لو سمحتوا بغيت تقرير بحثي عن مفهوم السيره الشعبية وآثارها
والسمووحه
أنا كنت عاملة بس إنسيت أحفظة
وبوعدك لما ألاقيه راح أحطه
ان السيرة الشعبية التي ترتكز على أصل تاريخي يمتد بسبب إلى الحقيقة إنما هي نسيج من خيالات وأحلام وأوهام تتشابك مع ظلال من الحقيقة في الإطار العام للسيرة وليس في جزئياتها التي ربما كانت مقتصرة على الجانب الوهمي الخيالي دون غيره.وطبيعة السيرة الشعبية لابد أن تفرض نفسها على منهجها التأليفي، وتدخل فيها عناصر شعبية تختلب وجدان الجماهير وإن ابتعد عن الواقع التاريخي كل الابتعاد.ولو أننا نظرنا إلى (ألف ليلة وليلة) من حيث هي أدب شعبي لوجدنا حكايات على الزيبق ودليلة، وأحمد الدنف في الجزء القاهري أو البغدادي من الليالي، ولكنها تدخل في إطار حوادث السيرة الشعبية المتكاملة التي ظهرت باسم سيرة على الزيبق. فكأن القصص تتوالد في السيرة الشعبية من رحم الخيالات والأوهام والأحلام والفن الشعبي وليس من رحم التاريخ الواقعي الحقيقي الذي انتهت حوادثه بانتهاء أيامه. ويقول فاروق خورشيد(1): إننا نجد في ألف ليلة وليلة امتدادًا شعبيًا لكليلة ودمنة التي كان ابن المقفع قد ترجمها في العصر العباسي حيث يستخدم قاص الليالي حكايات الحيوان بالأسلوب نفسه الذي وردت به كليلة ودمنة وإن بدأت تخرج إلى مجالات تؤدي فيها رموز الحيوانات أدوارًا أخرى بل إننا نعرف من كتاب الفهرست لابن النديم بل من مروج الذهب للمسعودي نفسه أن القرن الرابع الهجري شهد كتابين منفصلين: أحدهما باسم ألف ليلة وليلة ويحكي حكايات شهرزاد وشهريار، والآخر باسم حكايات السندباد وتحكي رحلات السندباد ونحن نعلم أن الكتابين قد أصبحا بعد هذا عملاً شعبيًا واحدًا مثل أحدهما بدايته ومثل الثاني جزءًا رئيسًا فيه في الموسوعة الشعبية الضخمة ألف ليلة وليلة.فانظر كيف صنع الوجدان الشعبي بهذه التأليف التي مزج بينها واستخلص منها ما يتفق وميوله وخيالاته، ونفى عنها ما يربط الأحداث بالحقيقة، أو ما يهبط بنا إلى أرض الواقع أو إلى ساحة التاريخ الصحيح. ونجد مثل ذلك في سيرة سيف بن ذي يزن، فأصول سيرته الحقيقية بوصفه آخر ملوك التبابعة في اليمن مروية في كتب الأخبار مثل أخبار ملوك اليمن، ومروج الذهب، ونهاية الأرب، والعقد الفريد، ونجد أطرافًا منها أيضًا عند الإخباريين العظام من أمثال وهب بن منبه وابن إسحاق والمسعودي، وعبيد ابن شريه، وابن عبد ربه، والثعالبي. وتكاد كل هذه المصادر على اختلافها تتفق على حكاية واحدة لقصة سيف بن ذي يزن، هي أقرب ما تكون إلى الحقيقة والواقع التاريخي، ولكن السيرة الشعبية التي عرفت باسم هذا الملك اليمني قد فعلت فعلها في السيرة الأصلية أضافت إليها الأحلام والأوهام والخيالات وروح الأسطورة، بل ربما استعانت بأخبار متناثرة عن ملوك اليمن الآخرين لا تمت من حيث الحقيقة بصلة إلى سيف بن ذي يزن نفسه، لتقدم عملاً شعبيًا ضخمًا لعب فيه الخيال الشعبي دورًا سبق كل أصحاب الخيال من مؤلفي بعض الخرافات العلمية في عكس أحلام الإنسان في تسخير الطاقة وغزو الفضاء وأعماق البحار وقهر حدود المكان والزمان وتجاوز القدرة البشرية المحدودة(2).كذلك الأمر بالنسبة للأعمال الشعبية الكبيرة التي تتناقلها الأجيال كسيرة عنترة بن شداد والزير سالم، والسيرة الهلالية، وسيرة حمزة البهلوان، وسيرة الأميرة ذات الهمة، فهي في معظمها ترتكز على أحداث تحكي أيام العرب، وحروبهم، ولكن الوجدان الشعبي قد أبعدها عن حقائق التاريخ وأرض الواقع، ليسبح بها في سماوات الخيال والخوارق ويضفي على أبطالها سمات التفوق الإنساني الذي يعلو في بعض الأحيان على القدرة الإنسانية.