تخطى إلى المحتوى
الرئيسية » طلب : نشاط عن التاريخ {تم} للصف الثامن

طلب : نشاط عن التاريخ {تم} للصف الثامن

بليييييييز ابغي ورقة عمل للتاريخ والتربية وطنيه

ابي قبل العيد بليييييييييز

عندي بس ضيعته
انتقال الخلافة إلى الأمويين

لما طمع بنو أمية في الخلافة كانت قد أفضت إلى الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) صهر النبي (صلّى الله عليه وآله) وابن عمه والمسلمون يعتقدون أنه أحق الناس بها لقرابته من النبي (صلّى الله عليه وآله) وتقواه وشجاعته وعلمه وسابقته في الإسلام وفضله في تأييده، فتصدّى له معاوية بن أبي سفيان وكان أبوه وأخوته من أشد الناس مقاومة للإسلام عند ظهوره ولم يسلموا إلا بعد فتح مكة في السنة الثامنة للهجرة وإنما أقدموا على ذلك مضطرين لما رأوا الإسلام قد تأيد في جزيرة العرب ولم يبق سبيل إلى مقاومته.

وكان أبو سفيان والد معاوية زعيم أهل مكة وقد حارب النبي (صلّى الله عليه وآله) في عدة أماكن وجاهر بعدوانه وطعن فيه فلما ظفر المسلمون في غزواتهم واشتد أزرهم وهموا بفتح مكة ومشوا حتى أقبلوا عليها كان أبو سفيان وبعض كبراء قريش قد خرجوا منها يتجسسون، فلقيهم العباس عم النبي (صلّى الله عليه وآله) فقال له أبو سفيان وقد أسقط بيده: (لقد أصبح أمر ابن أخيك عظيماً) فأشار عليه العباس أن يستأمن فلم ير له حيلة في غير ذلك فاستأمن ثم فتحت مكة ولم يكن له بد من الإسلام فأسلم هو وأولاده وفيهم معاوية وقد تألفهم النبي (صلّى الله عليه وآله) بالعطاء ليثبتوا في إسلامهم.

معاوية وعلي (عليه السلام)

وكان بنو أمية ينظرون إلى ما ناله بنو هاشم بالنبوة من السلطان والجاه ويتوقعون فرصة للقبض على أزمة الملك، فلما قتل عمر بن الخطاب وأمر بالشورى اختار الصحابة عثمان بن عفان وهو من بني أمية ولا يخلو فوزهم بهذا الانتخاب من دسيسة أموية. وكان عثمان ضعيفاً يؤثر ذوي قرابته في مصالح الدولة فاغتنم الأمويون ضعفه وتولوا الأعمال واستأثروا بالأموال فشق ذلك على سائر الصحابة فنقموا عليه وقتلوه.

فاتخذ الأمويون قتله ذريعة للقبض على الخلافة ورئيسهم معاوية بن أبي سفيان عامل عثمان على الشام ومعه رجال قريش، وكان أدهى أهل زمانه بلا منازع فنظر في الأمر نظر رجل يطلب الملك كما يطلبه أهل المطامع وطلاب السيادة في كل عصر بلا علاقة بالدين وقد ساعده على ذلك أن خصمه علياً (عليه السلام) كان يعتبر الخلافة منصباً دينياً وهو زاهد في الدنيا لا مطمع له في غير الثواب والحسنى. وإن رجال معاوية قد ذهبت منهم حرمة الدين ونسوا أبهة النبوة وذاقوا لذة الثروة وتعودوا السيادة فاتسعت مطامعهم، فأثمرت مساعي معاوية في اصطناع الأحزاب بقاعدة ذكرها في حديث دار بينه وبين عمرو بن العاص فقال معاوية: (لو أن بيني وبين الناس شعرة ما انقطعت) فقال عمرو: (وكيف ذلك؟) قال: (إن هم شدوا أرخيت وإذا أرخوا شددت).

فأول شيء فعله معاوية أنه استعان بثلاثة من كبار الصحابة يعدّهم المؤرخون أدهى رجال العرب ومعاوية أدهاهم جميعاً وهم عمرو بن العاص وزياد بن أبيه والمغيرة بن شعبة ولولاهم لم يستتب له الأمر لأن ابن العاص احتال في نجاته من واقعة صفين بعد أن كادت الدائرة تدور عليه إذ ظهرت جيوش علي (عليه السلام) على جيوشه فأشار عليه عمرو بن العاص أن يرفع المصاحف لإيقاف الحرب ثم أشار بالتحكيم وخدع أبا موسى الأشعري نائب علي (عليه السلام) في ذلك التحكيم فخلع عليّاً وبايع معاوية. ونال عمرو في مقابل ذلك ولاية مصر طعمة له طول العمر، وزياد بن أبيه رجل لا يُعرف له أب فلما رأى معاوية دهاءه قرّبه منه وادعى أنه أخوه واستلحقه بنسبه وسماه زياد بن أبي سفيان في حديث طويل واستلحاق زياد أول عمل ردّت به أعلام الشريعة الإسلامية علانية وكان زياد عوناً كبيراً لمعاوية في حفظ العراق وفارس. أما المغيرة بن شعبة فهو أول من ضرب النقود المزيفة في الإسلام وأول من أرشى وهو الذي حرّض معاوية على مبايعة ابنه يزيد وجعل الخلافة وراثية في نسله وساعده على ذلك فهؤلاء وغيرهم من كبار القواد اكتسب معاوية مساعدتهم بالدهاء والأطماع فأطعم ابن العاص مصر وأطعم المغيرة فارس وجعل زياداً أخاه وكان يتساهل في محاسبة عماله ويغضي عن سيئاتهم ويبالغ في إكرامهم. ولو رأوا من علي بعض ذلك لكانوا معه ولكن علياً كان دقيقاً في محاسبتهم متصلباً برأيه لا يحيد عما يقتضيه ضميره.

رغبة بني أمية في السيادة

إن المحور الذي كانت تدور عليه سياسة بني أمية والغرض الذي كانوا يرمون إليه إنما هو إحراز الخلافة والرجوع إلى السيادة التي كانت لهم في الجاهلية بقطع النظر عن وعورة المسالك المؤدية إلى ذلك أو وخامة الأسباب التي تمسّكوا بها. وقد فازوا بغايتهم فاتسعت المملكة الإسلامية في أيامهم واشتدت شوكتها مما لم تبلغ إليه دولة العباسيين بعدها وكانوا يطلبون السلطة على أن لا يشاركهم فيها أحد، وكان أشدهم فتكاً عبد الملك بن مروان يقول (لا يجتمع فحلان في أجمة) فرغبة بني أمية في السلطة على هذه الصورة مع وجود من هو أحق منهم بها جرّهم إلى ارتكاب أمور آلت إلى توجيه المطاعن عليهم، وقد ظهرت هذه الدولة وتغلبت على سائر طلاب الخلافة في أيامهم بشيئين: العصبية القرشية واصطناع العصبيات أو الأحزاب الأخرى وهما أساس كل ما ظهر من سياسة بني أمية كما سترى.

