"الحلقة الأضعف" في الميدان التربوي
تحقيق: عدنان عكاشة
هموم عديدة ثقيلة الوطأة تقع على كاهل المعلمين في نطاق الميدان التربوي سواء من المواطنين أو المقيمين على أرض الدولة منهم في مختلف الإمارات والمناطق التعليمية تتلبد خلالها سماء الواقع التربوي والمشهد التعليمي المحلي بغيوم قاتمة يترقب المعنيون والغيورون ما وراء الأكمة من تطورات وتداعيات لما شهده الميدان من تغيرات حادة في الآونة الأخيرة عل وعسى أن يتمخض عن تطورات ونقلات نوعية في هذا الواقع المتأزم منذ سنوات طويلة ومراحل متعاقبة عبر المراحل الماضية، إلا أن السلبيات الرابضة في ثنايا الميدان التربوي لا يمكن أن تتغاضى عن الإنجازات والإيجابيات العديدة التي يحفل بها وهو ما نتج عن جهود دؤوبة ومخلصة لمؤسسات ودوائر القطاع الحكومي المختصة إلى جانب بعض نظيراتها في القطاع الخاص وتشمل المنشآت التربوية خاصة الحديثة منها، وتوفير الكوادر التربوية والتدريسية والفنية المتخصصة فضلاً عن تزويد المدارس بالتجهيزات والمعدات التقنية والتربوية والتعليمية الحديثة.
معلمون: طلبتنا في مؤسسات أخرى سبقونا في الترقيات والدرجات ورواتبهم تفوقنا كثيراً
المعلم المواطن عبدالله الزعابي، تربية إسلامية، قال: إن أهم احتياجاتنا ومطالبنا كمعلمين هو عودة هيبة المعلم كما كانت سابقاً ووضعه في مكانه الصحيح واللائق اجتماعياً، معتبراً أن ضياع هيبة المعلم يشكل خطراً داهماً.
ويحدد مكمن الخطورة في فقدان هيبة المعلم المكتسبة في عاملين رئيسيين الأول يرجع إلى بعض المعلمين ذاتهم الذين فقدوا منظومة من القيم التربوية ما أدى إلى تدهور مكانتهم اجتماعيا في حين يعود الأول إلى وزارة التربية والتعليم بدورها التي لم تعد تحترم المعلم كعنصر أساسي ومحوري في العملية التربوية والتعليمية.
وأكد أن أحد أبرز هموم وهواجس المعلمين على امتداد رقعة الوطن ضمن المناطق التعليمية المختلفة في الدولة هو الحط الحاصل حاليا من مكانته واحترامه حيث لم يعد المعلم قادراً على انتقاد الطالب، كما يخشى الاحتكاك ولو في أبسط مستوياته وهو ما قد يجني على المعلم مما يتطلب حماية المعلم وكرامته حتى لا يصبح الحلقة الأضعف في العملية التربوية ومنظومتها الشاملة.
أما المحور الثاني الذي يشغل الزعابي فهو ما يصفه بالعبء الكبير والثقيل الملقى على كاهل المعلم بصورة تفوق أي موظف آخر في مؤسسات الدولة ودوائرها، وهو ما يشمل على سبيل المثال عمله وواجبه داخل حرم المدرسة ذاته، إضافة إلى المهام والمسؤوليات المنوطة به خارج نطاق المدرسة والتي تشغله حتى داخل منزله وتلهيه عن أفراد أسرته وأبنائه، حيث تتطلب منه المهنة إنجاز التحضير للحصص الدراسية والإعداد للدروس قبل يوم بما يسبق توجهه في اليوم التالي للمدرسة.
ويرى معلم التربية الإسلامية أنه في المقابل لا ينال المعلم في الدولة، لا سيما المعلم المواطن، ما يستحقه من تقدير ومكافأة على الصعيدين المادي والمعنوي كحقوق مكتسبة له نظير الجهود المخلصة والكبيرة التي ينفقها لخدمة الوطن وتربية أجياله المتعاقبة، مطالباً بتخصيص وتعزيز المنح والحوافز لمصلحة المعلمين بمختلف فئاتهم وشرائحهم.
ويذكر في هذا الإطار أن أحد التربويين المواطنين المعروفين في منطقة رأس الخيمة التعليمية ويعمل مديراً لإحدى المدارس الثانوية في الإمارة قضى في خدمة التربية والتعليم في الدولة ورأس الخيمة خاصة 37 عاماً كاملة، إلا أن راتبه الشهري قليل جداً رغم تلك السنين الطويلة والتفاني في الخدمة مقارنة بنظيره خريج الثانوية العامة في “اتصالات”، رغم أن بعض الوزراء الحاليين في الدولة هم من طلبته سابقاً. كما أن الراتب الذي يتقاضاه شقيقي، بمؤهله شهادة الثالث إعدادي يفوق راتبي، علماً أنني أحمل درجة البكالوريوس، فأين إنصافنا كمعلمين، سواء من الوافدين أو أبناء الوطن، وأملنا معلق على صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي في ظل حكمته المعهودة ورؤيته الثاقبة وتطلعاته للنهوض بالقطاع التعليمي في الدولة، خاصة عبر بوابة إنصاف المعلم ومنحه حقوقه المشروعة وإعادة هيبته المسلوبة منه.
