قامت دولة اليعاربة في عُمان عام ) 1034 هـ / 1624 م ) نتيجة لظروف عديدة، منها أن البلاد كانت تعاني الكثير من الفوضى السياسية عند نهاية عهد النباهنة، تلك الدولة التي عمرت خمسة قرون كانت الثلاثة القرون الأولى تمثل فترة قوتها، ومع اقتراب القرن الخامس عشر بدأت عوامل الضغط تعمل في كيانها كنتاج طبيعي لانقسام الدولة إلى ممالك وكيانات ضعيفة عجلت بنهايتها.
وتشير المصادر العُمانية إلى أن تاريخ النباهنة لم يكن كله ضعيفاً وإنما كانت هنالك فترات قوة، حيث حكم عُمان بعض الحكام العظام، لعل أشهرهم فلاح بن محسن.
وبينما كان البرتغاليون يجهزون على كل القوي الإقليمية كانت عُمان تشهد مولد عهد جديد وزعامة جديدة.
فقد ظهر ناصر بن مرشد كأول أمام لدولة اليعاربة، وقد استطاع هذا الإمام أن يستوعب كل أبعاد القضية، وان يدرك المتغيرات الجارية من حوله سواء على المستوى العُماني أو على مستوى المنطقة بشكل عام، وقدر كل أبعادها حيث اعتقد أن مواجهة البرتغال لا يمكن أن تكون حاسمة إلا إذا استند إلى جبهة وطنية متراصة ومتماسكة، وهو أمر لا يمكن تحقيقه إلا إذا خاض حروباً ضارية في سبيل توحيد كل القبائل العربية.
وبما أن منطقة الرستاق هي التي شهدت بعثة إمامة ناصر بن مرشد فقد كان عليه أن يبدأ بها، ولهذا مضى ومعه جمع من أنصاره نحو قلعة الرستاق وكان المالك للرستاق ابن عمه مالك بن أبي العرب اليعربي، وبعد حصار لم يدم طويلاً فتحها الإمام.
ونظراً لثقل المهمة التي كان يقوم بها الإمام ناصر بن مرشد واستعداداً لحروب قد تطول أكثر مما كان يتوقع، لذا فقد كان يقيم في المناطق التي كان يدخلها حصناً أو قلعة بعد أن يترك أحدا من أتباعه لكي يواصل مهمته في ترسيخ مبادئه ومواصلة دعوته التي أخذت تنساب في كل أرجاء عُمان، وقد حققت هذه السياسة تعاظم نفوذ الإمام إضافة إلى عدالته التي كانت مضرب المثل مما دفع المترددين إلى القدوم إليه طالبين بسط سلطته العادلة.
ومما يؤكد صعوبة المهمة التي مضى الإمام في سبيل تحقيقها كثرة الممالك التي أقيمت على مقومات قبلية بحيث يصعب التمييز فيها بين القبيلة والحكومة، وذلك أن الحكم كان بيد شيخ القبيلة الذي كان يطلق عليه تجاوزا ملكاً أو أميراً، أما فكرة الدولة القومية الواحدة والإدارة المركزية فهي من المفاهيم التي لم تتعود عليها القبائل في تلك الفترة.
لعل الإمام ناصر كان يعول أهمية كبيرة على نزوى ولذا فبمجرد أن فتحها فضل أن يتريث لبعض الوقت ويبدو انه كان يتوقع توافد القبائل عليه تجنباً لإراقة الدماء وقد تحقق ما توقعه الإمام.
ومن الظواهر اللافتة للنظر في سياسة الإمام انه كلما حقق قدراً لا باس به من الوحدة راح يتريث ترقباً لرد فعل قد يحول دون الحرب، ولعلها فرصة لإعادة ترتيب جنده ومحاولته العودة لتفقد المناطق التي دخلت في حوزته، وهي سياسة حكيمة تتعدد فوائدها على كل المستويات.
وهكذا استطاع الإمام ناصر بن مرشد خلال سنوات حكمه والتي امتدت حتى(1059هـ/1649م)، أن يحقق لعُمان تماسكها. وكانت محاولاته نحو الوحدة باعثة على تحقيق الأمل الكبير الذي افتقرت إليه البلاد منذ زمن طويل، وينفرد الإمام ناصر بن مرشد بين أئمة اليعاربة بتصديه لهذا الكم الهائل من المشكلات حيث حارب في جبهتين (الساحل والداخل) وعند وفاته في (ربيع الثاني 1059هـ /23 ابريل 1649م) كانت القبائل العُمانية تحت لواء واحد، وعموماً فان فترة الإمام ناصر بن مرشد تعتبر من أغنى وأخصب الفترات في تاريخ اليعاربة، ويعد دوره في سبيل الوحدة الوطنية أساساً لكل الانتصارات اللاحقة ضد البرتغاليين.
وإذا كانت عُمان منذ (1034هـ/1624م) وحتى وفاة الإمام ناصر بن مرشد (1059هـ/ 1649م) قد واجهت حروباً أهلية طاحنة إلا أنها استطاعت أن تخرج منها أكثر تماسكا وقوة وبدأت مرحلة جديدة من الوحدة في ظل حكومة مركزية وانتهى العهد الذي كانت فيه مقسمة إلى دويلات صغيرة تحت رئاسة ملوك ضعاف ارتضوا أن يحكموا دويلات هزيلة، بدلا من أن تقوى بلادهم وتتحد.
وإذا كان الإمام ناصر بن مرشد قد أنجز تحقيق الوحدة الوطنية، إلا أن الوجود البرتغالي على السواحل العُمانية كان في حاجة إلى إمكانيات جديدة تفوق الإمكانيات التقليدية التي استخدمها اليعاربة في سبيل القضاء على الحروب الأهلية والانصياع لسلطة الدولة الموحدة، لقد وقعت كل المعارك التي خاضها الإمام ناصر بن مرشد من أجل الوحدة على اليابسة، أما البرتغاليون فقد كانوا أهل بحار، وطريقتهم في الحرب اعتمدت على السفن التي شهدت طفرة كبيرة منذ الكشوف الجغرافية، ولذا فان سياستهم الاستعمارية اعتمدت على احتلالهم لكثير من المدن والقلاع والحصون التي تقع في طريق البحار والمحيطات دون اللجوء إلى التعمق في اليابسة والذي لا يتناسب وإمكاناتهم البشرية.
أدرك اليعاربة مقدرة عدوهم القادم من أقصى الطرف الأوربي كدولة بحرية خاضت معارك طاحنة في سبيل الحفاظ على مكانتها، ولذا فقد كانت العناية بالأسطول وتنمية الموارد الاقتصادية من الركائز الأساسية التي اعتمد عليها اليعاربة، ولذلك فقد طوروا أسطولهم التجاري والعسكري مستفيدين من خبرة الدول الأكثر تقدماً في هذا المجال وخصوصاً شركة الهند الشرقية البريطانية، حيث أقاموا معها علاقات طيبة مستفيدين من تنافسها مع السياسة البرتغالية في تلك الفترة قبل أن تنشأ سياسة الوفاق الجديدة.
وبمجرد أن انشأ الإمام ناصر بن مرشد اسطوله وانتهى من القضاء على جميع القوى المحلية المناوئة ألقى بكل ثقله في محاربة البرتغاليين حيث انتزع منهم صور وقريات، على يد ابن عمه سلطان ابن سيف اليعربي.
ويبدو أن انتزاع صور وقريات لم تكن مهمة سهلة، فقد كان التباين واضحاً بين حجم وكفاءة القوتين المتنافستين، إضافة إلى أن الوحدة الوطنية لم تكن قد تحققت بما يتناسب وأعباء المواجهة التي كانت تقضي بقدر كبير من الانسجام والتفاهم خصوصاً وان البرتغاليين كانوا قد استردوا أنفاسهم منذ أن طردوا من هرمز 1622م بسبب انشغال القبائل بالحروب الأهلية وقبل كل ذلك قد استجدت على مسرح الأحداث سياسة وفاق جديدة بين البرتغال وشركة الهند الشرقية بدءاً من عام (1044هـ/1634م)، تحولت إلى صداقة متينة وتعاون بين الطرفين وخصوصاً بعد أن استرد البرتغاليون استقلالهم من أسبانيا عام (1XXXهـ/1640م).
ومنذ عام (1XXXهـ/1640م ) بدأ ناصر بن مرشد يجني ثمار الوحدة الوطنية فبمجرد أن علمت القبائل بحصار صحار أخذت تستنفر همم شبابها الذين شاركوا في بناء القلعة، وخصوصاً من مناطق لوى وبات وكافة المناطق المتاخمة لصحار، وبينما ضرب العُمانيون حصاراً منيعاً حول صحار، كانت سرية أخرى قد وصلت إلى مسقط بأمر الإمام، وعلى الرغم من أن تلك السرية لم تحقق نتائج حاسمة، إلا أنها أربكت القوات البرتغالية، سواء في صحار أو مسقط مما مهد لسلسلة من الهجمات العُمانية الخطيرة ضد كافة المعاقل البرتغالية.