العصبية العربية في عصر الأمويين

العرب وقريش

كانت العصبية العربية في الجاهلية بين القبائل بحسب الأنساب فلما جاء الإسلام تناسوا تلك العصبية واجتمع العرب كافة باسم الإسلام أو الرابطة الإسلامية، ومازالت الرابطة الإسلامية تشمل العرب على اختلاف قبائلهم وبطونهم حتى إذا طمع بنو أمية بالملك وقبضوا على أزمة الخلافة استبدوا وتعصبوا للعرب وحافظوا على مقتضيات البداوة وتمسكوا بعاداتها فظلت خشونة البادية غالبة على حكومتهم وظاهرة في سياستهم مع ذهاب مناقب البدو التي ذكرناها. وإنما حفظوا من أحوال جاهليتهم تعصبهم لقبيلتهم (قريش) وإيثار أهلهم على سواهم، فجاشت عوامل الحسد في نفوس القبائل التي كان لها شأن في الجاهلية وضاع فضلها في الإسلام وخصوصاً أهل البصرة والكوفة والشام لأن أكثر العرب الذين نزلوا هذه الأمصار جفاة لم يستكثروا من صحبة النبي (صلّى الله عليه وآله) ولا هذّبتهم سيرته ولا رُوّضوا بخلقه مع ما كان فيهم من جفاء الجاهلية وعصبيتها، فلما استفحلت الدولة إذا هم في قبضة المهاجرين والأنصار من قريش وكنانة وثقيف وهذيل وأهل الحجاز ويثرب فاستنكفوا من ذلك وغصوا به لما يرون لأنفسهم من التقدم بأنسابهم وكثرتهم ومصادمة فارس والروم مثل قبائل بكر بن وائل وعبد القيس بن ربيعة وكندة والأزد من اليمن وتميم وقيس من مضر فصاروا إلى الغضب من قريش والأنفة عليهم فعادت العصبية إلى نحو ما كانت عليه في الجاهلية، فوقعت الوحشة بين قريش وسائر القبائل من ذلك الحين وخصوصاً بينهم وبين اليمنية ومنهم الأنصار. وثبت الأنصار في نصرة أهل البيت ضد أهلهم من قريش مثلما فعلوا في أول الإسلام إذ جاءهم النبي (صلّى الله عليه وآله) مهاجراً فراراً من أهله. وانقسم العرب في سائر أنحاء المملكة الإسلامية بين هذين الحزبين قيسية وكلبية أو مضرية ويمنية أو نزارية وقحطانية وقامت المنازعات بينهما في الشام والعراق ومصر وفارس وخراسان وأفريقيا والأندلس، وفي كل بلد من هذه البلاد وغيرها حزبان مضري ويمني تختلف قوة أحدهما أو الآخر باختلاف الخلفاء أو الأمراء أو العمال، فالعامل المصري يقدّم المضرية والعامل اليمني يقدّم اليمنية ويختلف ذلك باختلاف الأموال وله تأثير في كل شيء من تصاريف أحوالهم حتى في تولية الخلفاء والأمراء وعزلهم وكثيراً ما كانت الولاية والعزل موقوفين على انحياز أحد هذين الحزبين. على أن قريشاً كانوا منقسمين فيما بينهم وأهم انقساماتهم بين أمية وهاشم فكان الناس يتعصبون لأحدهما على الآخر تبعاً لغرضه أو وطنه وكثيراً ما كانوا يتشاجرون في هذا السبيل فيشغلون أوقاتهم بالمناظرة والمفاخرة حتى تحتدم نار الخصام وتتحوّل إلى حرب يطير شرارها وتُسفك فيها الدماء، وكانت قوة بني هاشم في الحجاز والعراق وقوة بني أمية في الشام ويختلف هذا التحديد باختلاف العصور.

عصبية العرب على العجم

وكما كان القرشيون في أيام بني أمية مقدمين على سائر قبائل العرب فإن العرب على الإجمال كانوا مقدمين على سائر الأمم الذين دانوا للمسلمين، فكان العربي يعد نفسه سيداً على غير العربي ويرى أنه خُلق للسيادة وذاك للخدمة ولذلك لم يكن العرب يشتغلون في صدر الإسلام إلا بالسياسة والحكومة وتركوا سائر الأعمال لسواهم وخصوصاً المهن والصناعات. ولم يكن العرب يعتنون بشيء من العلم غير الشعر والتاريخ لأنه لازم للسيادة والفتح وأما الحساب والكتابة فقد كانت من صنائع الموالي وأهل الذمة ولذلك كان العمال في أيام بني أمية مع تعصبهم للعرب قلما يولونهم الدواوين لأنهم كانوا لا يكتبون ولا يحسبون.

وكان الأمويون في أيام معاوية يعدون الموالي أتباعاً وأرقاء وتكاثروا فأدرك معاوية الخطر من تكاثرهم على دولة العرب فهمّ أن يأمر بقتلهم كلهم أو بعضهم، وقبل مباشرة ذلك استشار بعض كبار الأمراء من رجال بطانته وفيهم الأحنف بن قيس وسمرة بن جندب فقال لهما: (إني رأيت هذه الحمراء ـ يعني الموالي ـ وأراها قد قطعت على السلف وكأني أنظر إلى وثبة منهم على العرب والسلطان فرأيت أن أقتل شطراً وأدع شطراً لإقامة السوق وعمارة الطريق فما ترون؟) فقال الأحنف: (أرى أن نفسي لا تطيب.. أخي لأمي وخالي ومولاي وقد شاركناهم وشاركونا في النسب) وأما سمرة فأشار بقتلهم وطلب أن يتولى ذلك هو بنفسه فرأى معاوية أن الحزم في رأي الأحنف فكفّ عنهم، فاعتبِر مقدار استخفاف العرب بسواهم وكيف يخطر للخليفة أن يقتل شطراً منهم بغير ذنب اقترفوه كأنهم من الأغنام. وكانوا يسمون العربي من أم أعجمية (الهجين) ولا يزوّجون الأعجمي عربية ولو كان أميراً وكانت هي من أحقر القبائل، فلما بالغ بنو أمية في الاستخفاف بغير العرب وقد ذهبت أبهة النبوة أخذ هؤلاء في التذمر ونصروا آل علي (عليه السلام) والخوارج وغيرهم من أعداء الأمويين وهان عليهم الرد على العرب في مفاخراتهم فنشأ من ذلك طائفة يُعرَفون بالشعوبية لا يعترفون بفضل العرب على سواهم وتصدوا لدفع حجج القائلين بفضل العرب على سائر الشعوب. ولم يكن الشعوبية يستطيعون الظهور في أيام بني أمية فلما أفضت الخلافة إلى بني العباس وانحط شأن العرب بعد قتال الأمين والمأمون ظهروا وألفوا الكتب في مثالب العرب، فالدولة الأموية هي التي جعلت الإسلام دولة عصبية وسيفاً، وظل الكثير من عادات الجاهلية شائع في أيامهم كالمفاخرة والمباهلة ومناشدة الأشعار في الأندية العمومية فكان أشراف أهل الكوفة يخرجون إلى ظاهرها يتناشدون الأشعار ويتحادثون ويتذاكرون أيام الناس، وكان خارج البصرة بقعة يقال لها المربد يجتمع إليها الناس من البصرة وغيرها يتناشدون الأشعار ويتحادثون كما كانوا يفعلون في عكاظ.