ويتناول زميله محمد ناصر النعيمي، الإداري في مدرسة رأس الخيمة الثانوية، حق الترقيات المهضوم للمعلمين المواطنين، على غرار أقرانهم من موظفي مؤسسات الدولة وأجهزتها الأخرى، فبينما الباب مفتوح ومشرع على مصراعيه أمام موظفي الوزارات الأخرى للترقية والارتقاء بالدرجة وتحسين الرواتب إلا أننا في القطاع والميدان التربوي “محلك سر” وهو لغز محير تستعصي طلاسمه على التفسير والتبرير المقنع، والأدهى والأكثر إيلاما أن بعضا من طلبتنا الذين درسوا على أيدينا وتخرجوا من تحت عباءتنا ارتقوا في السلم الوظيفي والدرجات عبر الترقيات المتعددة التي نالوها خلال سنوات خدمتهم في حين بقينا محرومين من الترقية التي لا تأتي رغم الانتظار الطويل والممل قابضين على جمر الصبر والقناعة، ومجبر أخوك لا بطل.
ويتساءل: ترى كيف تتصور مشاعر وردة فعل وانطباع المعلم الذي آثر طلب العلم والتحصيل الدراسي عبر الدراسات العليا لسنوات طويلة ثم تحجب عنه الترقيات والدرجات الوظيفية الأعلى في حين يتنعم طلبته الذين تلقوا العلم صغارا على يديه بتلك الترقيات والدرجات ليتجاوز راتب ومستحقات ومكافآت الطالب ما يحصل عليه استاذه خلال سنوات قلائل من تخرجه، حيث أعرف طلاباً درسوا على يدي وصلت رواتبهم الى نحو 20 ألف درهم، بينما لا يتجاوز راتب أستاذهم ومعلمهم الذي قام بتدريسهم ال 13 ألف درهم فقط، بعد كل هذه السنين الطويلة من العطاء.
ويؤكد النعيمي أولوية في مطالب المعلمين الذين لم يألوا جهدا في خدمة الوطن على مختلف الصعد حتى أن بعضنا من المظلومين والمكولومين من حالة الإجحاف والتنكر لجهودنا وخدماتنا من قبل مؤسسات الدولة عند مقارنة الامتيازات التي ننالها مع نظرائنا من موظفي المؤسسات الأخرى محلياً، وهي تتعلق بإعادة خلق مكانة تليق بالمعلم اجتماعيا لا سيما بين الطلبة وأولياء أمورهم، مكانة علمية وأدبية من جديد.
ويضيف: منذ دخولنا الميدان التربوي ونحن نطالب باحترام المعلم وتقديره والذود عن هيبته من دون جدوى تذكر وأصواتنا تذهب هباءً منثورا.
ويسلط حزمة من الضوء على محور الكادر الذي أقرته لمصلحة المعلمين المواطنين أجهزة الدولة المختصة قبل سنوات، حيث جاء ناقصاً وولد مبتوراً رغم انتظاره سنين طويلة على أحر من الجمر، وتكمن الشكوى من هذا الكادر الإجازات والعطلات الرسمية مما دفعنا كمعلمين الى بغض تلك الإجازات التي بدت إجبارية علينا ثقيلة الظل لذلك السبب المقيت الذي يجردنا من مستحقاتنا من دون حق مشروع، فلمصلحة من ذلك؟ ولم نكف خلال السنوات الماضية عن المطالبة بتعديل هذا العيب في “الكادر” الغريب الأطوار الذي يتوقف خلال العطلات دون وجه حق.
والمدهش، كما يضيف النعيمي، أن الكادر لدى الموظفين في الوزارات والهيئات الأخرى في الدولة ثابت لا يتحرك ولا يتزعزع صيفا ولا شتاء، سواء في الدوام أو الإجازات، لماذا هذا التمييز بحق المعلم دون سواه، هل يندرج ضمن نظرة دونية للمعلم كقيمة ومهنة، والمقلق أن الدولة وأجهزتها المعنية تشجع بالتالي على مثل تلك النظرة فتعمل على الحيلولة من دون توطين هذا القطاع الحيوي الحساس المتصل بتربية النشء وتخريج الأجيال.