ففي عام(1053هـ/1643م) استولى الإمام ناصر بن مرشد على مدينة صحار وبنى بها حصناً مقابلاً للحصن الذي يسيطر عليه البرتغاليون، كما نجح العُمانيون في الحصول على عدد من السفن المتقدمة، وكذا الذخيرة والبارود من الإنجليز مما ضاعف من حجم العمليات العسكرية ضد القواعد البرتغالية، وعموماً فلم يصل حجم المساعدات البريطانية لعُمان بما يتناسب وامكانات البرتغال مثل ما حدث في اتفاقية ميناب عام( 1032هـ/1622م)، حيث حاربت بريطانيا بجانب الفرس لتحرير هرمز أما اليعاربة فقد حاربوا في ظروف مختلفة حيث لم يستعينوا بقوة أجنبية إضافة إلى أن البرتغال أثناء طردها من هرمز كانت في ظل التبعية الأسبانية في حين أن العُمانيين قد تضاعف جهودهم بشكل ملحوظ بعد أن استردت البرتغال استقلالها.
وعند وفاة ناصر بن مرشد لم يبق تحت السيطرة البرتغالية إلا مسقط ومطرح وحصن لهم في صحار، وقد حاول الإمام ناصر أن يسترد هاتين المدينتين وبعث بمسعود بن رمضان على رأس جيش بهدف تحريرهما، وتمكن مسعود بن رمضان من الوصول إلى مطرح وضرب عليها حصاراً في وقت تفشى فيه مرض الطاعون وأصيب البرتغاليون بهلع شديد.
ولم يؤد هذا الحصار إلى تحرير مسقط ومطرح وإنما نجم عنه إبرام هدنة جاءت معظم بنودها في صالح العُمانيين.
وقد تضاعفت طموحات العُمانيين وأدركوا أنهم قاب قوسين أو أدنى من تحرير بلادهم من احتلال دام أكثر من مائة وأربعين عاماً، وبوفاة الإمام ناصر بن مرشد كان العُمانيون قد وضعوا أقدامهم عند نهاية الطريق بعد رحلة طويلة من الجهاد والتضحيات وامتد جهادهم إلى جلفار (رأس الخيمة) التي كان البرتغاليون يحتلون إحدى قلاعها بينما الفرس بقيادة ناصر الدين الفارسي يحتلون القلعة الثانية.
بويع الإمام سلطان بن سيف (1059هـ -1649م) بعد وفاة الإمام ناصر بن مرشد ومن البداية أخذ الإمام الجديد يعد العدة للقضاء على البرتغاليين وأدرك أهمية الوقت كعامل هام في الإجهاز عليهم وخصوصاً بعد أن نما إلى علمه إن عدد جنودهم قد نقص نقصاً كبيراً بسبب حملات برتغالية كانت قد أرسلت إلى الهند اعتقاداً بأن موت الإمام ناصر بن مرشد يعد سبباً كافياً لإرجاء أي نوايا عدوانية نحو مسقط ومطرح، إلا أن سلطان بن سيف لم يمكث إلا أياماً قليلة وأسرع متخذاً من طوى الرولة قاعدة للهجوم الشامل عليهم، بينما تحصن البرتغاليون بقلاع وأسوار عالية، حيث رابط جنودهم بعد أن ثبتوا مدافعهم الثقيلة في كل اتجاه، وزيادة في الحيطة فقد حفروا خندقاً عميقاً حول الأسوار، كما بنوا على رؤوس الجبال المحيطة بمسقط ومطرح مجموعة أبراج ثبتوا في داخلها جنوداً أشداء أخذوا يمطرون القوات العُمانية بوابل من نيران مدافعهم.
وكانت الحرب سجالاً بين الفريقين، فلم تكن للبرتغاليين قدرة على مواجهة العُمانيين ولم يكن للعُمانيين قدرة دخول مسقط ومطرح، وأعتمد الجيشان على القنص كلما أتيحت الفرصة لذلك. وهكذا طالت الحرب حتى كاد سلطان بن سيف أن يتراجع عن حصاره، وخصوصاً بعد أن نما الى علمه أن بعض القبائل بدأت تفكر في التراجع عن مساندته.
ولكن حدث شيء لم يكن في الحسبان، إذ أن الإمام سلطان بن سيف قد تلقى معلومات على غاية من الأهمية من العرب القاطنين حول مسقط، مكنته من دخول المدينة ولا يستبعد أن تكون هذه المعلومات كانت تعبر عن حقيقة الأوضاع داخل المدينة خصوصاً عند (نهاية ذي الحجة 1059هـ/ ديسمبر1649م) وهو موعد رأس السنة الميلادية، حيث لم تكن هناك ثمة مراقبة دقيقة مما سهل على العرب مهمة التسلل إلى داخل مسقط، وأطلعوا على أحوال البرتغاليين ونقلوا إلى الإمام ما رأوه، ولم تلبث قوات الإمام أن حاصرت البرتغاليين في قلعة الجلالي، وبعد أن نفذت مؤونتهم اضطروا إلى التسليم وتركوا القلعة، وهذا ما حدث في مطرح أيضاً ولم يبق للبرتغاليين غير سفينتين كانت تحاصران مسقط إلا أن العُمانيين تمكنوا من أسرهما، وعندما وصلت هذه الأخبار إلى السلطات البرتغالية في الهند أسرعت بإرسال أسطول برتغالي كبير ولكنه وصل متأخراً، فقد كانت القلاع وكل الحصون البرتغالية قد تهاوت وسقطت في يد العُمانيين، وأصيب البرتغاليون بخسائر جسيمة، حيث قتل معظم جنودهم، وكل المحاولات التي قاموا بها في الهند لإمداد مسقط باءت بالفشل وبنهاية (1063هـ/1652م) لم يبق البرتغاليون في الخليج، إلا وكالتهم في كنج على الساحل الشرقي من الخليج.
ومع ذلك فلم يفقد البرتغاليين الأمل في استعادة ساحل عُمان، حيث راحوا يدعمون مركزهم في كنج بل واخذوا يتفاوضون مع الفرس على السماح لهم بإنشاء وكالة تجارية في جزيرة هانجام، إلا أن الشروط الفارسية كان مبالغاً فيها، ولذا فقد رفض البرتغاليون العرض الفارسي، ويؤكد لوريمر أن سبب رفض البرتغاليين للعرض الفارسي هو تطلعهم إلى الساحل العربي، حيث كانت تبذل محاولات في هذا الصدد.
لم يكتف العُمانيون بطرد البرتغاليين من سواحل عُمان بل شنوا عليهم حرباً تمثلت في سلسلة من الغارات ضدهم في المحيط الهندي براً وبحراً، وتعرضت المواقع البرتغالية في الهند إلى تلك الهجمات:- بومباي في(1072هـ/1661م) وديو في(رجب1079هـ/نوفمبر1668م) وفي شوال( 1086هـ/الموافق يناير1676م)، وكــذلك في (سنــة1081هـ/المـوافق1670م)، وبــاسين Bassein فــي (1085هـ/الموافق1674م) وامتدت المعارك لتشمل غرب المحيط الهندي حيث خاض الطرفان صراعاً طويلاً للسيطرة على شرقي أفريقيا، فقد اتصل سكان زنجبار الذين ربطتهم عوامل دينية وقومية مع العُمانيين بالإمام سلطان بن سيف من اجل تحريرهم من الاستعباد البرتغالي وبالرغم من الانتصارات التي حققها الإمام سلطان بن سيف في مياه زنجبار، الا أن الجلاء البرتغالي لم يتم إلا في عهد الإمام سيف بن سلطان الذي وضع حجر الأساس لبحرية عُمان الشهيرة التي سيطرت على جميع الساحل الإفريقي الشرقي من (ممباسة) إلى (كلوه) إذ سيطر العُمانيون على ممباسة (1110هـ/1698م) وسيطروا على بيما وزنجبار وبته Patta وكلوه، وكانت (موزمبيق) هي الوحيدة التي قاومت الأسطول العربي العُماني وبقيت بأيدي البرتغاليين إلى القرن العشرين، وقد حاول البرتغاليين استعادة مراكزهم البحرية الضائعة وقاموا بهجوم موحد على زنجبار ومسقط في آن واحد عام (1142هـ/1729م) ولكنهم أصيبوا بهزيمة منكرة، وبذلك انهارت آمال البرتغال في استعادة سيادتها على الخليج والمحيط الهندي، وامتد نفوذ عُمان من جنوب الجزيرة العربية وسواحل شرقي أفريقيا في الغرب إلى سواحل وادي السند في الشرق.
وفي هذه الفترة أصبحت مسقط تتمتع بـ(مركز التوزيع التجاري الرئيسي) لمنطقة الخليج، فأصبحت واحدة من المواني الرئيسية في المحيط الهندي وسواحل الخليج وإيران والعراق والجزيرة العربية، وفي حدوده الغربية امتد هذا النفوذ إلى البحيرات الأفريقية المركزية، وفي الشرق لامس دلتا الكنج.
وهكذا ظهرت قوة عُمان بعد القضاء على الهيمنة البرتغالية بشكل بات يخشاه الجميع، فقد أصبحت السفن العُمانية هي التي تبحث عن سفن الأعداء في مياه الخليج والمحيط الهندي، واضطرت السفن الهولندية والإنجليزية إلى تعزيز دفاعاتها تخوفاً من عرب عُمان، وقد عبر المقيم البريطاني في بندر عباس عن مخاوفه من تنامي قوة عُمان بقوله سنة (1106هـ/1694م): "إنهم سيثبتون أنهم كارثة كبرى في الهند كالجزائريين في أوروبا".