العصبية الوطنية في عصر الأمويين

لم يكن للعرب قبل الإسلام روابط وطنية يجتمعون بها أو يدافعون عنها لأنهم كانوا لا يستقرون في وطن لتغلب البداوة على طباعهم وتنقلهم بالغزو والرحلة. فلما أسلموا وفتحوا البلاد ومصروا الأمصار وابتنوا المدن وأقاموا فيها تحضّروا ونشأت فيهم الغيرة على تلك المواطن للدفاع عنها والتعصب لها وهي ما عبّرنا عنه بالعصبية الوطنية.

تحضّر العرب بعد الفتح

وكان العرب (أو المسلمون) يقيمون في تلك المعسكرات التي أنشأوها حوالي المدن المفتوحة بأولادهم ونسائهم لا يختلطون بأهل القرى حتى إذا جاء الربيع يسرحون خيولهم للمرعى في القرى يسوقها الأتباع من الخدم أو العبيد ومعهم طوائف من السادات، فإذا فرغوا من رعاية الخيل عادوا إلى خيامهم وهم إلى ذلك الحين أهل بداوة وغزو ومركز دولتهم في المدينة وفيها مقرُّ الخليفة ومرجع المسلمين عند الحاجة فلما طال مقامهم في تلك المعسكرات وأفضت الخلافة إلى بني أمية ورغبوا في الشام عن الحجاز هان على المسلمين إغفال أمر المدينة وسائر الحجاز وطاب لهم المقام في الشام وسائر الأمصار فاقتنوا الأرضين والضياع وغرسوا الأشجار فتحولت تلك المعسكرات بتوالي الأجيال إلى مدن عامرة أشهرها البصرة والكوفة والفسطاط والقيروان من المدن التي بناها المسلمون غير المدن القديمة التي استوطنوها في الشام ومصر والعراق وفارس وغيرها.

تعصب المدن الإسلامية بعضها على بعض

ومما زاد المسلمين رغبة في العصبية الوطنية انقسام الأحزاب السياسية يومئذ باعتبار المدن، وأول خلاف وقع بين بلدين إسلاميين الخلاف الذي وقع بين الشام والكوفة في أيام عثمان بن عفان ثم حدث الانقسام الوطني السياسي بعد مقتله وكان أساسه الميل إلى أحد طلاب الخلافة يومئذ وهم علي (عليه السلام) ومعاوية وطلحة والزبير فكان أهل الشام مع معاوية لأنه أميرهم ومعظمهم من قريش وكان أهل المدينة مع علي (عليه السلام) وهم الأنصار وتبعتهم مصر وكان أهل الكوفة مع الزبير وأهل البصرة مع طلحة، فكان لكل بلدٍ في عصر بني أمية مجتمع خاص يجتمع به ويحارب باسمه، وهو مؤلف من قبائل تختلف نسباً وعصبية وفيهم قبائل اليمن ومضر وربيعة وغيرها يقيم كل منها في حي خاص بها يعرف باسمها فكانت البصرة مثلاً مؤلفة من خمسة أقسام تُعرف بالأخماس كل خمس لقبيلة وهي الأزر وتميم وبكر وعبد القيس وأهل العالية. والمراد بأهل العالية بطون قريش وكنانة والأزد وبجيلة وخثعم وقيس غيلان كلها ومزينة، وقس على ذلك سائر البلاد، ففي أيام علي (عليه السلام) والخوارج كانت البصرة عثمانية والكوفة علوية والشام أموية والجزيرة خارجية والحجاز سنية وتقلبت هذه الأحوال كثيراً واختلفت باختلاف الدول، فحدث بتوالي التقلبات السياسية تعدد الاتجاهات، أولها: الاتجاه العصبي أو الاتجاه النسبي كما حصل بين مصر واليمن. والثاني: الاتجاه الوطني كما حصل بين العراق ومصر والشام. والثالث: الاتجاه المذهبي كما حصل بين الفرق الإسلامية كالسنة والشيعة والمعتزلة وربما اجتمعت كل هذه الاتجاهات في رجلين.

ومما ساعد على نشوء الاتجاه الوطني أن أهل الحجاز كانوا يجتمعون بالحرمين ويفاخرون المسلمين بهما لأن الإسلام لا يستغني عنهما وفيها شيعة علي ولاسيما المدينة، فكان الأمويون مع عداوتهم للعلويين لا يرون بدّاً من زيارة الحرمين ورعاية أهلهما فيقف ذلك عثرة في سبيل سلطانهم وخصوصاً بعد أن احتمى ابن الزبير بالكعبة وأخرج بني أمية وأحزابهم من الحجاز فلم يستطع الأمويون التغلب عليه إلا بضرب الكعبة بالمنجنيق ولهذا السبب خطر للأمويين أن ينقلوا منبر النبي (صلّى الله عليه وآله) من المدينة إلى الشام ليجمعوا عندهم الدين والسياسة. ولعل الحجاج بنى القبة الخضراء في واسط لمثل هذه الغاية كما بناها المنصور في بغداد بعد ذلك تصغيراً للكعبة والغرض من ذلك كله تحويل القلوب عن الحجاز وتصغير أمر العلويين فلم يجدهم ذلك نفعاً.