ولا مطلب مادياً لنا يسبق احتساب الكادر كحق مشروع لنا كمعلمين، وليس هبة أو تفضلا من أحد بصورة دائمة، بل إننا ندعو بإلحاح إلى رفع قيمة البدلات في إطار مستحقات المعلم بمختلف أصنافها، خاصة كلاً من بدل طبيعة العمل والسكن وغلاء المعيشة، والمفارقة أنها متغيرة وتشهد قفزات وغلاء مستمراً على تعاقب السنين الماضية في حين تواصل تلك البدلات، كحال رواتبنا جمودها الثقيل.
كما يشتكي الإداري المواطن من جمود الترقيات الأخرى بحق المعلمين المواطنين بصورة خاصة، فقد قضى في العمل والخدمة شخصياً حتى الآن 16 عاما كاملة لم يحصل خلالها سوى على ترقية يتيمة بينما نال نظراؤه في الوزارات الأخرى من الترقيات ما تشتهيه النفس وتتمناه، محذرا من أن الميدان التربوي الآن في غرفة الإنعاش، فمن يمد يده إليه لينقذه، وصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم رجل المواقف والمهام الصعبة وهو لها والكرة الآن في ملعبه.
مريم العلي مديرة إحدى مدارس التعليم الأساسي في منطقة رأس الخيمة التعليمية، ومدرسة قديمة ومخضرمة، تماهت همومها ومطالبها الشخصية كتربوية ومعلمة ومديرة مدرسة مع احتياجات ونواقص طلبتها حيث أشارت الى أن المدرسة التي تضم طلبة صغاراً من الأطفال المندرجين في إطار الحلقة الأولى تفتقر إلى معلم مجال ثان متخصص في تدريس مادتي العلوم والرياضيات في التعليم الأساسي، حيث ترى أن الحل الوحيد الذي يمكن أن تقدمه وزارة التربية والتعليم والمنطقة التعليمية منذ بداية العام الدراسي هو تعيين معلمة ثابتة لتجنب التأثيرات السلبية في الطالب واستقراره النفسي وانسجامه مع المعلمة، الأمر الذي يضعف تركيزه كما يربكه ويشتته.
إن أكثر الفئات تضرراً من عدم الثبات على معلمة واحدة هم المتضررون من عدم ثبات المعلمة والاستقرار على الطلاب الصغار في المرحلة التأسيسية الدنيا، وتحديداً طلاب الصف الأول الابتدائي، الأمر الذي يستدعي تعيين معلم دائم دون التعلل ببند عدم سماح الميزانية.
هدى عيسى مساعدة مديرة مدرسة هند للتعليم الأساسي نبهت إلى سلبيات كثيرة تنجم عن ابتعاث المعلمين في المراحل التعليمية المختلفة للمشاركة في الدورات التدريبية والتأهيلية المختلفة من دون ضوابط وتنظيم كاف وفي ظل تخبط التوجيه التربوي والمسؤولين في الوزارة والمناطق في هذا الاتجاه والافتقار إلى رؤية واضحة وشاملة.
وتوضح أن مدرستها تعاني من الإفراط في الزج بالمعلمين العاملين لديها في الدورات التدريبية المختلفة والمتلاحقة من دون فصل بين وقت الدوام المدرسي ومواعيد تلك الدورات والورش المتعددة في ظل التضارب بين الإثنين، حيث تجني على العمل وعطاء المعلم في مدرسته وتحرم الطالب من بعض الحصص، مشيرة الى أن 8 معلمين دفعة واحدة وفي مواد دراسية مختلفة مبتعثون في دورات تدريبية متنوعة وفي وقت واحد من دون مراعاة لمبدأ التدرج والتوزيع في المشاركة بين المعلمين على مدى العام الدراسي بأكمله ولكم أو تتصوروا حجم الأثر السلبي لغياب 8 معلمين دفعة واحدة عن مدرسة وطلبتها خلال اليوم الدراسي وإبان الدوام اليومي، مطالبة بتخصيص أيام الخميس والإجازات والعطلات أو خارج الدوام الرسمي للمعلمين في أيام الأسبوع لتنفيذ الدورات وورش العمل وهو ما يقع على كاهل الموجهين وإدارة المنطقة التعليمية كجهتين مسؤوليتين عن تنظيمه.
إن المدرسة تضم نحو 31 معلماً في مختلف التخصصات والمواد الدراسية منهم 8 مضطرون الى المشاركة في الدورات التدريبية والورش التأهيلية أي أن نصيب الطالب في الصفوف التي يشرف عليها أولئك المعلمون من “الحصص المعلقة بسبب مشاركة معلم المادة في دورة تدريبية” يصل إلى نحو 4 حصص في المعدل خلال اليوم الدراسي الواحد.