وقد أشارت السلطات الصفوية أيضاً إلى تفوق العُمانيين في هذه الفترة من خلال مذكرة رفعتها إلى الحكومة الفرنسية جاء فيها: (أن تمتعهم بموقع جغرافي مهم يتيح لهم الفرصة للسيطرة على الخليج وهذا يفسر قوة العُمانيين الذين تمكنوا بما يناهز الثلاثين قارباً من الاستيلاء على الغنائم).
ذلك أن الانتصارات التي حققها اليعاربة أثارت فارس التي كانت تتطلع إلى وراثة النفوذ البرتغالي، ولذا فقد تعددت المواجهات العُمانية الفارسية والتي جاءت في صالح اليعاربة، بدرجة أن التجارة الفارسية أصيبت بضرر بالغ مما دفع بالفرس إلى الاستعانة بالقوى الأوروبية بهدف القضاء على منافسة عُمان لها في هذا الميدان واتصلوا بالإنجليز لتحقيق هذا الهدف.
وإذا كان الإنجليز لم يتحمسوا للعرض الفارسي خوفاً على مصالحهم الاقتصادية من الأسطول العُماني، فقد توجهت فارس إلى فرنسا على عهد لويس الرابع عشر وتمخضت الاتصالات عن توقيع معاهدة بينهما في عام (1119هـ/1707م) وكان من بين النصوص السرية التي احتوتها تلك المعاهدة أن يقوم الفرنسيون بإرسال أسطول لمساعدة فارس في غزو مسقط، إلا أن فرنسا ترددت قبل الإقدام على تلك الخطوة بنفس السبب الذي منع الإنجليز من تضامنهم مع فارس، على الرغم من الدبلوماسية النشطة التي مارسها الفرس في محاولة للضغط على لويس الرابع عشر.. وعموما فلم تسفر الاتصالات عن قيام تحالف فارسي فرنسي على الرغم من إبرام اتفاقية جديدة في عام (1127هـ/1715م)، ولعل ما حال دون أقدام فرنسا على تنفيذ بنود المعاهدة الجديدة تلك الفوضى التي اجتاحت فارس وما ترتب عليها من غزو أفغاني لها في عام (1135هـ/1722م)، كانت البرتغال قد أدركت في تلك الفترة أن زمن الضعف العربي قد ذهب وان مواجهة اليعاربة في كل مراحل الصراع قد باءت بالفشل وان استمرار الوضع يعني ضياع كل الممتلكات البرتغالية على سواحل الهند وشرق أفريقيا ولذا فقد راحوا ينسقون مع الفرس في محاولة لقيام تحالف عسكري يكون قادرا على ضرب اليعاربة.
وقد أدرك سلطان بن سيف خطورة هذا التحالف الجديد، ولذا فقد عجل بضرب البرتغاليين وتصفية نفوذهم، وقسم أسطوله إلى قسمين أحدهما توجه إلى شرق أفريقيا حيث نجح في انتزاع ممباسا (1110هـ/1698م) تمهيداً لانتزاع الجزيرة الخضراء وكلوه. أما القسم الآخر من الأسطول فقد توجه إلى الهند، حيث نجح في تدمير الوكالة البرتغالية في مانجالور على الساحل الهندي.
وهكذا استطاع اليعاربة كسر شوكة البرتغاليين وإنهاء سيادتهم الاحتكارية والقضاء على مراكزهم الاستراتيجية سواء على الشاطئ الأفريقي أو على سواحل الهند، ويقرر المؤرخ الإنجليزي كوبلاندCoupland إن البحرية العُمانية مع مطلع القرن السابع عشر وصلت إلى درجة من القوة يحسب حسابها من مثل الأساطيل الإنجليزية والهولندية . وبكل المقاييس فقد نجح العُمانيون وحتى نهاية عهد سلطان بن سيف الثاني عام (1130هـ/1718م) في إيجاد قدر كبير من التوازن الدولي انعكست نتائجه على كل المستويات، وترك انطباعاً هائلاً لدي الأوربيين عن هيبة الدولة، حيث عملت العديد من القوى الأوربية على كسب ودها، ولعل الازدهار الاقتصادي الذي وصلت إليه دولة اليعاربة ومكانة أسطولها البحري كان نتاجاً طبيعياً لقوة الدولة وحجم ثقلها البحري في كافة البحار الشرقية، في ظل جو مناسب من الألفة لدى عناصر السكان في عُمان، وبات الناس في أمن على حياتهم وارزاقهم.
وإذا كان اليعاربة قد نجحوا كل النجاح في تحقيق هذا الازدهار الذي يترتب على انهيار النفوذ البرتغالي وكسر احتكاره لتجارة المنطقة، فأن من المفيد في هذا المجال أن نعرض للأسباب التي أدت إلى انهيار هذا النفوذ ومكن اليعاربة من هذا النجاح، والحقيقة فإن الأسباب التي عجلت بانهيار النفوذ البرتغالي في عُمان والخليج عديدة منها:-
أولاً:
طبيعة الاستعمار البرتغالي للمنطقة التي كانت ترتكز على سلسلة من القواعد العسكرية الواقعة على الطريق البحري بين الهند والبرتغال، فلم يتوغل البرتغاليون في عمق البلاد التي استعمروها، وما كانوا يستطيعون ذلك لقلة عدد سكان البرتغال, ولاتساع إمبراطوريتهم وكان الإبقاء على تلك القواعد في أيديهم مرهون بقوة البحرية البرتغالية فلما ضعفت ضاع كل شيء.
ثانياً:
كانت حركة المد البرتغالي تمثل الموجة الاستعمارية الاولى المتعطشة للغزو ونهب ثروات الشعوب وكان الميدان خالياً أمامها، فلما دخلته قوى أوروبية أخرى أكثر منها قوة مثل هولندا وبريطانيا وفرنسا، ولا تقل عنها تطلعاً في أن يكون لها نصيب في الغنيمة يتفق مع ثقلها السياسي والعسكري، لم تقو البرتغال على الصمود أمام هذه القوى الطامعة.
ثالثا:
حسن اختيار العُمانيين للظروف الدولية المناسبة لتوجيه ضرباتهم القاضية ضد الوجود البرتغالي في عُمان فالتنافس الذي ساد العلاقات بين البرتغاليين من جهة والفرس والهولنديين والإنجليز من جهة أخرى، ورغبة الفريق الثالث في القضاء على النفوذ البرتغالي وإبعادهم عن الخليج ساعد العُمانيين إلى الحد الكبير.
رابعا:
اتبع البرتغاليون سياسة الشدة والبطش في معاملاتهم للشعوب التي حكموها وقيامهم باستنزاف ثرواتها ومواردها مما زاد في كراهية الشعوب لهم وجعلها تتحين الفرص المناسبة للخلاص من نيرهم.
خامسا:
ازدياد قوة العُمانيين وثقتهم بأنفسهم وتفوقهم في الملاحة البحرية إذ أدرك العُمانيون حقيقة الصراع بينهم وبين البرتغاليين انه صراع بحري أولاً وقبل كل شيء.. ولذا فقد اعدوا أسطولاً بحرياً مدرباً ومنظماً أمكنهم أن يتغلبوا على أهم نقاط القوة لدي البرتغاليين وكان من أهم العوامل التي أدت إلى القضاء على النفوذ البرتغالي في عُمان والمحيط الهندي.
سادساً:
الوحدة الوطنية باعتبارها الدرس الأول الذي التزم به ناصر بن مرشد وبغير الوحدة لن تتحقق المصالح العليا للبلاد، وفي سبيل الالتزام بهذا المبدأ خاض الإمام حروباً ضارية ضد أنصار التجزئة كما سبق القول.
سابعاً:
عناية اليعاربة باستثمار كل مقومات النجاح، وكانت الزراعة في مقدمة اهتماماتهم حيث شقت الأفلاج وتم جلب كثير من المحاصيل الزراعية من شرق أفريقيا ونجاح تجربة زراعتها بشكل ملحوظ مما أوجد رواجاً اقتصادياً.
ثامناً:
عناية اليعاربة بتوفير كل مقومات النجاح لحركة التجارة بعد أن تم القضاء على سياسة الاحتكار التي ابتدعها البرتغاليون وباتت التجارة العُمانية جزءً من حركة التجارة الدولية وهو ما عاد على عُمان بفوائد اقتصادية مهمة.
أسباب كثيرة كما نرى أدت وساعدت على القضاء على النفوذ البرتغالي سواء في عُمان أو في الساحل الشرقي لأفريقيا، بل وفي المحيط الهندي كله وكما رأينا فقد كان للعُمانيين في عهد اليعاربة الدور الهام في القضاء على الوجود البرتغالي الذي استمر قرابة قرن ونصف من الزمان.
وكما كان هنالك أسباب أدت إلى القضاء على النفوذ البرتغالي، فهنالك أيضاً نتائج على درجه كبيرة من الأهمية ترتبت على ذلك وعلى خروجهم من عُمان بالذات وأثرت تأثيراً عميقاً على المنطقة كلها، ويمكن إجمال هذه النتائج فيما يلي:-
أولاً:
إن نجاح العُمانيين في إجلاء البرتغاليين من أرضهم قد رفع روحهم المعنوية وأشعرهم بقوتهم وبمدى ما يمكن أن يقوموا به وهيأت لهم هذه الفرصة أن يلعبوا دوراً بارزاً في النشاط البحري في المنطقة ولا سيما منذ منتصف القرن السابع عشر وحتى النصف الثاني من القرن التاسع عشر.