اصطناع الأحزاب في عصر الأمويين

ومما احتاج إليه بنو أمية في سبيل التغلب لنيل الخلافة اصطناع الرجال واجتذاب الأحزاب كما فعل معاوية بن أبي سفيان بكل وسيلة، على أنه كان إذا خاف عدواً لا يقدر عليه بالسيف ولا يستطيع اصطناعه بالمال احتال على قتله غيلة بالسم كما فعل بعبد الرحمن بن خالد بن الوليد فدسّ إليه شربة عسل مسمومة مع بعض مماليكه فشربها ومات ونجا معاوية منه. وفعل نحو ذلك بالأشتر النخعي مالك بن الحارث وكان من أشدّ رجال علي (عليه السلام) بطشاً أو هو أشدهم جميعاً وقد أبلى معه في صفين بلاءً حسناً. فكان معاوية وأصحابه لا يضيعون فرصة ولا يبالون في تنفيذ أغراضهم ما يرتكبون من القتل أو نحوه. أما علي (عليه السلام) وأصحابه فكانوا لا يحيدون عن مناهج الدين ومقتضى الأريحية. فبالدهاء ونحوه تمكن معاوية من نيل الخلافة وتوريثها لابنه ثم صارت في بني مروان من أمية ولكنه لم يستطع قطع شأفة المقاومين من طلاب الخلافة وهم كثيرون أهمهم أولاد علي (عليه السلام). على أنه كان يسكتهم بالمسالمة والبذل وكانوا يهابونه ويسكنون إلى سياسته ويتوقعون من الجهة الأخرى رجوع الخلافة إليهم بعد موته، فلما رأوه نقلها إلى ابنه يزيد ثار المطالبون بالخلافة في الحجاز والعراق وغيرهما وكل منهم يزعم أنه صاحب الحق بها، فاجتمعت سنة 68هـ أربعة ألوية في عرافات كل منها لزعيم يطلب الخلافة لنفسه إحداها لبني أمية والأخرى للعلويين باسم محمد بن الحنفية والثالثة لعبد الله بن الزبير والرابعة لنجدة الحروري من الخوارج ثم قام غيرهم ولم يفز بالملك إلا بنو أمية للعصبية العربية واصطناع الأحزاب ببذل الأموال وذلك ما جرّ بني أمية إلى خرق كثير من القواعد فقد كانت الأموال التي ترد على بيت المال تعد ملكاً للمسلمين، وليس الخليفة أو عامله إلا حافظاً لها ينفقها في مصالحهم وتدبير شؤونهم وله منها راتب معين يأخذه مثل سائر المسلمين.

عمال بني أمية

فلما اضطر بنو أمية إلى اصطناع الرجال وجمع الأحزاب واسترضاء القبائل وبناء المدن أغضوا عن كثير من تلك الأحكام وتوفقوا إلى عمال أشداء لا يبالون بالدين ولا أحكامه في سبيل أغراضهم مثل زياد بن أبيه عامل معاوية، وعبيد الله بن زياد عامل ابنه يزيد، والحجاج بن يوسف عامل عبد الملك بن مروان، وخالد القسري عامل هشام بن عبد الملك وغيرهم. فكان الخلفاء يكتبون إلى عمالهم بجمع الأموال وحشدها والعمال لا يبالون كيف يجمعونها فقد كتب معاوية إلى زياد يقول (اصطف لي الصفراء والبيضاء) فكتب زياد إلى عماله بذلك وأوصاهم أن يوافوه بالمال ولا يقسموا بين المسلمين ذهباً ولا فضة، وكان العمال من الجهة الأخرى يختصون أنفسهم بجانب من تلك الأموال وليس ثمة من يحاسبهم وقد أطلق الخلفاء أيديهم في الأعمال ترغيباً لهم في البقاء على ولائهم. فكان العمال يختزنون لأنفسهم الأموال الطائلة حتى بلغت غلة أحدهم 10.000.000 درهم في السنة وزادت ثروته على 100.000.000 درهم وزادت نفقاتهم زيادة فاحشة ولم يعد عندهم لراتب العمالة قيمة حتى كتب أمية بن عبد الله إلى عبد الملك بن مروان يقول: (إن خراج خراسان لا يفي بمطبخي).

أخذهم الجزية عن المسلمين

فكان العمال يبذلون الجهد في جمع الأموال بأية وسيلة كانت ومصادرها الجزية والخراج والزكاة والصدقة والعشور. وأهمها في أول الإسلام الجزية لكثرة أهل الذمة فكان عمال بني أمية يشددون في تحصيلها فأخذ أهل الذمة يدخلون في الإسلام فلم يكن ذلك لينجيهم منها لأن العمال عدّوا إسلامهم حيلة للفرار من الجزية وليس رغبةً في الإسلام فطالبوهم بالجزية بعد إسلامهم. وأول من فعل ذلك الحجاج بن يوسف واقتدى به غيره من عمال بني أمية في أفريقية وخراسان وما وراء النهر فارتدّ الناس عن الإسلام وهم يودّون البقاء فيه وخصوصاً أهل خراسان وما وراء النهر فإنهم ظلوا إلى أواخر أيام بني أمية لا يمنعهم عن الإسلام إلا ظلم العمال بطلب الجزية منهم بعد إسلامهم. فلما تولى أشرس سنة 110هـ على خراسان كان أهل سمرقند قد ارتدوا عن إسلامهم فبعث إليهم رجلاً اسمه أبو الصيداء فقال الرجل: (أخرج إليهم على شريطة أن من أسلم لا تؤخذ منه الجزية) فقال أشرس: (نعم) فشخص إلى سمرقند ودعا أهلها إلى الإسلام على أن توضع الجزية عنهم. فسارع الناس إلى الإسلام وقل الخراج فكتب عاملها إلى أشرس: (إن الخراج قد انكسر) فأجابه: (إن في الخراج قوة للمسلمين وقد بلغني أن أهل الصغد وأشباههم لم يسلموا رغبة في الإسلام وإنما أسلموا تعوذاً من الجزية فانظر من اختتن وأقام الفرائض وقرأ سورة من القرآن فارفع خراجه) ففعل الناس ذلك وبنوا المساجد وكتب العمال بذلك إلى أشرس فأجابهم: (خذوا الخراج ممن كنتم تأخذونه) فأعادوا الجزية على من أسلم فامتنعوا واعتزلوا في سبعة آلاف على عدة فراسخ من سمرقند وسبّب ذلك فتنة ارتدّ عن الإسلام بسببها أهل الصغد وبخارى واستجاش الترك. ومازالوا كذلك حتى تولى خراسان نصر بن سيار وقد عرف موضع الخطأ فأعلن سنة 121هـ أنه وضع الجزية عمن أسلم وجعلها على من كان يخفف عنه من المشركين فلم يمض أسبوع حتى أتاه 30.000 مسلم كانوا يؤدون الجزية. ناهيك بما كان يرتكبه بنو أمية من زيادة الخراج وضرب الضرائب والاستئثار بالفيء. ولم يقم من خلفائهم من نهى عن ذلك إلا عمر بن عبد العزيز.

الاستخفاف بالدين وأهله

لما طلب الأمويون الخلافة لأنفسهم وهم يعلمون أن أهل البيت أحقّ بها منهم وأن حجة أهل البيت في طلبها مبنية على أساس صحيح كان أكثر الفقهاء والعلماء وسائر رجال الدين يرون رأيهم ويؤيدون دعوتهم ولكن العصبية كانت مع الأمويين والقوة غالبة. أما الفقهاء وسائر أهل التقوى فكانوا لا ينفكون عند سنوح الفرصة عن تفضيل أهل البيت وتذكير الأمويين بما يرتكبونه ـ في سبيل التغلب ـ من الظلم والقسوة والتعدي ويعظونهم ويذكّرونهم بتقوى الله. حتى إذا أفضت الخلافة إلى عبد الملك بن مروان عمد إلى الشدة والعنف فحج سنة 57هـ بعد مقتل ابن الزبير ولما جاء المدينة وفيها أنصار أهل البيت خطب فيهم خطاباً قال فيه:

(أما بعد فإني لست بالخليفة المستضعف ـ يعني عثمان ـ ولا بالخليفة المداهن ـ يعني معاوية ـ ولا بالخليفة المأفون ـ يعني يزيد ـ ألا وإني لا أداوي هذه الأمة إلا بالسيف حتى تستقيم بي قناتكم وإنكم تحفظون أعمال المهاجرين الأولين ولا تعملون مثل أعمالهم. وإنكم تأمروننا بتقوى الله وتنسون ذلك من أنفسكم. والله لا يأمرني أحد بتقوى الله بعد مقامي هذا إلا ضربت عنقه).