ورغم الشكاوى والرسائل التي سبق لإدارة المدرسة أن بعثت بها إلى المنطقة التعليمية بهذا الخصوص إلا أن ذلك كان بلا جدوى وظلت الطاسة ضائعة بين إدارة المنطقة التعليمية والتوجيه التربوي، كما بقيت الظاهرة متكررة دون أن تجد الحلول الشافية والناجعة لها والضحية أولاً وأخيراً هو الجدول المدرسي الذي أصابه خلل فادح، اذ لا يوجد بدلاء لهؤلاء المعلمين المبتعثين لتجنب التأثير السلبي في التحصيل الدراسي للطلبة.
هموم المعلم في المدارس
وتتحدث إدارة إحدى المدارس في رأس الخيمة حول بقاء مكان أمينة غرفة المصادر شاغراً، مما تطلب الاستعانة بمعلمة من خارج الملاك على الحساب الشخصي لإدارة المدرسة والمعلمات وبواسطة اجتهاداتهن الشخصية.
إحدى التربويات المخضرمات في تعليمية رأس الخيمة اهتمت بمحور “راتب المعلم” الضعيف الذي يواجه ضغوطا هائلة في ظل موجات الغلاء المتلاحقة، ولا يخلو الميدان من المفارقات حيث نرى معلمين معينين حديثا تفوق رواتبهم مخصصاتنا الشهرية رغم ما بحوزتنا من شهادات عليا، إذ إنني حاصلة على بكالوريوس تربية، وعلم نفس الى جانب دبلوم في التأهيل التربوي، وآخر في الادارة المدرسية ولا يتعدى الراتب ال13 ألف درهم مع البدلات.
وتلفت إلى أن مقارنة رواتبنا كمعلمين مع الموظفين في الدوائر والمؤسسات الأخرى ليست في مصلحتنا بل تميل الكفة المقابلة والمعادلة معكوسة ومنصفة في البلدان المتقدمة كاليابان، حيث راتب المعلم يفوق المخصص للوزير أو يضاهيه.
ومن بين المعلمات الحاصلات على الدبلوم تقول بدرية النعيمي، معلمة مجال تربية إسلامية ولغة عربية، إن خبرة وعطاء وخدمة 25 عاماً لم تشفع لي لرفع الظلم المحيق بنا نحن المعلمات والمعلمين (خريجي الدبلوم)، فحقنا مهضوم وصوتنا كصرخة في واد.
وتبين أن طبيعة هذا الظلم تتمثل في غياب الترقيات على مدى عقدين ونصف العقد من الخدمة، مؤكدة أنها لم تحصل خلالها على أي ترقية، وهي معلمة في الميدان منذ عام 1981.
ولظلم المعلمين، خصوصيته في حالة معلمي التأهيل التربوي أو الدبلوم لسنتين، كما يطلق عليه أحياناً، وجميعنا مواطنون، حيث رواتبنا هي الأخرى جامدة تحت درجة الصفر، لا يطرأ عليها تعديل يذكر رغم ما يشهده العالم والأسواق من حولنا من تغيرات وقفزات حادة.
وتتساءل: هل نحن مقصرون خاصة لو قورنا مع سوانا من الموظفين الآخرين؟ ألا يبلغ النصاب المنهك للمعلمة الواحدة منا سقف ال24 حصة أسبوعيا، حالنا في ذلك حال قرينتنا خريجة الجامعة التي تتقاضى راتبا يفوقنا إلى الضعف تقريبا ورغم ذلك لا تكف عن الشكوى، فماذا نفعل نحن اللواتي لا يتجاوز راتب الواحدة منا ال 7 آلاف درهم، وجهدنا لا يقل عن جهدهن، ويعملن كما نعمل، وإذا كان من حق “الجامعي” تمييزه في هذا الصدد في ظل عدد السنوات والتكاليف التي أنفقها في الدراسة، فإنه لا ينبغي أن يصل التفاوت في الراتب والمزايا إلى تلك الحدود العالية.
ومن المستغرب على هذا الصعيد التفرقة السافرة في بدل طبيعة العمل بين الطرفين البدل المخصص لخريجة الدبلوم الأدنى ونظيرتها خريجة البكالوريوس، ورغم أن عمل الجانبين ووظيفتهما لا يختلق فإنني أدعو إلى المساواة في بدل طبيعة العمل كحد أدنى.
ولدى عائشة إبراهيم أحد الوجوه في الميدان التربوي برأس الخيمة، وهي أمينة سر في واحدة من مدارس الإمارة، همومها ايضا حيث يشغلها تثبيت الكادر لجميع شرائح المعلمين والتربويين العاملين في الميدان من دون تمييز وشموله للإجازات والكف عن اقتطاعه خلالها إلى جانب إدخاله في الراتب الأساسي حرصا على حقوق المعلمين في الاستفادة من الكادر في الراتب التقاعدي.