ثانياً:
افلح العُمانيون في القضاء على سياسة الاحتكار التي انتهجها البرتغاليون وحققوا مبدأ حرية التجارة لجميع الأجناس، فعاد الانتعاش الاقتصادي إليهم وساعدهم هذا على أن يصبحوا قوة مؤثرة في منطقتهم بل وفي شرق أفريقيا كذلك.
ثالثاً:
تطلع الفرس في أن يحلوا محل البرتغاليين وان تكون لهم الزعامة الإقليمية عن طريق إقامة نسيج متداخل من تضارب المصالح مع الفرس والبريطانيين تارةً وتوافقها تارةً أخرى.
وهكذا نرى أن هنالك نتائج عديدة وهامة نتجت عن طرد البرتغاليين من الخليج، وكانت الوحدة الوطنية التي حققها اليعاربة الأوائل هي محور الزوايا في هذا النجاح العظيم، وأيضاً تحقيق كثير من الإنجازات الداخلية التي تمت في عهد اليعاربة الأوائل، وفي عهد من خلفهم من الأئمة وأولهم بلعرب بن سلطان بن سيف الذي بويع بالإمامة بالإجماع (يوم الجمعة 16 من ذي القعدة 1091هـ / منتصف ديسمبر1680م) وقد سار سيرة حسنة، وكان جواداً كريماً وعمر بلدة جبرين وعمق فلجها واستصلح أراضيها. وقام ببناء حصن جبرين الشهير واعتنى به اعتناءاً كبيراً من حيث هندسة بنائه وزخرفته وتحصيناته وتقسيماته واتخذه مقاما له ومركزا لدولته، كما انشأ فيه مدرسة ارتادها الطلاب لتحصيل العلم والمعرفة.
وهكذا كانت السنوات الاولى من فترة حكم الإمام بلعرب استمراراً لفترة الازدهار والاستقرار والرخاء التي أنعمت بها عُمان في عهد دولة أبيه الإمام سلطان بن سيف، ولذلك حافظ الإمام بلعرب على الدولة التي وليها بعد أبيه، واستمر في سياسة الإعمار والبناء، ألا انه في السنوات الأخيرة من فترة حكمه خرج عليه أخوه سيف بن سلطان مطالباً إياه باعتزال الحكم، ومن ثم بدأت عوامل الهرم تسري في هذه الدولة منذ تلك الفترة، وبدأت تسير في غير المسار الذي كانت عليه بالنسبة لعملية اختيار القادة وتوليتهم في عهد اليعاربة، وابتلي أهل عُمان بخروج سيف على أخيه الإمام المنتخب، الذي خرج من نزوى متجهاً ناحية الشمال، ثم عاد إلى نزوى ولكن أهلها في تلك الفترة كانوا قد انحازوا إلى جانب أخيه سيف بن سلطان وأحالوا بينه وبين دخول المدينة، وتوجه إلى جبرين حيث حاصره أخوه سيف في هذا الحصن ولما طال أمد الحصار ورأى أكابر عُمان عجز الإمام عن التصدي لأخيه استسلموا للأمر الواقع فعقدوا الإمامة لأخيه سيف بن سلطان بن سيف بن مالك، وقد بويع بالإمامة بعد وفاة أخيه الإمام بلعرب وقد واصل الإمام سيرة سابقيه كما تابع سياسة مقاومة البرتغاليين بشرق أفريقيا والهند.
لقد عمل الإمام سيف على إعمار عُمان حيث قام بحفر أفلاج جديدة تزيد على خمسة عشر فلجاً كفلج البركة وفلج البزيلي في الظاهرة وفلج الحزم وأفلاج جعلان بني بو حسن، على أن بعض هذه الافلاج كانت صغيرة وغير عميقة فعمل على تعميقها وتوسع في زراعة المحاصيل كالقمح والشعير والحلبة والخضروات، كما أهتم بزراعة قصب السكر وكان يشرف بنفسه على عملية الزراعة وسيرها، كما غرس عددا كبيرا من أشجار النخيل والفواكه كالانبا ( المانجو ) وبعض أشجار العطور والزهور كالورس والزعفران واستقدم من أفريقيا النحل ونتيجة لهذه السياسة اتسعت الأراضي الزراعية المملوكة لبيت المال وزادت إيرادات الدولة زيادة كبيرة وتوفي الإمام سيف بن سلطان في (شهر رمضان سنه 1123هـ/1711م) بعد أن وصلت عُمان في عهده درجة كبيرة من الاستقرار والامتداد إلى مناطق خارج شبة الجزيرة العربية حيث كان يمتلك قوة عسكرية ضاهت القوى الأوربية المعاصرة لها.
ومن أهم الأعمال التي قام بها الإمام سلطان بن سيف الثاني تحرير البحرين من الفرس الذين كانوا قد إحتلوها، وقد مهد الإمام لتحقيق هذا الإنجاز بتقوية قبضته على بعض الجزر التي تقع في مدخل الخليج مثل جزيرة لاركا والقسم وهرمز، وكذلك على بعض المدن الفارسية الهامة مثل لنجه وبندر عباس ثم جهز جيشاً بقيادة الشيخ حمير بن سيف بن ماجد وزحف هذا الجيش على البحرين ودارت معركة كبيرة بين الفريقين كان النصر فيها للجيش العُماني مما أدى إلى خروج الفرس من البحرين وتقلص نفوذهم في الخليج، ومن أشهر الأعمال التي قام بها الإمام لتدعيم نفوذه في البحرين بناء قلعتها المشهورة والتي تسمى قلعة عراد، وقبل وفاته كان التواجد العُماني قد امتد إلى الخليج كله والساحل الهندي وشرق أفريقيا كما كانت بعض بلاد العرب على البحر الأحمر تحت نفوذه.
وقد انتهت حياته بالوفاة في حصن الحزم يوم الأربعاء الخامس من جمادى الآخرة سنه(1131هـ/مايو 1718م) وبذلك دامت إمامته سبع سنوات وبضعة شهور. وبوفاته بدأ تصدع الوحدة الوطنية ونهاية دولة اليعاربة، تخللها عودة الفرس إلى عُمان بناءاً على طلب سيف بن سلطان اليعربي الذي استنجد بالفرس ليعود إمام عام (1145هـ-1732م)، وبهذا تكون بداية النهاية لعهد اليعاربة.
ويعتبر نادر شاه أول من أسس من الحكام الفرس قوة بحرية في مياه الخليج واسند قيادتها إلى لطيف خان وكان هذا القائد يتطلع في توسعاته إلى الساحل العربي من الخليج، واتخذ من طلب سيف بن سلطان باباً ينفذ منه إلى احتلال عُمان وإخضاعها إلى الحكومة الفارسية، وقد رحب نادر شاه بهذه الفكرة وأمر بتشكيل قوة بحرية وبرية للتوجه إلى عُمان وبذل كل ما في وسعه لإنجاح هذه المهمة حيث أشرف بنفسه على إعدادها وتجهيزها، كما أمر بتشكيل هيئة لدراسة المنطقة تكون عوناً للقوات الفارسية ولتمدها بالمعلومات اللازمة، وكان نادر شاه يهدف من ذلك إلى ضم عُمان والبحرين إلى فارس إضافة إلى طموحاته في السيطرة التامة على مياه الخليج.
وفي (منتصف ربيع الأول 1150هـ/14مارس 1737م) أبحرت القوات الفارسية المؤلفة من أربع سفن كبيرة وسفينتين متوسطتين وعدد كبير من السفن والزوارق الصغيرة بقيادة لطيف خان، واكتشف سيف فيما بعد أن هذه القوات لم تأت لمساعدته وإنما جاءت لإخضاع عُمان للسيطرة الفارسية، وفي هذه الأثناء قام بعض رؤساء القبائل بالصلح بينه وبين بلعرب بن حمير على أن يتنازل بلعرب عن الإمامة لسيف حقنا للدماء وإنقاذاً لعُمان من الغزو الفارسي.
وصار سيف بن سلطان إماماً للمرة الثانية واختار الشيخ احمد بن سعيد البوسعيدي (مؤسس الدولة البوسعيدية) والياً على صحار، غير أن سيف لم يلبث أن أساء السيرة وأحدث أحداثاً مخالفة للشريعة الإسلامية، فعزله المسلمون ونصبوا سلطان بن مرشد اليعربي إماماً سنة (1154هـ/1741م) الأمر الذي أغاظ سيفاً فجعله يستنجد بالفرس للمرة الثانية، وقد بعث نادر شاه إمدادات أخرى لقواته بقيادة محمد تقي خان وقد وعد سيف بن سلطان الحكومة الفارسية بأنه سوف يقدم ولاء الطاعة ويعترف بالسيادة الفارسية على عُمان ويدفع الضرائب والإتاوات لها إذا تمكنت من إعادة حقوقه.
وعلى الرغم من التجارب السابقة لسيف بن سلطان مع القوات الفارسية التي جاءت إلى عُمان بزعم نصرته ولكنها ما جاءت إلا لتحقيق أهداف توسعية. وبهذا فانه فقد ثقة العُمانيين ومنهم بعض أعوانه المقربين.. أما الإمام سلطان بن مرشد فقد سار إلى صحار ليتعاون مع واليها أحمد بن سعيد البوسعيدي لمواجهة قوات نادر شاه.
وان دلت هذه الأحداث التي جرت في عُمان من الخلافات الأسرية والعصبية القبلية والتدخل الفارسي على شيء فإنما تدل على أن أسرة اليعاربة التي استطاعت أن تجعل عُمان تتمتع بالازدهار والنمو الاقتصادي طيلة قرن من الزمان، قد وصلت إلى نهايتها بسبب مغامرات القادة الأواخر وسوء تصرفاتهم.