الاستهانة بالقرآن والحرمين

وعبد الملك هذا كان يرى الشدة ويجاهر بطلب التغلب بالقوة والعنف ولو خالف أحكام الدين. وقد يتبادر إلى الذهن أنه فعل ذلك اقتداءً بعامله ونصيره ومؤيد دولته الحجاج بن يوسف ولا نظنه مقتدياً بذلك لأنه صرّح باستهانته بالدين منذ ولي الخلافة وكان قبلها يتظاهر بالتدين فلما تولاها استهوته الدنيا، ذكروا أنه لما جاءوه بخبر الخلافة كان قاعداً والمصحف في حجره فأطبقه وقال: (هذا آخر العهد بك، أو هذا فراق بيني وبينك) فلا غرو بعد ذلك إذا أباح لعامله الحجاج أن يضرب الكعبة بالمنجنيق وأن يقتل ابن الزبير ويحتز رأسه بيده داخل مسجد الكعبة والكعبة حرم لا يجوز القتال فيها ولا في جوارها فأحلوه وظلوا يقتلون الناس فيها ثلاثاً وهدموا الكعبة وهي بيت الله عندهم وأوقدوا النيران بين أحجارها وأستارها مما لم يحدث مثله في الإسلام. ودخلوا المدينة وهي أحد الحرمين وقاتلوا أهلها وسفكوا دماءَهم ولم يغلق لها باب إلا أُحرق ما فيه حتى أن الأقباط والأنباط كانوا يدخلون على نساء قريش فينزعون خمرهن من رؤوسهن وخلاخلهن من أرجلهن وسيوفهم على عواتقهم والقرآن تحت أرجلهم. ناهيك بمن قتلوه من الصحابة والتابعين وأهل التقوى صبراً وإنما أرادوا بذلك تحقير أمر علي (عليه السلام) وشيعته تأييداً لسلطانهم. ولهذا السبب لعنوه على المنابر وأمروا الناس بلعنه وقتلوا من لم يلعنه. وأول من قُتل صبراً في هذا السبيل حجر بن عدي الكندي في أيام معاوية وظلوا يلعنون علياً على المنابر إلى أيام عمر بن عبد العزيز فأبطل ذلك.

الخلافة والنبوة

وتوفق بنو أمية إلى عمال أشداء زادوهم استبداداً وشدة بما توخوه من تمليقهم بالتعظيم والتغرير مما يخالف أحكام الدين. وأول من تجرأ على ذلك الحجاج بن يوسف عامل عبد الملك فإنه سمى الخليفة (خليفة الله) وعظّم أمر الخلافة حتى فضّلها على النبوة فكان يقول: (ما قامت السماوات والأرض إلا بالخلافة وإن الخليفة عند الله أفضل من الملائكة المقربين والأنبياء والمرسلين لأن الله خلق آدم بيده وأسجد له الملائكة وأسكنه جنته ثم أهبطه إلى الأرض وجعله خليفة وجعل الملائكة رسلاً) وإذا حاجّه أحد في ذلك قال: (أخليفة أحدكم في أهله أكرم عليه أم رسوله في حاجته؟)، وكان عبد الملك إذا سمع ذلك أعجب به، واقتدى بالحجاج من جاء بعده من العمال الأشداء كخالد القسري عامل هشام بن عبد الملك فقد كان يقول قول الحجاج وخطب الناس في مكة مرة فقال: (أيها الناس أيهما أعظم خليفة الرجل إلى أهله أو رسوله إليهم؟) يعرض أن هشاماً خير من النبي (صلّى الله عليه وآله).

وذكروا أن خالداً القسري كان قليل العناية في حفظ القرآن فإذا تلا آية أخطأ فيها وألحن في نطقها فوقف مرة للخطابة فقال وأخطأ ثم ارتج عليه وفشل فنهض صديق له من تغلب فقال: (خفّض عليك أيها الأمير ولا يهولنّك فما رأيت قط عاقلاً حفظ القرآن وإنما يحفظه الحمقى من الرجال).

فلا غرو بعد ذلك إذا قيل لنا أن الوليد بن يزيد سكير بني مروان رمى القرآن بالنشاب وهو في مجونه وسكره فقد ذكروا أنه عاد ذات ليلة بمصحف فلما فتحه وافق ورقة فيها: (وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ * مِنْ وَرَائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ)(1) فأمر بالمصحف فعلقوه وأخذ القوس والنبل وجعل يرميه حتى مزقه ثم قال:

أتوعد كل جبـــــارٍ عنيدٍ***فهــا أنا ذاك جبار عنيدُ

إذا لاقيت ربك يوم حشرٍ***فقـــل لله مزقنـي الوليدُ

فلم يكن همّ بني أمية نشر الإسلام وإنما كان همهم الفتح والتغلّب وحشد الأموال فتوقف نشر الإسلام على عهدهم في الأطراف البعيدة كالسند وتركستان مع رغبة أهلهما فيه وإنما نفّرهم منه شدة بني أمية وجشعهم فكانوا يسلمون ثم يرتدون تبعاً لما يرونه من المعاملة الحسنة أو السيئة.