وفي عودة إلى مدارس الطلاب الذكور يحدد أحمد الحردان، الأخصائي الاجتماعي في إحدى المدارس في منطقة رأس الخيمة، قائمة مطالبه بتحديث الحافلات المخصصة لنقل الطلبة والتخفيف من حدة الضغط والنصاب التدريسي عن كاهل المعلم ليكون قادراً على العطاء النوعي وبصورة أفضل.
ويغرف من بئر الهموم التربوية، لافتاً إلى حالته الخاصة حيث يعمل اختصاصياً اجتماعياً كصاحب دور حساس بالغ الأهمية في المدرسة وللطالب خاصة، في نطاق مدرسة تشمل 500 طالب تقريباً، أي أن هذا العدد الضخم من الطلبة يقع على عاتقه وحده وعليه متابعتهم والعناية بهم بمفرده.
كما يناشد الجهات المختصة، توفير مركبة متخصصة في نقل الطلبة المرضى والمصابين خلال اليوم الدراسي تحت إشراف وبمرافقة الممرض المكلف في كل مدرسة حيث تطرأ حوادث مفاجئة في المدارس تدهم الإدارات المدرسية والمعلمين، مشيراً الى ان الراتب المتدني للمعلم اذا ما قورن براتب نظيره في مؤسسات وهيئات اخرى محلياً.
علي محمد إسماعيل مساعد مدير في إحدى المدارس يقول: لدينا نقص مزمن في عدد الكوادر في الهيئة الإدارية في المدرسة وأنا مساعد مدير وحيد في مدرسة بهذا الحجم الكبير، اذ يصل عدد الطلبة الى نحو 515 طالباً، مما يستدعي الحاجة بصورة ملحة إلى مشرف إداري.
وعلى رأس أولوياتنا إعادة النظر في “الكادر” لا سيما مسألة حسمه خلال الإجازات، وهو ما يسفر عن خسارة تستحق القلق من المعلم والتربوي، حيث تصل قيمة المخصوم من الراتب جراء ذلك الى نحو ألفين و400 درهم تقريباً في بعض الحالات.
عبدالرحمن يوسف المجيني أحد التربويين المعروفين، في منطقة رأس الخيمة التعليمية يولي الجوانب المادية اهتمامه الأول، حيث ان المبنى المدرسي فقير الخدمات والمرافق والتجهيزات ومتهالك أحياناً، وهو ما يترك آثارا سلبية على المعلم والطالب والإداري على السواء ويتطلب عمليات تجديد وصيانة متواصلة ودائمة.
وفي تصوره ان المعلم بحاجة ملحة كذلك الى إتاحة الفرصة أمامه لخوض دورات تدريبية وورش تأهيلية في التقنيات وأساليب التدريس والتربية الحديثة والمتخصصة وسواها وفي مهارات التعليم المتطورة واستخدام التكنولوجيا المعاصرة وفن إدارة الفصل. ويركز المجيني على توفير البيئة التعليمية والتربوية الحديثة والمتكاملة للمعلم والطالب على السواء وتحسين الوضع المادي والمالي للمعلم داعيا إلى عدم التركيز على الجانب الفارغ من الكأس والنظر إلى الجزء المملوء عبر الاحتفاء بالإيجابيات والإنجازات العديدة التي تحققت على أرض الواقع وفي الميدان التربوي على مدى السنوات الطويلة الماضية مثل مشاريع صيانة المدارس الدورية وتوفير ميزانية تشغيلية “محرزة” لكل مدرسة على حدة وإن كانت أحيانا تأتي بعد سنوات عجاف عند بعض المدارس لتظل تعاني من عدم الصيانة أو الترميم، فتضطر إلى البحث عن أهل الخير واللجوء إلى ريع المقصف المدرسي فيها للتكفل بتكلفة الصيانة وعدم انتظار الدور في مشاريع الصيانة الرسمية.
ومن مطالبه استبدال أجهزة التكييف في المدارس بصورة تدريجية متعاقبة عبر دفعات متفاوتة من المكيفات في كل مدرسة تشملها الصيانة سنوياً وصولا إلى إحلالها جميعا كل مدى زمني محدد، كما أن تكييف الحافلات التي تنقل الطلبة حاجة ملحة تغدو ضرورة في فصل الصيف.
أما حسن غزلان، من التربويين المعروفين أيضا في رأس الخيمة، فرأى ضرورة أن يركز الميدان على تطوير كفاءة المعلمين والارتقاء بمهنيتهم ورفد معارفهم لا سيما في إطار المناهج الدراسية الجديدة بشتى الوسائل والآليات مثل الدورات والورش المتخصصة، علماً أن والوزارة غير مقصرة في هذا الاتجاه.