هذا وقد توفي الإمام سلطان بن مرشد في حصن صحار حيث يوجد أحمد بن سعيد نتيجة إصابته في مواجهة مع الفرس، أما سيف بن سلطان المخلوع فقد توفي بعد ذلك بقليل بعد أن لام نفسه على فعلته الشنعاء وظهر له أن الفرس لم يأتوا لمساعدته وإنما للاستيلاء على عُمان وأصابه من ذلك هم وحزن ولكن بعد فوات الأوان، وكان على أحمد بن سعيد أن يظل في الساحة في مواجهة الفرس الذين كانوا محاصرين صحار ومسقط.
وقد استمر حصار القوات الفارسية لمدينة صحار تسعه أشهر واستطاع واليها احمد بن سعيد أن يقاوم الغزاة على الرغم من أن إمداداته قد أوشكت على النفاذ وظلت القوات الفارسية تقذف المدينة ليلاً ونهاراً بالمدافع الثقيلة، فاضطر أحمد بن سعيد إلى طلب الهدنة وعقدت إتفاقية بين الجانبين الفارسي والعُماني في جمادى الأولى (1155هـ/يوليو1742م) بعد أن فقد الأمل في وصول إمدادات من قبل القبائل العُمانية.
ولم تكن هذه الاتفاقية استسلاماً كما ذكرت بعض المصادر المحلية وغيرها، وإنما كانت انتصار للعُمانيين وكان الوالي أحمد بن سعيد يهدف من وراء هذه الاتفاقية إلى عدة أمور منها:-
(1) وقف إراقة دماء المسلمين بعد أن نفذت جميع المؤن والعتاد والذخائر الحربية الموجودة في الحصن.
(2) إعادة بناء قواته استعداداً لمواجهة الجولة الثانية بهدف التحرير لشامل.
(3) بعد وفاة الإمام سلطان بن مرشد شغر منصب الإمامة حيث وجد الوالي احمد بن سعيد أن أسرة اليعاربة لا يمكنها الاستمرار في إدارة الدولة فخشي أن يحتدم الصراع وتشتد الفتن في عُمان نتيجة لهذا الفراغ السياسي وخاصة إذا ما استمرت المعارك مع الفرس.
(4) إعادة توحيد الأقاليم والمدن العُمانية التي أصبحت منقسمة إلى شبه دويلات وإمارات صغيرة، حتى يمكنه مواجهة الفرس على رأس جبهة قوية موحدة.
وبذلك نجح احمد بن سعيد في توطيد مركزه وضمن تأييد القبائل العُمانية، هذا إلى جانب أن الحكومة الفارسية قد اعترفت رسمياً به كحاكم لعُمان حيث أصبح الطرف الرئيسي في هذه الاتفاقية.
وهكذا تزعم أحمد بن سعيد حركة التحرير ضد الفرس، كما أحس شيوخ عُمان أن الأوضاع قد ساءت وان عُمان بحاجة إلى إمام قوي يستطيع أن يوحد البلاد ولا سيما أن المذهب الأباضي لا يجيز وجود أكثر من إمام للدولة.
وقد حاول دعاة إحياء الدولة اليعربية إعادتها بعد وفاه سيف بن سلطان فاجتمع شيوخ وأعيان نزوى وعقدوا البيعة للسيد بلعرب بن حمير اليعربي في ربيع الآخر من عام (1157هـ/1744م)، وأعلنت مجموعة من المدن العُمانية ولائها للإمام الجديد مثل بهلاء ونزوى وأزكي، بينما تحفظ البعض عن الاعتراف به، ولم يمض وقت طويل على هذا الإمام حتى انصرف عنه العُمانيون.
وبذلك بدأ نجم أحمد بن سعيد يعلو في عُمان وكان محل تقدير جميع القبائل العُمانية والأعيان الذين كانوا يتطلعون إلى تحرير بلادهم من الغزاة وإعادة الأمن والاستقرار إلى ربوع عُمان.
وفيما يتعلق بالعلاقات الفارسية العُمانية فبعد وفاه سيف بن سلطان فقد الفرس نصيرهم وقلت همتهم وتعاظمت المشاكل والقلاقل الداخلية في فارس، حيث ان حكومة نادر شاه كانت مضطرة لسحب قسم من جنودها الرابطين في عُمان لمواجهة تلك المشاكل، وهذا سهل على أحمد بن سعيد تحقيق طموحاته.
ومما هو جدير بالذكر أن أحمد بن سعيد كان سياسياً فطناً، وعلى الرغم من أن الكثير من العُمانيين قد اندهشوا لما كان يقوم به من إكرام الفرس، ألا أنهم أدركوا في النهاية ما كان يدبر للفرس لتحرير بلاده منهم حيث تم له ذلك في عام (1157هـ/1744م)، مما أدى إلى عقد البيعة بالإمامة له في نفس العام، وفي ذلك يقول ابن زريق (إن أحمد بن سعيد لما آل إليه أمر عُمان كله، وعول أهلها عليه، أجتمع أكابر الرستاق وسائر أكابر عُمان، فاتفقوا على عقد الإمامة لأبي هلال الإمام المعظم، الفاضل الممجد، أحمد بن سعيد بن محمد السعيدي الأزدي العُماني الاستقامي الأباضي المذهب، وكان ذلك في عام (1157هـ/1744م).
وبهذا تمت البيعة للإمام أحمد بن سعيد بن محمد بن سعيد البوسعيدي وقامت الدولة البوسعيدية على أنقاض الدولة اليعربية التي أسسها ناصر بن مرشد اليعربي عام (1034هـ/1624م) وفي ظروف مشابهة لقيام الدولة البوسعيدية.
ان شاء الله اكون افدتك .. والسموحه !!
دولة الإمارات العربية المتحدة
وزارة التربية و التعليم
منطقة أبو ظبي التعليمية
مدرسة ………………………
عنوان البحث:
اليعــاربة والبوسعيدي
عمل الطالب: الصف: الثاني عشر الأدبي
إشراف الأستاذ:
_1_
الفهرس:
& قائمة المحتويات 0
& قيام دولة اليعاربة. 5
& امتداد الدولة اليعربية. 0
& تصفية الوجود البرتغالي 4
أ) دور الإمام ناصر بن مرشد. 1
ب) دور الإمام سلطان بن سيف. 1
& الحروب الأهلية القبلية. 9
& قيام دولة البوسعيد.
الدولة البوسعيدية وعلاقاتها الخارجية. 5
& انقسام عمان الداخل وعمان الساحل. 5
& الخاتمة
& قائمة المراجع 8
المقدمة:
الحمد لله وكفى والصلاة والسلام على النبي المصطفى المبعوث رحمة للعالمين وهداية للثقلين فأدى الأمانة وبلغ الرسالة ونصح الأمة وكشف الله به الغمة فأنار قلوبا بالإيمان وأحيا نفوسا بالإسلام والصلاة والسلام على أصحابه الكرام … أما بعد ..
فالحمد لله الذي وفقني لم يحبه تعالى ويرضى ، ولقد حاولت قدر المستطاع أن أجمع المصادر والمراجع التي تخدم هذا البحث المتواضع الذي يعتبر جزءاً لا ينفصل عن المنهج الدراسي والتعليمي، ومما دفعني للتحدث عن هذا الموضوع هو التعمق في تاريخ عمان من جانب دولة اليعاربة والبوسعيد ولكن الوقت محدود لذلك لم استطع إعطاء الموضوع حقه الذي يليق به وأسأل الله تعالى التوفيق والسداد .
ففي هذا البحث المتواضع تحدثنا عن قيام دولة اليعاربة ومن بعدها دولة البوسعيد وأحوال عمان في تلك الفترة ، حيث أن قيام دولة اليعاربة كانت بمثابة أول كيان سياسي مستقل قامت في الجزيرة العربية عملت على تقليص النفوذ البرتغالى في تلك المنطقة، وفعلا تم التخلص من النفوذ البرتغالي في الخليج ككل.
ومن بعد ذلك قامت دولة البوسعيد والذي قام مؤسسها أحمد بن سعيد بالتخلص من نفوذ الفرس من السواحل العمانية عقب الحروب الأهلية التي جاءت بعد انهيار دولة اليعاربة وقيام الحروب الأهلية وكانت المواضيع التي تحدثت عنها في هذا البحث المتواضع تتبلور في قيام دولة اليعاربة ثم امتداد الدولة اليعربية وتصفية الوجود البرتغالي ودور الإمام ناصر بن مرشد و دور الإمام سلطان بن سيف ثم تحدثت عن الحروب الأهلية القبلية وبعد ذلك انتقلت إلى قيام دولة البوسعيد ثم تطرقت إلى الدولة البوسعيدية وعلاقاتها الخارجية وختمت هذا البحث بانقسام عمان الداخل عن عمان الساحل.
هذا ما سوف نتحدث عنه ومهما بلغ الإنسان لابد من وجود نقصان فأسأل الله الذي لا اله إلا هو أن يسد الخلل والنقصان ..