الفتك والبطش في عصر الأمويين

تولى الخلافة معاوية وسلّم الأعمال إلى دهاته في العراق وفارس ومصر وغيرها، حيث أخذوا الناس بالشدة، وأول من توخّى الشدة والعنف زياد بن أبيه عامل معاوية على العراق وهو أول من شدّد أمر السلطة وأكّد الملك لمعاوية فجرّد سيفه وأخذ بالظنة وعاقب على الشبهة وتولى العراق بعده ابنه عبيد الله بن زياد في خلافة يزيد بن معاوية فكان كذلك، ولما أفضت ولاية العراق إلى الحجاج بن يوسف في خلافة عبد الملك بن مروان (65 ـ 86هـ) وقد كثر المطالبون بالخلافة أراد الحجاج أن يتشبّه بزياد وابنه بالشدة والعنف فبالغ في ذلك حتى أهلك ودمّر، وقد أعانته شدة عبد الملك على المبالغة في الشدة فأكبر المسلمون ذلك ونقموا على تلك الدولة وكثر الخارجون عليها واتهموا خلفاءها بالمروق من الدين. ومن أقوال الخوارج فيهم: (إن بني أمية فرقة بطشهم بطش جبارين يأخذون بالظنة ويقضون بالهوى ويقتلون على الغضب) وكان الخلفاء من بني أمية يرون في إطلاق أيدي عمالهم أو قوّادهم تشجيعاً لهم وتنفيذاً لأغراضهم، وربما حرّضهم الخليفة على الفتك عند الحاجة حتى في أيام معاوية فإنه أرسل بسر بن أرطاة بعد تحكيم الحكمين وعلي بن أبي طالب (عليه السلام) يومئذ حيّ وأرسل معه جيشاً، ويقال أنه أوصاهم أن يسيروا في الأرض ويقتلوا كل من وجدوه من شيعة علي (عليه السلام) ولا يكفّوا أيديهم عن النساء والصبيان، فسار بسر على وجهه حتى انتهى إلى المدينة فقتل فيها أناساً من أصحاب علي (عليه السلام) وهدّم دورهم ومضى إلى مكة وغيرها يقتل ويهدم حتى أتى اليمن وعليها عبيد الله بن عباس عامل علي (عليه السلام) وابن عمه كان غائباً فراراً من القتل فوجد بسر ابنين له صبيين اسمهما عبد الرحمن وقثم فأخذهما وذبحهما بيده بمدية كانت معه، وذكروا أن الغلامين كانا عند رجل من كنانة بالبادية فلما أراد بسر قتلهما قال الكناني:

(تقتل هذين ولا ذنب لهما فإن كنت قاتلهما فاقتلني معهما) فقتله وقتلهما معه فصاحت امرأة من كنانة: (يا هذا قتلت الرجال فعلام تقتل هذين؟ والله ما كانوا يقتلون في الجاهلية ولا الإسلام والله يا بن أرطاة إن سلطاناً لا يقوم إلا بقتل الصبي الصغير والشيخ الكبير ونزع الرحمة وعقوق الأرحام لسلطان سوء) وقالت أم الصبيين شعراً في رثائهما كانت تنشده في المواسم مطلعه:

يا من أحسَّ بابنيّ اللذين هما***كالدرّتين تشظى عنهما الصدف

فهل يُستغرب ما يقال عن فتك الحجاج وكثرة من قتلهم صبراً ولو كانوا 120.000؟ وهل يُستبعد أن يكون في حبسه عند موته 50.000 رجل و30.000 امرأة؟ وكان عبد الملك أشد وطأة منه وأجرأ على الغدر والفتك بل هو أول من غدر في الإسلام بعد أن أعطى الأمان وذلك أن عمرو بن سعيد الأشدق أحد أمراء عبد الملك طمع بالملك لنفسه فاغتنم خروج عبد الملك من دمشق سنة 69هـ لحرب مصعب بن الزبير في العراق وجاء إلى الشام ووضع يده عليها، فبلغ عبد الملك ذلك وهو في الطريق فرجع حالاً إلى دمشق وقاتل عمرواً أياماً فلم يقدر عليه فخاف على سلطانه فاحتال في عقد الصلح فرضي عمرو وكتب بينهما كتاباً فيه أمان عبد الملك له. فاطمأن خاطر عمرو المذكور وخرج إلى الخليفة حتى أوطأ فرسه أطناب عبد الملك ثم دخل عليه فاجتمعا ودخل عبد الملك دمشق.

وبعد دخوله بأربعة أيام أرسل إلى عمرو فأجابه أنه آتٍ العشية وأتاه في مائة من مواليه ودخل على عبد الملك وعنده جماعة من بني مروان وقد بقى مواليه خارجاً فاستقبله عبد الملك حتى أجلسه معه على السرير وجعل يحادثه ثم أمر أحد الغلمان أن يأخذ سيفه وقال له: (أتطمع أن تجلس معي متقلداً سيفك) فأعطاه السيف. ثم قال عبد الملك: (يا أبا أمية (عمرو) إنك حينما خلعتني آليت بيمين إن أنا ملأت عيني منك وأنا مالك لك أن أجعلك في جامعة) فقال له الحضور من بني مروان: (ثم تطلقه يا أمير المؤمنين؟) قال: (نعم وما عسيت أن أصنع بأبي أمية) فقال بنو مروان لعمرو: (أبرّ قسم أمير المؤمنين) فقال: (قد أبرّ الله قسمك يا أمير المؤمنين) فأخرج عبد الملك من تحت فراشه جامعة وقال: (يا غلام قم فاجمعه فيها) فقام الغلام فجمعه فيها فقال عمرو: (أُذكرك الله يا أمير المؤمنين أن تخرجني فيها على رؤوس الناس) فقال: (أمكرٌ يا أبا أمية عند الموت؟ لا والله ما كنا لنخرجك في جامعة على رؤوس الناس) ثم جذبه جذبةً فوقع وأصاب فمه السرير فكسر ثنيه فقال عمرو: (أُذكر الله يا أمير المؤمنين كسر عظم مني فلا تركب ما هو أعظم من ذلك) فقال عبد الملك: (لا والله لو أعلم أنك تبقي علي لو أبقيت عليك وتصلح قريش لأطلقتك ولكن ما اجتمع رجلان في بلدة قط على ما نحن عليه إلا أخرج أحدهما صاحبه) فلما رأى أنه يريد قتله قال: (أغدرٌ يا بن الزرقاء؟) ثم قتله عبد الملك. وكانوا يقطعون الرؤوس ويطوفون بها في الأسواق والبلاد كما فعلوا برأس عمرو بن الحمق ومحمد بن أبي بكر ومسلم وهاني والإمام الحسين (عليه السلام). وصار قطع الرؤوس على هذه الصورة سُنّة في عصر بني أمية ومن جاء بعدهم من بني العباس وصار للرؤوس في دار الخلافة خزانة يحفظون فيها كل رأس في سفط خاص وجرت العادة أيضاً بصلب الجثث أو الرؤوس ومن هذا القبيل تشديدهم في العذاب قبل القتل ولعل ذلك من مخترعات الحجاج لإرهاب أعدائه وإخضاعهم بالعنف، فمن ضروب التعذيب أنه كان يأتي بالقصب الفارسي فيشقه ويشده على الرجل وهو عارٍ ثم يسله قصبة قصبة حتى يقطع جسده ثم يصب عليه الخل والملح حتى يموت.

الموالي وتكاثرهم في عصر الأمويين

أفضت الخلافة إلى الأمويين في أواسط القرن الأول للهجرة وعدد الموالي آخذ في الزيادة بموالاة الفتح وتكاثر الرقيق بالأسر أو الإهداء لأن العمال كثيراً ما كانوا يبعثون بمئات أو ألوف من الرقيق الأبيض والأسود إلى بلاط الخليفة هدية أو بدلاً من الخراج أو نحوه والخليفة يفرق ذلك في أهل بطانته أو قواده وهؤلاء يفرّقونه في من حولهم أو يبيعونه فينتقل إلى الناس على اختلاف طبقاتهم.