ويشير غزلان الى أهمية استعادة “المجد الضائع” للمعلم سواء في المدرسة أو المجتمع المحلي عبر استرداد المكانة المتميزة التي يستحقها وتقدير الجهود المخلصة التي يبذلها لخدمة الوطن فضلا عن التقدير المعنوي وإعادة البريق لشخصيته، محذراً من الضرر الذي يلحق تلك الشخصية من قبل بعض الطلبة وأولياء أمورهم.
وطالب في المقابل بدعم المعلم من خلال رفد البيئة المدرسية بمختلف الإمكانات من المختبرات العلمية والتقنية والقاعات المجهزة وغرف المصادر والكتب واستراتيجيات التعليم المعاصر لكي لا يكون المعلم مكبلاً بفقر ومحدودية الإمكانات.
وبنبرة تنم عن العجز والقهر يشير أحمد عبدالله جمعة الحاصل على بكالوريوس آداب في تخصص علم النفس إلى أنه قضى في التربية 22 عاماً من دون ترقية.
وأبرز هموم الميدان كما يراها، هي غياب اللوائح التربوية التي تحكم سلوك الطلبة داخل الحرم المدرسي وتصنف الحالات السلوكية وهو ما يتسبب باستهتار الطلبة ويجني على المعلم.
والكلمة الأخيرة لنسيم الغزاوي، معلم الفيزياء في إحدى مدارس المنطقة، الذي يقول: إن الاحتياجات كبيرة لكن أهمها تطوير البيئة الصفية وتحسين الإضاءة داخل الصف، وتوفير مقاعد مناسبة للطلبة، مؤكدا أن راحة المعلم من راحة الطالب وهو ما يصب في زيادة تفاعل الطلبة وأولياء أمورهم مع المدرسة.
ويدعو الغزاوي إلى تعاون أكبر من قبل الإدارة المدرسية مع المعلم، ومزيد من التنسيق لما فيه مصلحة الطالب في الشؤون الإدارية والتقنية والفنية وسواها، وتقديم كافة السبل المتاحة لهذا المعلم في حين تقع على عاتق الموجهين المتابعة الحثيثة للمعلمين وتلبية احتياجاتهم، مشيداً بالمستوى المادي المتاح للمعلم.
تحقيق: عدنان عكاشة
هموم عديدة ثقيلة الوطأة تقع على كاهل المعلمين في نطاق الميدان التربوي سواء من المواطنين أو المقيمين على أرض الدولة منهم في مختلف الإمارات والمناطق التعليمية تتلبد خلالها سماء الواقع التربوي والمشهد التعليمي المحلي بغيوم قاتمة يترقب المعنيون والغيورون ما وراء الأكمة من تطورات وتداعيات لما شهده الميدان من تغيرات حادة في الآونة الأخيرة عل وعسى أن يتمخض عن تطورات ونقلات نوعية في هذا الواقع المتأزم منذ سنوات طويلة ومراحل متعاقبة عبر المراحل الماضية، إلا أن السلبيات الرابضة في ثنايا الميدان التربوي لا يمكن أن تتغاضى عن الإنجازات والإيجابيات العديدة التي يحفل بها وهو ما نتج عن جهود دؤوبة ومخلصة لمؤسسات ودوائر القطاع الحكومي المختصة إلى جانب بعض نظيراتها في القطاع الخاص وتشمل المنشآت التربوية خاصة الحديثة منها، وتوفير الكوادر التربوية والتدريسية والفنية المتخصصة فضلاً عن تزويد المدارس بالتجهيزات والمعدات التقنية والتربوية والتعليمية الحديثة.
معلمون: طلبتنا في مؤسسات أخرى سبقونا في الترقيات والدرجات ورواتبهم تفوقنا كثيراً
المعلم المواطن عبدالله الزعابي، تربية إسلامية، قال: إن أهم احتياجاتنا ومطالبنا كمعلمين هو عودة هيبة المعلم كما كانت سابقاً ووضعه في مكانه الصحيح واللائق اجتماعياً، معتبراً أن ضياع هيبة المعلم يشكل خطراً داهماً.
ويحدد مكمن الخطورة في فقدان هيبة المعلم المكتسبة في عاملين رئيسيين الأول يرجع إلى بعض المعلمين ذاتهم الذين فقدوا منظومة من القيم التربوية ما أدى إلى تدهور مكانتهم اجتماعيا في حين يعود الأول إلى وزارة التربية والتعليم بدورها التي لم تعد تحترم المعلم كعنصر أساسي ومحوري في العملية التربوية والتعليمية.