قيام دولة اليعاربة:
خلال خمسة قرون تقريبا، منذ سقوط الإمامة الأولى في القرن الثالث للهجرة، وفي عهد الملوك النبهانيين، كان المجتمع العماني قد خرج من الإطار الذي رسمته له قيمه وثقافته وقوانينه ، وقد عرف هذا المجتمع حالة من التمزق والفوضى الكلية ومرحلة طويلة فاشلة على الصعيدين الوطني والمعنوي، ومن ذلك احتلال دولة هرمز للمدن الساحلية في منتصف القرن الثالث عشر، وتلا ذلك وصول البرتغاليين الذين احتلوا هذه المناطق، بما فيها هرمز عام 1508م .(1)
لتحقيق مصلحة الشعب والأرض، ومن اجل إعادة توحيد البلاد وتحريرها من الاحتلال الأجنبي، تم التوصل عام 1624م إلى اتفاق بين مدرستي نزوى والرستاق، أعقبه مبايعة الإمام ناصر بن مرشد اليعربي، وقد دخلت عمان في تلك الفترة حقبة استثنائية من تاريخها الحديث، وهي حقبة استعادة فيها الإمامة بناء ذاتها وتحققت خلالها وحدة البلاد الاجتماعية والسياسية والاقتصادية بعد توحيد البلاد واستقرارها (2).
وقيام دولة اليعاربة في عمان مثلت أولى الوحدات السياسية العربية في منطقة الخليج العربي عند مطلع العصر الحديث , إذ برزت ككيان سياسي مستقل نجح في توحيد أجزاء البلاد , كما نجح في إخراج المستعمر الأوروبي الدخيل و مما مهد السبيل أمام ( عمان ) لبسط سيطرتها على أجزاء مترامية في منطقة الخليج العربي وعلى امتداد الساحل الشرقي لأفريقيا بفضل القوة البحرية الكبيرة التي امتلكتها , وقد اتفق كبار العلماء ورجال الدين في عمان على الخلاص من الفتن والمحن التي استشرت في بلادهم , فاتفقوا كلهم على أن ينصبوا لهم إماما يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر , فوقعت خيرتهم على ناصر بن مرشد (3).
ونتيجة توجيه البرتغاليين نشاطهم إلى مسقط حيث شيدوا حاميات منيعة لكي تكون مركزا لنشاطهم في الخليج , توحد أهل عمان ونصبوا إماما لهم هو ( الإمام ناصر بن مرشد اليعربي ) ,وقام بجهود موفقة للقضاء على السيطرة البرتغالية , حيث خاض صراعا مريرا ضد البرتغاليين حتى أرغمهم على التخلي عن مواقعهم على الساحل العماني , بحيث لم يبق لهم منها عند وفاته في سنة 1649 سوى التحصينات المشرفة على مدينتي مسقط ومطرح , وكان الصراع العماني يصطبغ بالصبغة الدينية والجهاد الديني من جانب العمانيين .
امتداد الدولة اليعربية :
بحكم موقع دولة اليعاربة الجغرافي فرض عليها الاتجاه إلى البحر فقد كان يحدها الخليج العربي شمالا وبحر العرب جنوبا وخليج عمان شرقا، وصحراء الربع الخالي غربا فهي بذلك تطل على البحر من جهة والصحراء من جهة أخرى وكنتيجة لموارد البلاد المحدودة من ناحية، ووقوف صحراء الربع الخالي الرهيبة من ناحية ثانية و احاطة البحر من سائر الجوانب من ناحية ثالثة، فقد ارتبطت حياتها ارتباطا وثيقا بحياة البحر والتجارة، وكان لهذا البحر اثر في امتداد نفوذها حتى وصلت إلى سواحل شرق أفريقيا غربا وغرب الهند شرقا (4).
ويمكن القول بأن البحرية العمانية صارت سيدة المحيط الهندي خلال الفترة التي واكبت نهاية القرن السابع عشر وأوائل القرن الثامن عشر، والدليل على ذلك تحكمها بطرق التجارة في المحيط الهندي في ذلك الوقت.
وهناك ركائز اعتمدت عليها دولة اليعاربة وهذه الركائز هي :
* نجاح الدولة في تكوين قوة بحرية كبيرة استطاعت من خلالها مد نفوذها عبر البحار من ناحية , كما استطاعت أن تحولها إلى جسر يربط بين سائر مناطق الدولة , في الخليج وشرق أفريقيا والمحيط الهندي من ناحية أخرى (5).
* التحدي الذي ترتب على الوجود البرتغالي، ولما كانت دولة اليعاربة نجحت في تحدي هذا الوجود في الخليج والقضاء عليه، فان هذا النجاح أغراها بمزيد من العمل على تعقبه خارج الخليج تدفعها إلى ذلك روح قوية للتخلص من السيطرة المسيحية على أراض كان يحكمها العرب المسلمون قبل ذلك (6).
* عرب الخليج والعمانيين بالذات كانوا موجودين في تلك المناطق منذ وقت طويل حتى الإسلام، وان جذورهم لم تكن تقطعت بعد، مما كان باعثا لهم على العودة إليها (7).
وعلى ضوء كل تلك الحقائق التي أدت في النهاية بصورة مباشرة أو غير مباشرة إلى امتداد الدولة إلى شرق أفريقيا والمحيط الهندي.
تصفية الوجود البرتغالي:
تحت مضمون هذا العنوان نشير إلى أن العلاقات الإنجليزية – البرتغالية كانت , خلال كل هذه الفترة , علاقات تحالف . أما العلاقات الفارسية – البرتغالية فكانت تقوم على الاتفاق الحسن . وهكذا كان على العمانيين مواجهة المحتل البرتغالي ولا سند لهم إلا قواهم الذاتية بل إنه كان عليهم , في منطقة جلفا ر (رأس الخيمة حالياً) , محاربة القوات البرتغالية والفارسية معا .
وفي عام 1644 دخلت الإمامة حروبا متقطعة مع القوة البرتغالية , ولكنها لم تكن قادرة على اختراق السور المحيط بمسقط الذي كان البرتغاليون قد بنوه في الوقت الذي كانوا قد بنوا فيه قلعتي الميراني والجلالي .
لقد كان الصراع بين العمانيين والبرتغاليين , صراعا بين قوة وطنية صاعدة ومستعمرين مكروهين من كل الشرق .
دور الإمام ناصر بن مرشد في تصفية الوجود البرتغالي.
خلال الأعوام الثمانية الأولى من عهده , طبق الإمام ناصر بن مرشد , وبصورة شبه منظمة , سياسة ثابتة وحازمة وقوية حيال القبائل المتمردة , وقد أخضعها إخضاعا صارما , كما أخضع الممالك الصغيرة الشكلية القائمة في المقاطعات والمناطق .
هيأ الإمام جيشا عهد به إلى ( علي بن أحمد ) , مدعوما بأحد أقربائه من اليعاربة (8) وبعد يومين من المعارك , أحرزت قوات الإمامة نصرا واقتلعت البرتغاليين والفرس من منطقة جلفار في 1633 , وكان ذلك أول انتصار عسكري على القوات الأجنبية, وفي عام 1648, جردت القوات العمانية حملة بقيادة مسعود بن رمضان, وخميس بن سعيد لفرض الحصار على مسقط وتحريرها. وفي 16 آب ضرب حصار دام حتى 11 أيلول أرغم العمانيون البرتغاليين في نهايته على قبول الشروط التي حددها الإمام. وفي 31 تشرين وقع اتفاق من خمسة بنود, ينص واحد منها على إلغاء القانون المتعلق بالضريبة المفروضة على العمانيين من قبل البرتغاليين,كان هذا أول اتفاق فرضته قوة وطنية على مستعمرين كان نصرا سياسيا للعمانيين بقدر ما كان نصرا معنويا (9).
نجح الإمام ناصر بن مرشد في تخليص جلفار من الفرس والبرتغاليين , وأمر ببناء قلعة على الساحل بالقرب من ( صحار ) , كما هاجم صحار عام 1643 وانتزعها من أيدي البرتغاليين (10).
كانت إنجازات الإمام ناصر بن مرشد ملحمية وتاريخية , فقد حقق توحيد عمان ومحا آثار خمسة قرون من المرارة الوطنية وقد أعاد الإعتبار للكرامة العمانية واستعاد تقاليد الإمامة وأرجع تراثها , كما أعاد مكانتها إلى أذهان العمانيين , وبفضله استطاعت عمان دخول التاريخ الحديث موحدة ومزودة برسالة روحية وهوية وطنية وثقافية واضحة (11).
دور الإمام سلطان بن سيف اليعربي:
يوم وفاة الإمام ناصر بن مرشد , عقد العلماء مجلسا عاما لانتخاب إمام جديد طبقا للإجراءات التقليدية , ووقع الإجماع على شخص سلطان بن سيف قريب الإمام المتوفى وأحد قادته العسكريين , كان الإمام الجديد واعيا للمهمات الملقاة على عاتقه ولقدرات العمانيين على إنجازها وكان قادرا على رسم مستقبل الدولة العمانية .انتهز البرتغاليون مناسبة وفاة الإمام ناصر بن مرشد لينقضوا الاتفاق المعقود مع الإمامة ويخرقوا بنوده , وعلى الأخص فيما يتعلق بالضرائب , وقد أعلن سلطان بن سيف الحرب عليهم واشرف بنفسه على العمليات العسكرية حتى النصر , في أجل لم يتجاوز ستة أشهر . وفي أقل من سنة حقق الإمام سلطان بن سيف الانتصار وحرر عمان وأنهى بناء الدولة العمانية , وبفضل هذه المرحلة استعادت عمان موقعها كأقوى دولة بحرية في المحيط الهندي , باسطة سلطتها ونفوذها من الخليج إلى شرق أفريقيا , ولم يكتف الإمام بهذا النصر , بل أخذ أيضا في مطاردة البرتغاليين خارج الحدود العمانية (12).