نقمة الموالي على العرب

فلما تكاثر الموالي ورأوا ما كان فيه الأمويون من التعصب للعرب على سواهم ولاسيما الموالي حتى كانوا يستخدمونهم في الحروب مشاة ولا يعطونهم عطاءً ولا شيئاً من الغنائم أو الفيء عَظُم ذلك عليهم ورأوا في نفوسهم قوة فنفرت قلوبهم من بني أمية وأصبحوا عوناً لكل من خلع الطاعة أو طلب الخلافة من العلويين أو الخوارج. وأشهر من حاربهم بالموالي والعبيد المختار بن أبي عبيدة الذي قام في العراق للمطالبة بدم الحسين (عليه السلام) سنة 66هـ ثم طلب الخلافة لمحمد بن الحنفية، فالمختار المذكور أطمع موالي العراق بالغنيمة وأركبهم على الدواب وكانوا ناقمين على أسيادهم ومواليهم لسوء معاملتهم فجاءوا متطوعين.

زواج الموالي بالعربيات

على أن الموالي في أيام بني أمية كانوا على الإجمال أعداء الدولة يقومون عليها مع القائمين انتقاماً لما كانوا يقاسونه من الاحتقار والجور من عصبية العرب على العجم فازداد الأمويون تحقيراً لهم، فبعد أن قال النبي (صلّى الله عليه وآله): (مولى القوم من أنفسهم)(2) منعوا زواجهم بالعربيات، فإذا تجرأ مولى على الزواج بعربية وبلغ أمره إلى الوالي طلّقها منه كما حدث لأعراب بني سليم في الروحاء فإنهم جاءوا الروحاء فخطب إليهم بعض مواليها إحدى بناتهم فزوجوه فوشى بعضهم إلى والي المدينة بذلك ففرق الوالي بين الزوجين وضرب المولى مائتي سوط وحلق رأسه ولحيته وحاجبيه، وكثيراً ما كانوا يفعلون مثل ذلك بالموالي ولو كانوا من أهل المنزلة الرفيعة أو أهل العلم والتقوى فإن عبد الله بن عون من كرام التابعين ولكنه كان مولى فتزوّج عربية فضربه بلاد بن أبي بردة بالسياط.

فتزويج المولى بالعربية بالغ الأمويون في تقبيحه تعصباً للعرب على سواهم وهو عندهم أقبح من زواج العربي بغير العربية، ولكن ذلك لم يكن محرماً في الدين ولا اعتبره أهل التقوى. فعلي بن الحسين بن علي المعروف بزين العابدين (عليه السلام) وهو أحد الأئمة الاثني عشر ومن سادات التابعين كانت أمه سلامة بنت يزدجرد آخر ملوك الفرس، فلما توفي أبوه زوجها بثريد مولى أبيه وأعتق جارية له وتزوجها فكتب إليه عبد الملك بن مروان يعيّره بذلك. فكتب إليه زين العابدين (عليه السلام): (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة وقد أعتق رسول الله صفية بنت حي بن أخطب وتزوّجها وأعتق زيد بن حارثة وزوجه بنت عمته زينب بنت جحش).

فالإسلام يرفع منزلة المولى وأما الأمويون فرأوا تحقيره باعتبار أنه غير عربي. وجملة القول أن تعصب بني أمية للعرب جرّهم إلى تحقير غير العرب وخصوصاً الموالي فنقم هؤلاء عليهم وكانوا أكبر المساعدين في إخراج الدولة من أيديهم.

أهل الذمة وأحكامهم في عصر الأمويين

عهود أهل الذمة في أول الإسلام

الذمة في اللغة العهد والأمان والضمان وأهل الذمة هم المستوطنون في بلاد الإسلام من غير المسلمين. قيل لهم ذلك لأنهم دفعوا الجزية فأمنوا على أرواحهم وأعراضهم وأموالهم وأكثرهم من النصارى واليهود وقد دعاهم القرآن (أهل الكتاب) نسبة إلى التوراة والإنجيل وقد أثنى عليهم وأوصى بهم خيراً. وفي الحديث النبوي أقوال كثيرة في الإحسان إلى أهل الذمة وخصوصاً قبط مصر فقد رووا عن النبي (عليه السلام) أنه قال: (إذا افتتحتم مصر فاستوصوا بالقبط خيراً فإن لهم ذمةً ورحماً)(3) إشارة إلى أن أم إسماعيل أبي العرب منهم. وقال: (الله الله في أهل الذمة المدرة السوداء السحم الجعاد فإن لهم نسباً وصهراً) وفي تاريخ الفتوح عهود كثيرة كتبت لأهل الذمة عاهدهم المسلمون فيها بحمايتهم وتسهيل أعمالهم في مقابل ما يؤدونه من الجزية ككتاب النبي (صلّى الله عليه وآله) إلى صاحب أيلة (في العقبة) وإلى أهل أذرح في أثناء غزوة تبوك في السنة التاسعة للهجرة. وهاك كتاب النبي (صلّى الله عليه وآله) إلى صاحب أيلة:

(بسم الله الرحمن الرحيم هذه أمنة من الله ومحمد النبي رسول الله ليحيى بن روية وأهل أيلة سفنهم وسيارتهم في البر والبحر لهم ذمة الله وذمة محمد النبي ومن كان معهم من أهل الشام وأهل اليمن وأهل البحر فمن أحدث منهم حدثاً فإنه لا يحول ماله دون نفسه وإنه طيِّب لمن أخذه من الناس وإنه لا يحل أن يمنعوا ما يردونه ولا طريقاً يردونه من بر أو بحر) واقتدى بالنبي (صلّى الله عليه وآله) قواده في أثناء الفتح بالشام ومصر والعراق وفارس وكتبوا العهود لأهل الذمة على نحو ما تقدم في مقابل الجزية. أما شروط الصلح فكانت تختلف شدة ورفقاً باختلاف البلاد والأحوال التي فتحت بها فصلح مصر يختلف عن صلح الشام وصلح الشام غير صلح العراق.

الأمويون وأهل الذمة

كذلك كانت أحكام الذمة لما أفضت الخلافة إلى بني أمية وكانوا لا يخافون الروم على الشام لأن مقرّ خلافتهم فيها وقد احتلوا الشواطئ وتغلبوا على أهلها وصاروا يغزون الروم في البحر. على أنهم ضيقوا على أهل الذمة من جهة الجزية في جملة مساعيهم في حشر الأموال لاصطناع الأحزاب والتمتع بأسباب الدنيا فزادوا الجزية والخراج وشددوا في تحصيلهما وضيقوا على الناس حتى أخذوا الجزية ممن أسلم. وأما من بقي على دينه من أهل الكتاب فكانوا يسومونهم سوء العذاب ويحتقرونهم لأنهم ليسوا عرباً ولا مسلمين. ولا غرابة في ذلك بعد ما علمت من احتقار بني أمية لغير العرب من المسلمين. وكانوا يعدّون الناس ثلاث درجات: أولها العرب ثم الموالي ثم أهل الذمة، ويؤيد ذلك رأي معاوية في أهل مصر قال: (وجدت أهل مصر ثلاثة أصناف: فثلث ناس، وثلث يشبه الناس، وثلث لا ناس. فأما الثلث الذين هم ناس فالعرب والثلث الذين يشبهون الناس فالموالي والثلث الذين هم لا ناس فالمسألة) يعني القبط.