وأكد أن أحد أبرز هموم وهواجس المعلمين على امتداد رقعة الوطن ضمن المناطق التعليمية المختلفة في الدولة هو الحط الحاصل حاليا من مكانته واحترامه حيث لم يعد المعلم قادراً على انتقاد الطالب، كما يخشى الاحتكاك ولو في أبسط مستوياته وهو ما قد يجني على المعلم مما يتطلب حماية المعلم وكرامته حتى لا يصبح الحلقة الأضعف في العملية التربوية ومنظومتها الشاملة.
أما المحور الثاني الذي يشغل الزعابي فهو ما يصفه بالعبء الكبير والثقيل الملقى على كاهل المعلم بصورة تفوق أي موظف آخر في مؤسسات الدولة ودوائرها، وهو ما يشمل على سبيل المثال عمله وواجبه داخل حرم المدرسة ذاته، إضافة إلى المهام والمسؤوليات المنوطة به خارج نطاق المدرسة والتي تشغله حتى داخل منزله وتلهيه عن أفراد أسرته وأبنائه، حيث تتطلب منه المهنة إنجاز التحضير للحصص الدراسية والإعداد للدروس قبل يوم بما يسبق توجهه في اليوم التالي للمدرسة.
ويرى معلم التربية الإسلامية أنه في المقابل لا ينال المعلم في الدولة، لا سيما المعلم المواطن، ما يستحقه من تقدير ومكافأة على الصعيدين المادي والمعنوي كحقوق مكتسبة له نظير الجهود المخلصة والكبيرة التي ينفقها لخدمة الوطن وتربية أجياله المتعاقبة، مطالباً بتخصيص وتعزيز المنح والحوافز لمصلحة المعلمين بمختلف فئاتهم وشرائحهم.
ويذكر في هذا الإطار أن أحد التربويين المواطنين المعروفين في منطقة رأس الخيمة التعليمية ويعمل مديراً لإحدى المدارس الثانوية في الإمارة قضى في خدمة التربية والتعليم في الدولة ورأس الخيمة خاصة 37 عاماً كاملة، إلا أن راتبه الشهري قليل جداً رغم تلك السنين الطويلة والتفاني في الخدمة مقارنة بنظيره خريج الثانوية العامة في “اتصالات”، رغم أن بعض الوزراء الحاليين في الدولة هم من طلبته سابقاً. كما أن الراتب الذي يتقاضاه شقيقي، بمؤهله شهادة الثالث إعدادي يفوق راتبي، علماً أنني أحمل درجة البكالوريوس، فأين إنصافنا كمعلمين، سواء من الوافدين أو أبناء الوطن، وأملنا معلق على صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي في ظل حكمته المعهودة ورؤيته الثاقبة وتطلعاته للنهوض بالقطاع التعليمي في الدولة، خاصة عبر بوابة إنصاف المعلم ومنحه حقوقه المشروعة وإعادة هيبته المسلوبة منه.
ويتناول زميله محمد ناصر النعيمي، الإداري في مدرسة رأس الخيمة الثانوية، حق الترقيات المهضوم للمعلمين المواطنين، على غرار أقرانهم من موظفي مؤسسات الدولة وأجهزتها الأخرى، فبينما الباب مفتوح ومشرع على مصراعيه أمام موظفي الوزارات الأخرى للترقية والارتقاء بالدرجة وتحسين الرواتب إلا أننا في القطاع والميدان التربوي “محلك سر” وهو لغز محير تستعصي طلاسمه على التفسير والتبرير المقنع، والأدهى والأكثر إيلاما أن بعضا من طلبتنا الذين درسوا على أيدينا وتخرجوا من تحت عباءتنا ارتقوا في السلم الوظيفي والدرجات عبر الترقيات المتعددة التي نالوها خلال سنوات خدمتهم في حين بقينا محرومين من الترقية التي لا تأتي رغم الانتظار الطويل والممل قابضين على جمر الصبر والقناعة، ومجبر أخوك لا بطل.
ويتساءل: ترى كيف تتصور مشاعر وردة فعل وانطباع المعلم الذي آثر طلب العلم والتحصيل الدراسي عبر الدراسات العليا لسنوات طويلة ثم تحجب عنه الترقيات والدرجات الوظيفية الأعلى في حين يتنعم طلبته الذين تلقوا العلم صغارا على يديه بتلك الترقيات والدرجات ليتجاوز راتب ومستحقات ومكافآت الطالب ما يحصل عليه استاذه خلال سنوات قلائل من تخرجه، حيث أعرف طلاباً درسوا على يدي وصلت رواتبهم الى نحو 20 ألف درهم، بينما لا يتجاوز راتب أستاذهم ومعلمهم الذي قام بتدريسهم ال 13 ألف درهم فقط، بعد كل هذه السنين الطويلة من العطاء.