الحروب الأهلية
على الرغم من النجاح الكبير الذي حققته دولة اليعاربة، وقفت عاجزة أمام المشاكل الداخلية التي واجهتها، ومن أبرز هذه المشاكل هي النزاع الأسري والصراع القبل التي أخذت تفت في عضد الدولة اليعربية منذ قيامها، والنزاع الأسري سرعان ما قام بعد وفاة الإمام سلطان بن سيف بين ولديه بلعرب وسيف، وانتهى النزاع بعد ما اجتمعت كلمة خاصة عمان على سيف وذلك بعدما حكم بلعرب ثلاثة عشر سنة، ثم بعد ذلك خلف سيف ولده الإمام سلطان بن سيف الثاني الذي حارب الفرس وقام بملاحقة البرتغاليين في الهند والخليج العربي.(13)
ترك سيف بن سلطان الثاني عدة أبناء أكبرهم سيف في الثانية عشر من عمره، وعلى الرغم من كونه قاصرا إلا أن مجموعة من القبائل المرتبطة باسرة اليعاربة اقترحت ترشيحه للإمامة خلفا لأبيه، وكانت هذه الطريقة من التصرف تعود إلى آلية وراثية لا علاقة لها بنظام الإمامة المذهبي والروحي.(14)
ولكن أهل الحل والعقد اعترضوا على هذا الترشيح، وحيال هذه الأزمة الدستورية والسياسية حيث لم يكن أمامهم إلا محاولة حسم الأمر، وتم اختيار مهنا بن سلطان قريب سيف ليكون إماما جديدا، وتم انتخابه في قلعة نزوى في سنة 1718م (15) غير ان عامة المواطنين لم يرضوا بذلك فلجأوا إلى يعرب بن بلعرب بن سلطان أحد المناوئين لمهنا لكي ينزع من الإمامة ونجح في ذلك عام 1720م.(16)
نصب بعد ذلك يعرب نفسه وصيا على سيف بن سلطان حتى يبلغ سن الرشد، وهذه سابقة فريدة في التاريخ العماني وهي مسألة مرفوضة عقائديا ودستوريا، إلا أن الوصي يعرب بن بلعرب الذي أغرته السلطة عدل عن الوصاية واستطاع أن يقنع بعض العلماء بتوليه الإمامة.(17)
ولكن سكان الرستاق لم يقبلوا إمامة يعرب وطالبوا بالإبقاء على سيف ومن أجل ذلك تقدموا إلى أحد اكثر الشخصيات القبلية نفوذا وهو بلعرب بن ناصر خال سيف، من اجل أن يتدخل لاستعادة الإمامة، قام بلعرب بن ناصر بدوره في إعداد العدة وتحالف مع قبيلة بني هناه ورفع الحجز الذي كان قد فرض عليهم من قبل الإمام ناصر بن مرشد، كما سمح لهم باللجوء إلى السلاح.(18)
وتبين من خلال المعارك التي قامت ان الإمام يعرب رجل كفء استطاع مجابهة القبائل الثائرة وفرض نفسه عليها.
تابعت قبيلة بني غافر إعادة انتخاب سيف بن سلطان وقادة إلى نزوى العاصمة وطلبت إعلان بيعته، إلا أن إمامة سيف لم تدم طويلا، وذلك انه عزل من جانب العلماء بسبب حياته الخاصة، وأنيطت الإمامة إلى يعرب بن بلعرب عام 1721م.(19)
قيام دولة البوسعيد
إن المؤسس الأول لدولة البوسعيد هو الإمام أحمد بن سعيد البوسعيدي , حيث تم اختياره إماما على عمان عام 1744م بعد أن كان واليا على صحار من قبل اليعاربة , وهو رجل قوي شديد الانضباط قام بتحرير البلاد من الغزو الأجنبي الفارسي ووحد العمانيين تحت راية واحدة نحو القوة والمجد .(20)
قام الإمام أحمد بن سعيد بإنشاء جيشا قويا واهتم بتدعيم الأسطول العماني وتطويره لذا فقد حقق انتصارات حاسمة استعاد فيها لعمان مركزها وقوتها. .
لقد نمت وتعاظمت مساهمة وقوة الدولة البوسعيدية منذ بدايتها في النصف الثاني من القرن الثامن عشر الميلادي واستمرت متطورة رغم العثرات . وكأي دولة واجهة الدولة البوسعيدية الكثير من التحديات الداخلية والهجوم الخارجي من القوى ا لأجنبية الأوروبية , إلا أنها استطاعت دوما الصمود والانتصار بفضل الوحدة الوطنية والتواصل مع القوى الأجنبية المحبة للسلام.(21)
وتجمع المصادر العربية والأوروبية على أن الثمانين عاما من حكم البوسعيديين تتميز بالازدهار الشديد وهناك عوامل عديدة ساعدت العمانيين على الانفراد بدور رائد تأتي في مقدمتها المهارة والخبرة الملاحية والتجارية , حيث اكتسب العمانيون رصيدا ضخما من التجربة ,تعد محصلة للأحداث التاريخية والموقع الجغرافي والتراث العماني.(22)
الدولة البوسعيدية وعلاقاتها الخارجية
أولا : علاقتها بشرق أفريقيا :
لقد واجه الإمام أحمد بن سعيد صعوبات كثيرة , بسبب الاضطرابات وعدم الاستقرار التي شهدتها عمان نتيجة للصراعات الداخلية , ووجد الإمام أحمد بن سعيد نفسه إمام تحديات خارجية لا يمكن تجاهلها , ومن ذلك رغبة بعض الولاة التابعين لدولة اليعاربة في استغلال سقوط الدولة والإعلان عن انفصالهم التام وتكوين دولة تابعة لهم , وهذا هو حال محمد بن عثمان المزروعي الذي أعلن استقلاله عن الدولة العمانية , متعللا في ذلك بأن ممباسة التي كانت تخضع لنفوذه بقيت على ولائها لدولة اليعاربة حتى سقطت , ولايعني ذلك إن تستمر تبعيتها لعمان حتى بعد سقوط أسرتها الحاكمة . لم يكن أحمد بن سعيد في وضع يسمح له بتجاهل هذا الوضع الخطير , خصوصا وأن الإمام أحمد بن سعيد الذي كان ينحدر من أسرة تقدر قيمة العمل التجاري , كان يدرك بأن استمرار سيطرته على شرق أفريقيا من شأنه إن يعطي لعمان مكانة تجارية مميزة ,هو أحوج ما يكون لها من اجل توطيد حكمه على البلاد.ولحل هذا الخلاف الذي دار بين الإمام والمزروعي , لجأ الإمام إلى العقل والكياسة كي يضع نهاية لهذا التمرد ويمنع انفصال ممباسة عن دائرة نفوذه , فقام الإمام بإرسال ستة من أتباعه برئاسة سيف بن خلف إلى ممباسة ,وقدموا أنفسهم إلى المزروعي بكل ما أوتوا من دهاء وثقة في النفس على أنهم خارجون على الإمام , إلا أخيه علي بن عثمان المزروعي نجح في اغتيال والي الإمام سيف بن خلف , واستعاد حكم المزروعيين على ممباسة , أما عن بقية المدن في زنجبار فقد بقية بعيدة عن سيطرة الإمام فيما عدا زنجبار التي عين عبدالله بن حمد البوسعيدي واليا عليها.(23)
ثانيا : العلاقات مع فارس:
اتسمت العلاقات الفارسية بالدولة البوسعيدية بالتنافس من أجل الحصول على السيادة البحرية , فمن المعروف إن فارس قد سعت ومن خلال فترات مختلفة من تاريخها نحو تحجيم القوة البحرية العمانية . لقد واجه الأسطول الفارسي في عهد نادر شاه مشاكل عديدة منها اعتماده بالدرجة الأولى على المساعدات الأجنبية في بنائه , وكذلك افتقاره إلى وجود الخبرات المحلية المتمرسة في فنون الملاحة مما دفع بقيادة الفرس إلى الاستعانة بالبحارة العرب لقيادة هذا الأسطول ,وبعد وفاة نادر شاه خلفه في الحكم كريم خان زند الذي حاول السير على نهج سلفه نادر شاه التوسعي في منطقة الخليج العربي , ومن هذا المنطلق بعث كريم خان برسالة على الإمام أحمد طالبا منه دفع الجزية السنوية ,متعللا بما يدعيه بتبعية عمان إلى فارس , ولكن الإمام أحمد بن سعيد رفض المطالب الفارسية باسلوب رجال السياسة المتمرسين الذين يعرفون كيفية مخاطبة التطلعات الاستعمارية, وذلك برفض المطالب الفارسية جملا وتفصيلا.(24)
وبدء الإمام في التخطيط لاستخدام القوة التي قد يلجأ إليها عدوه وقام بالتحاف مع خصوم الفرس وخاصة الأتراك ,وبسبب ضعف منافسي الإمام وموت كريم خان , استطاع الإمام أحمد بن سعيد استعادة مركز عمان القوي في منطقة الخليج العربي , لذلك نفهم من السطور السابقة أن العلاقة ما بين الدولة البوسعيدية وفارس , علاقة عدائية من قبل الفرس الذين كانوا يطمعون في خيرات عمان , خصوصا وأن عمان أصبحت لها في ذلك الوقت قوة بحرية كبيرة.(25)
ثالثا : العلاقات مع القوى الأوروبية :
إضافة إلى العلاقات العمانية مع شرق أفريقيا ومع الدولة الفارسية، كونت عمان في زمن البوسعيديين مجموعة من العلاقات مع دول أوربا وبالأخص مع فرنسا وبريطانيا في زمن الإمام أحمد بن سعيد.
