراعة يكون أيضا عن طريق تلوث المياه أو عن طريق السلسلة الغذائية وتشمل الآثار السلبية الجهاز العصبي المركزي والطرفي والجلد والجهاز التناسلي والجنين ايضا
8- أكاسيد النيتروجين :
تنتج معظم أكاسيد النيتروجين من احتراق الوقود والمصدر الرئيسي للتلوث البيئي خارج بيئة العمل هو السيارات وفي بعض الأحيان يكون التلوث داخل المنزل أكثر من خارجه والمصادر الرئيسية هي أفران الغاز واستعمال الكيروسين للتدفئة. إن التعرض لتركيز عال من هذه الاكاسيد يسبب الوفاة او تلف الشعب الهوائية وقد سبب الانتفاخ الرئوي عند حيوانات التجارب.
9- أكاسيد الكبريت :
هذه المواد مثلها مثل أكاسيد النيتروجين نتاج لإحتراق الوقود وغالبا ما توجد كخليط مع الجزئيات العالقة ورذاذ حمضي . ومعلوم ان ثاني اكسيد الكبريت آثاره الضارة على الرئتين وخاصة لدى مدخني التبغ الذين يعانون من الإنسداد الشعبي المزمن وحادثة تلوث الهواء بلندن عام 1952 م من جراء الضباب والدخان مشهورة وقد زادت الوفيات في تلك الفترة بـ 4000 حالة بسبب أمراض القلب والجهاز التنفسي.
10- الإشعاعات المؤينة :
مصادر التعرض للإشعاعات المؤينة كثيرة منها المهني وغير المهني والآثار الصحية السلبية تنحصر في متلازمة الإشعاع الحادة والتي تكون من جراء التعرض لجرعة كبيرة من الإشعاع ولفترة بسيطة ، اما الآثار المزمنة بعد التعرض لجرعات بسيطة لفترات متكررة أو جرعة عالية ولفترة قصيرة. وبالنسبة للآثار الحادة فهي تبدأ خلال ساعتين إلى ست ساعات وقد تستمر لمدة 48 ساعة ومنها الصداع والقيء وإسهال قد يكون دمويا وقلة الصفائح بالدم وإذا كانت جرعة الإشعاع عالية جدا فالوفاة فورية. الأمراض المزمنة تشمل التشوهات الخلقية للجنين داخل الرحم والسرطان وابيضاض الدم والعقم.
11- الأوزون :
يوجد الأوزون مع ملوثات أخرى وقد عرف عنه انه يسبب اعتلال وظائف الرئة وشدة تحسسها للمهيجات والتهاب الأنف والذين يعانون من الربو الشعبي قد يكونون اكثر عرضة للآثار السلبية للأوزون.
التوصيات :
هذه أمثلة فقط من الملوثات البيئية والتي قد تؤثر على الانسان والقائمة ليست قصيرة والهدف هو إعطاء أمثلة للفت أنظار المهتمين لهذه الملوثات قبل فوات الأوان والعمل على منع التلوث . وفيما يلي بعض المقترحات لتحقيق ذلك :
سن القوانين التي تحرم استعمال أي مادة يثبت ضررها على الإنسان إذا وجد البديل الذي يؤدي نفس الغرض.
الكشف الطبي المبدئي (قبل التوظيف) يتبعه الكشف الطبي الدوري للعاملين في المهن الخطرة وتوفير الرعاية الصحية المستمرة.
فصل العامل من الملوثات داخل بيئة العمل وإن تعذر توفير واستعمال الملابس الواقية المناسبة.
الحد من ساعات العمل في الأماكن الخطرة بما يتناسب مع طبيعة العمل بدون أن يؤثر ذلك على الانتاج او صحة العامل.
الحد من أعداد العاملين في الأماكن الخطرة بحيث أن يؤدي العمل بصورة سليمة وآمنة.
التدريب الكامل على العمل مع إعطاء تدريب وافي عن السلامة الصناعية واسس الصحة.
الحد من الملوثات داخل بيئة العمل بالطرق المناسبة.
المراقبة المستمرة لبيئة العمل للتأكد من أثر الملوثات في الحدود المقبولة.
والسمووووحه منكم ..