ولاشك أن السيرة الشعبية تكتفي في بعض جوانبها بالحكاية الخرافية التي ازدهرت كما يقول أحد الباحثين في القرن الحادي عشر الميلادي وما تلاه من قرون ففي هذا الوقت ظهرت المجموعات الكبيرة للحكايات الخرافية في الشرق ونخص بالذكر منها مجموعة (ملتقى التيارات لمختلف الحكايات) للشاعر الكشميري (سوما ديدا) كما تطورت في مصر حكايات ألف ليلة وليلة حتى استقرت على الصورة التي هي عليها الآن(3).ويقول الباحث نفسه عن (ألف ليلة وليلة) مبرزًا عنصر المبالغة فيها في رسم الشخصيات وفي الأحداث وميلها إلى روح الدعابة والمرح بحيث تطمس الحقائق التاريخية ثم انتقل في الرواية العربية من الصحراء إلى بلاد الأمويين في دمشق، وتنتمي إلى هذه الفترة حكايات البهجة الشهيرة عن المدينة المشهورة. ومن دمشق ترحزح مركز تلك الثروة الروائية إلى بغداد في بلاط الخليفة وقد ظهر صدى هذا العصر في حكايات ألف ليلة وليلة التي حكت عن هارون الرشيد وضخمت شخصيته التي ربما لم تكن تبلغ من الأهمية مثل هذا الحد، كما ابتعدت بها عن الحقيقة الواقعية إن السيرة إذًا لا تراعي الجانب الواقعي أو التاريخي، وليس من شأنها التحقيق أو التوثيق ولا يمكن أن تعد من هذه الناحية وثيقة تستقى منها الأحداث، أو تؤخذ الآراء عن شخصيات تلك الأحداث فكل ما فيها داخل في نسيج من الخرافة والأسطورة والوهم والحلم والخيال. وإذا كان بعض الباحثين يحاولون استخلاص بعض الحقائق التاريخية من الأشعار الصحيحة والكتابات الجادة الرصينة، مع ما في هذا الاتجاه من خطورة نظرًا لطبيعة الأدب بوجه عام فإن الأدب الشعبي وخاصة السيرة يستحيل أن يصلح لهذه المهمة، ففيه قدر كبير من التخيل والانطلاق لرسم الأحداث بصورة مؤثرة في الوجدان الشعبي بغض النظر عن الواقع الفعلي أو مدى ارتباط الحدث بالشخصية والسيرة الشعبية إنما وضعت لإرضاء مشاعر الجماهير الذين يؤمنون عادة بالغيبيات والخوارق ويعجبون بالبطولات النادرة وبظهور عنصر الفتك في الشخصية بغض النظر عن إمكان تحقق ذلك في الواقع أو السؤال عن صحة ذلك من حيث التاريخ.وتهتم السيرة الشعبية اهتمامًا مباشرًا بعنصر التمثيل فيها وتحاول ما أمكن رسم مواقف تمثيلية من خلال الرواية أو الملحمة، وهي تضحي في سبيل تحقيق هذا الجانب بعنصر الصدق والواقعية.وربما تضمنت السيرة الشعبية رموزًا لأمــور يحتـــاج إليهـا قــاص الســـيـرة أو كاتبها في التركيز على جوانب معينة في العصر التي تنتمي إليه السيرة، كاتجاه اللهو والمجون مثلاً، وهذا أمر معروف عن العصر العباسي الذي ملأ خيالات الناس وأفكارهم بالغنى والجاه والتحلل والمجون، كان لابد أن يصيبه قدر كبير من التحول في شخصيته بحيث يكون محورًا للحكايات الماجنة ولمظاهر التحلل في عصره.ولا ينبغي أن ننسى عنصرًا مهمًا في السيرة الشعبية وهو غلبة روح المرح والدعابة عليها، ومحاولاتها انتزاع هموم الإنسان، وفي سبيل تحقيق وجود هذه العنصر يتوارى الصدق، وتتحول الحقائق إلى خيالات وأوهام.
ــــــــــــــــــــ
(1) انظر السيرة الشعبية، ص16، سلسلة كتابك طبعة دار الشعب مصر.
(2) انظر السيرة الشعبية لفاروق خورشيد، ص10.
(3) انظر الحكاية الخرافية تأليف فريد رش دير لاين، وترجمة الدكتورة نبيلة إبراهيم، ونشر دار النهضة، مصر، في القاهرة سنة 1965م، ص17.
ما قصرتي
ويزاج الله خير
الله يوفقج