كان الصراع الدولي في تلك الفترة صراعا من أجل الحصول على مناطق النفوذ والامتيازات، وبذلك نجد الصراع الذي قام بين بريطانيا وفرنسا حول عمان ذات الموقع الاستراتيجي المميز، ومحاولة كلا منها ضمها إلى مناطق نفوذها، ولقد فطن الإمام احمد بن سعيد إلى التطلعات الاستعمارية الأوروبية ورسم سياسة خارجية لعمان ارتكزت على مبدأ الحياد وتميزت العلاقة الفرنسية البريطانية بالاستقرار، إلا أن هذا الاستقرار تعرض لبعض الهزات وخاصة عندما نشبت حرب السنوات السبع (1756-1763م) بين البلدين، في هذه الفترة حدث نوع من الاضطراب في المياه العمانية.(26)
والجدير بالذكر أن الإمام احمد بن سعيد كان أول من بدأ بالتعامل التجاري مع فرنسا في جزيرة مورشيوس التابعة للسلطة الفرنسية وبعض المستعمرات الفرنسية الأخرى حيث كانت السفن العمانية تذهب محملة بالسكر وتعود محملة بالسمك المملح والبن، ونتيجة للتطورات التجارية بين عمان والمستعمرات الفرنسية في المحيط الهندي في تلك الفترة، أبدى الإمام أحمد بن سعيد رغبته في أن ينشئ الفرنسيون وكالة تجارية في ميناء مسقط دون مقابل.(27)
أما على الصعيد البريطاني، فعندما نزلت حملة نابليون بونابرت على مصر وكانت تستهدف الإنجليز في الهند، رأت شركة الهند الشرقية البريطانية أن تبرم اتفاقية مع سلطان بن أحمد نصت على ان يسمح سلطان مسقط للإنجليز بإنشاء قاعدة في بندر عباس وتواجد حامية عسكرية بها.(28)
وفي سبيل تدعيم بريطانيا لنفوذها في مسقط وتحت حجة منع تجارة الرقيق أبرمت بريطانيا مع السيد سعيد معاهدة في 1802م تعهد فيها بإيقاف تجارة الرقيق، ثم معاهدة تجارية في عام 1839م، وترتب على تلك المعاهدتين مع بريطانيا إن قررت فرنسا الحصول على امتيازات مماثلة.(29)
انقسام عمان الداخل وعمان الساحل
كانت الفترة التي تلت وفاة الإمام احمد بن سعيد عام 1783م فترة حاسمة في التاريخ العماني الحديث، اذ ظهر خلالها خريطة سياسية وطنية جديدة، وثقافة سياسية متباينة بين نظام الإمامة ونظام السادة، وسوف يعرف هذا النظام الأخير لاحقا باسم السلطنة.
بعد وفاة الإمام احمد بن سعيد، انتخب ابنه الرابع سعيد إماما، وعلى كل حال لم يكن القائد الجديد رجل دولة إضافة إلى انه لم يكن منذ عهد أبيه مقبولا لدى العمانيين خاصة وذلك منذ أن عهد إليه والده بعض المهمات الرسمية، وكان احد المآخذ عليه انه أعطى سلطات كبيرة لابنه حمد ممثلة في المنطقة الساحلية حيث كان يمارس سلطة حاكم بمجرد كونه ينتمي إلى أسرة البوسعيد.(30)
وفي عام 1792م وبعد تسع سنوات من عهده، ثار عليه أخواه قيس وسلطان أرغم سعيد على التنازل عن الحكم لصالح ابنه حمد حيث كان يتمتع بشخصية قوية، ولكن الإمام سعيد لم يتخل عن لقبه كإمام، بل تنازل عن السلطة السياسية لابنه السيد حمد، حيث قام باتخاذ قراره التاريخي بنقل عاصمته السياسية إلى مسقط بدلا من الرستاق.(31)
وقد اثر هذا القرار التاريخي والإستراتيجي على التطور اللاحق للتاريخ العماني، فهو انفصال بنيوي بين النظام السياسي والنظام الديني، وعرض أيضا العاصمة الجديدة مسقط والبلاد كلها للنفوذ السياسي والعسكري والثقافي الأجنبي، وخاصة البريطاني، فكان لعمان في ذلك الوقت عاصمتان، نزوى وهي العاصمة التقليدية والمركز الديني والروحي للداخل، ومسقط العاصمة التجارية والسياسية للساحل.(32)
وكان ذلك عبارة عن عصر انعطاف، حيث أن عهد حمد بن سعيد لم يطل إذ توفي في السنة نفسها التي تولى فيها السلطة رسميا، ونتيجة لذلك تجدد الصراع على السلطة بين الإمام الرسمي سعيد أخويه قيس وسلطان، ولم يوفق سعيد في استعادة السيطرة على البلاد في حين بدأ أخوه سلطان بشخصيته القوية في البروز كبديل وكرجل الدولة الكفء.(33)
حدث لقاء بين ورثة السلطة المتمثلة في سعيد وسلطان وقيس في أحد موانئ بركا، هذا الاتفاق تعلق بتقسيم عمان إلى ثلاث مراكز رئيسية، فسعيد الإمام الرسمي بقى في الرستاق في حين استولى سلطان على السلطة في مسقط، واتخذ قيس منطقة صحار القريبة من مضيق هرمز مركزا لسلطته، وهكذا وبالمساعدة الفعلية للبريطانيين خرجت دولة عمان الإسلامية التي كانت موجودة منذ اكثر من 1500 سنة من المسرح السياسي.(34)
لم يمثل هذا الاتفاق بداية تاريخ سياسي وثقافي جديد، بل عنى نفيا تدريجيا لتقاليد الإمامة، وقد عاشت عمان فترة اضطرابات وتحولات سياسية وثقافية، وخرجت مسقط من ذلك بصيغة سياسية وثقافية واستراتيجية جديدة.
ولا شك أن هناك علاقة حاسمة بين المحيط الجغرافي وطبيعة النظام السياسي فقد تبلور هذا التقسيم تدريجيا إذ مضى الساحل في الانفتاح وبدأ جليا انه مقبل على مزيد من الانفتاح بقدر ما يلتزم بالشروط الخارجية ويوفق بين مصالحه ومصالح شركائه الجدد، في حين كان على الداخل أن يعاني العزلة موطدا في الوقت نفسه قيمة المحافظة.(35)
الخاتمة
وفي نهاية هذا البحث المتواضع يمكننا أن نقول أن عمان مرت بفترات تاريخية مهمة وحاسمة في تطورها في العصر الحديث، وقيام دولة اليعاربة على يد الإمام ناصر بن مرشد وتوحيده للبلاد وطرد البرتغاليين ، ولكن حدثت هناك بعض المشكلات وغالبا ما كانت داخلية بسبب اختيار الإمامة وانتخاب الأئمة.
وبعد انهيار دولة اليعاربة وقيام دولة البوسعيد على يد الإمام أحمد بن سعيد بعدها، حولت مجرى التاريخ العماني حيث توسعت العلاقات الخارجية وخاصة مع القوى الأوروبية (فرنسا وبريطانيا)، ولكن بقى النزاع على السلطة مختلف فيه، وتلاشت في تلك الفترة القوانين والتشريعات الإباضية في اختيار الإمام.
ولا يسعني إلا أن اشكر كل من ساهم لخراج هذا العمل وأخص بالشكر للمكتبة التي وفرت لنا جميع المراجع التي تخص الموضوع . وهذا هو دأب المكتبات الناجحة في خدمة المستفيدين .
ونتقبل كل نقد مثمر الذي بموجبه يساعد في تحسين الأداء ويخرج البحث في أفضل صورة .
وأخيرا وليس آخرا نسأل الله أن يوفقنا إلى ما فيه لخير والصلاح، والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم .
المراجع
1- حسن ، عبيد غانم ، عمان الديمقراطية الإسلامية.- دار الجديد، 1997م.
2- الخصوصي، بدر الدين عباس ، دراسات في تاريخ الخليج العربي الحديث والمعاصر.- ط2، الكويت، ذات السلاسل، 1984م.
3- رزيق ، حميد بن محمد ، الفتح المبين في سيرة السادة البوسعيديين.- د.ن 1984م
4- السيار، عائشة ، دولة اليعاربة، دار القدس، 1975م.
5- عبيدلي، أحمد ، كشف الغمة الجامع لأخبار الأمة، قبرص، دار والطون للنشر، 1985م.
6- منسي، محمود حسن صالح ، تاريخ الشرق العربي الحديث، دار الوزان، 1990م..
7- البوسعيدي ، حميد بن سيف بن محمد، كتاب الموجز المفيد نبذة من تاريخ البوسعيد . د.ن.1407هـ
مشكوووور أخووووي عابر سبيل جزاك الله ألف وعافية
وانشاء الله يكون في ميزان حسناتك يارب
[/frame]
[/marq]
ان شاء الله في ميزان حسناتكم يارب آآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآمين
الموضوع يغلق لانتهاء الفصل الدراسي الثاني
و بإذن الله سيفتح من جديد في العام المقبل
بالتوفيق للجميع ،