ولما رأى القبط أن الإسلام لا ينجيهم من الجزية أو العنف في تحصيلها عمد بعضهم إلى التلبس بثوب الرهبنة، والرهبان لا جزية عليهم فأدرك عمال بني أمية غرضهم فوضعوا الجزية على الرهبان وازدادوا غيظاً منهم حتى أراد بعضهم أخذها من الأموات فضلاً عن الأحياء بأن يجعلوا جزية الموتى على أحيائهم. ونظراً لاهتمام بني أمية بجمع الأموال للأسباب التي قدمناها وأهل الذمة أقدر على مساعدتهم في جمعها من سواهم لاقتدارهم في الحساب والكتابة وأعمال الخراج استخدموهم في هذا السبيل رغم إرادتهم ولم يكن يهمهم ذلك من وجه ديني لنشر الإسلام أو حصر النصرانية ولولا ذلك ما ولوا خالداً القسري العراقين وأمه نصرانية رومية كان يراعي جانبها ويكرم النصارى من أجلها فاعتز النصارى في أيامه. وأراد خالد أمه على الإسلام فلم تسلم فابتنى لها بيعة في ظهر القبلة بالمسجد الجامع في الكوفة فكان المؤذن إذا أراد أن يؤذن ضرب لها بالناقوس وكان خالد يولي النصارى والمجوس على المسلمين ويطلق أيديهم في الحكومة فيستبدون بالمسلمين. وعمر بن أبي ربيعة الشاعر المشهور كانت أمه نصرانية ماتت والصليب في عنقها وكان النصارى في أيام بني أمية يدخلون المساجد ويمرون فيها فلا يعترضهم أحد. وكان الأخطل الشاعر النصراني يدخل على عبد الملك بن مروان بغير إذن وهو سكران وفي صدره صليب ولا يعترضه أحد ولا يستنكفون من ذلك لأنهم كانوا يستعينون به في هجاء الأنصار.

على أن بعض الخلفاء من بني أمية كانوا إذا قرّبوا نصرانياً أو يهودياً طلبوا إليه أن يدخل في الإسلام فلا يمنعه من الرفض مانع إلا من يغضب الخليفة عليه ولم يكن يحتاج إليه فينتقم منه كما أصاب شمعلة وكان من رهط الفرس نصرانياً فدخل على بعض خلفاء بني أمية فقال له: (أسلم يا شمعلة) قال: (لا والله لا أسلم أبداً ولا أسلم إلا طائعاً إذا شئت) فغضب وأمر فقطعت بضعة من فخذه وشويت بالنار وأطعمها. أما الأخطل فإن عبد الملك قال له مرة: (ألا تسلم فنفرض لك في الفيء ونعطيك عشرة آلاف) قال: (كيف بالخمر؟) قال: (وما نصنع بها وإن أولها لمرّ وآخرها لسكر) فقال: (أما إذا قلت ذلك فإن بين هاتين لمنزلة ما ملكك فيها إلا كلعقة ماء من الفرات بالإصبع) فضحك.

ولولا معاوية وعبد الملك وهشام لذهبت الدولة من أيديهم عاجلاً لما تداول الخلافة بينهم من الخلفاء الضعفاء أهل الترف واللهو والقصف. وأولهم يزيد بن معاوية المتوفى سنة 64هـ فقد كان مغرماً بالصيد كثير العناية باقتناء الجوارح والكلاب والقرود والفهود. وكان يحب الطرب والمنادمة على الشراب فجرى عماله على مثاله وأظهروا الشرب وفي أيامه ظهر الغناء في مكة والمدينة واستعملت الملاهي ولم يكن المسلمون يعرفونها قبل ذلك.

ومنهم يزيد بن عبد الملك توفي سنة 105هـ ويسمونه خليع بني أمية فقد تولى الخلافة بعد عمر بن عبد العزيز وسار في طريق غير طريقه فشغف بجاريتين اسم إحداهما سلامة والأخرى حبابة فقطع معهما زمانه. وغنت يوماً حبابة:

بين التراقي واللهاة حرارة***ما تطمئـن ولا تسوغ فتبرد

فأهوى يزيد ليطير فقالت: (يا أمير المؤمنين لنا فيك حاجة) فقال: (والله لأطيرن) فقالت: (على من تدع الأمة) فقال: (عليك) وقبّل يدها، وخرج يوماً ليتنزه في ناحية الأردن ومعه حبابة وبينما هما في الشراب رماها بحبة عنب فدخلت حلقها فشرقت ومرضت وماتت. فتركها ثلاثة أيام لم يدفنها حتى أنتنت وهو يشمها ويقبلها وينظر إليها ويبكي فكلموه في أمرها حتى أذن بدفنها وعاد إلى قصره كئيباً حزيناً وسمع جارية له تتمثل بعدها:

كفى حزناً بالهائم الصب أن يرى***منــازل من يهوى معطلة قفرا

فبكى وبقي يزيد بعد موتها سبعة أيام لا يظهر للناس أشار عليه أخوه مسلمة بذلك مخافة أن يظهر منه ما يسفّهه عند الناس ولم يحكم إلا أربع سنوات.

ومنهم الوليد بن يزيد بن عبد الملك المتوفى سنة 126هـ وكان خليعاً سكيراً همه الصيد وشرب الخمر حتى جعل الخمر في برك يغوص فيها ويشرب وأول شيء فعله لما ولي الخلافة أنه بعث إلى المغنيين في المدينة ومكة وأشخصهم إليه واستقدم أهل المجون والخلاعة ونادمهم وبالغ في التهتك والمسكر ولكنه لم يحكم إلا سنة واحدة. فلما انغمس بنو أمية بالترف والقصف مع ما كان من تعصبهم على غير العرب واحتقارهم الموالي وإساءتهم إلى أهل الذمة وسائر أهل القرى بما كانوا يسومونهم إياه من نهب غلّتهم في أثناء السفر، إذ كان جند المسلمين في أواخر أيام بني أمية إذا مروا بقرية غصبوا أموال من يمرون به فأصبح الناس يتحدثون بقرب زوال دولتهم ولم تمض إلا سنوات قليلة حتى ذهبت وقامت الدولة العباسية مقامها.

وشكرا

هذا أحسن نشاط عن الأمويين

ومتأسف ما عندي ورقة عمل

للرفعخليجية

جزيت خير الجزاء على هذا النشاط…
وشكرا على تلبية الطلب…

دمت بودخليجية

مشكوووووووووورة جداً جداً استفدنا من المنتدى بصراحة وااايد و تسلم أيادي الجميع
بس ممكن أهم الوظائف التي عرفت في مجتمع مكة قبل الإسلام *_*

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.