ويؤكد النعيمي أولوية في مطالب المعلمين الذين لم يألوا جهدا في خدمة الوطن على مختلف الصعد حتى أن بعضنا من المظلومين والمكولومين من حالة الإجحاف والتنكر لجهودنا وخدماتنا من قبل مؤسسات الدولة عند مقارنة الامتيازات التي ننالها مع نظرائنا من موظفي المؤسسات الأخرى محلياً، وهي تتعلق بإعادة خلق مكانة تليق بالمعلم اجتماعيا لا سيما بين الطلبة وأولياء أمورهم، مكانة علمية وأدبية من جديد.
ويضيف: منذ دخولنا الميدان التربوي ونحن نطالب باحترام المعلم وتقديره والذود عن هيبته من دون جدوى تذكر وأصواتنا تذهب هباءً منثورا.
ويسلط حزمة من الضوء على محور الكادر الذي أقرته لمصلحة المعلمين المواطنين أجهزة الدولة المختصة قبل سنوات، حيث جاء ناقصاً وولد مبتوراً رغم انتظاره سنين طويلة على أحر من الجمر، وتكمن الشكوى من هذا الكادر الإجازات والعطلات الرسمية مما دفعنا كمعلمين الى بغض تلك الإجازات التي بدت إجبارية علينا ثقيلة الظل لذلك السبب المقيت الذي يجردنا من مستحقاتنا من دون حق مشروع، فلمصلحة من ذلك؟ ولم نكف خلال السنوات الماضية عن المطالبة بتعديل هذا العيب في “الكادر” الغريب الأطوار الذي يتوقف خلال العطلات دون وجه حق.
والمدهش، كما يضيف النعيمي، أن الكادر لدى الموظفين في الوزارات والهيئات الأخرى في الدولة ثابت لا يتحرك ولا يتزعزع صيفا ولا شتاء، سواء في الدوام أو الإجازات، لماذا هذا التمييز بحق المعلم دون سواه، هل يندرج ضمن نظرة دونية للمعلم كقيمة ومهنة، والمقلق أن الدولة وأجهزتها المعنية تشجع بالتالي على مثل تلك النظرة فتعمل على الحيلولة من دون توطين هذا القطاع الحيوي الحساس المتصل بتربية النشء وتخريج الأجيال.
ولا مطلب مادياً لنا يسبق احتساب الكادر كحق مشروع لنا كمعلمين، وليس هبة أو تفضلا من أحد بصورة دائمة، بل إننا ندعو بإلحاح إلى رفع قيمة البدلات في إطار مستحقات المعلم بمختلف أصنافها، خاصة كلاً من بدل طبيعة العمل والسكن وغلاء المعيشة، والمفارقة أنها متغيرة وتشهد قفزات وغلاء مستمراً على تعاقب السنين الماضية في حين تواصل تلك البدلات، كحال رواتبنا جمودها الثقيل.
كما يشتكي الإداري المواطن من جمود الترقيات الأخرى بحق المعلمين المواطنين بصورة خاصة، فقد قضى في العمل والخدمة شخصياً حتى الآن 16 عاما كاملة لم يحصل خلالها سوى على ترقية يتيمة بينما نال نظراؤه في الوزارات الأخرى من الترقيات ما تشتهيه النفس وتتمناه، محذرا من أن الميدان التربوي الآن في غرفة الإنعاش، فمن يمد يده إليه لينقذه، وصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم رجل المواقف والمهام الصعبة وهو لها والكرة الآن في ملعبه.
مريم العلي مديرة إحدى مدارس التعليم الأساسي في منطقة رأس الخيمة التعليمية، ومدرسة قديمة ومخضرمة، تماهت همومها ومطالبها الشخصية كتربوية ومعلمة ومديرة مدرسة مع احتياجات ونواقص طلبتها حيث أشارت الى أن المدرسة التي تضم طلبة صغاراً من الأطفال المندرجين في إطار الحلقة الأولى تفتقر إلى معلم مجال ثان متخصص في تدريس مادتي العلوم والرياضيات في التعليم الأساسي، حيث ترى أن الحل الوحيد الذي يمكن أن تقدمه وزارة التربية والتعليم والمنطقة التعليمية منذ بداية العام الدراسي هو تعيين معلمة ثابتة لتجنب التأثيرات السلبية في الطالب واستقراره النفسي وانسجامه مع المعلمة، الأمر الذي يضعف تركيزه كما يربكه ويشتته.
إن أكثر الفئات تضرراً من عدم الثبات على معلمة واحدة هم المتضررون من عدم ثبات المعلمة والاستقرار على الطلاب الصغار في المرحلة التأسيسية الدنيا، وتحديداً طلاب الصف الأول الابتدائي، الأمر الذي يستدعي تعيين معلم دائم دون التعلل ببند عدم سماح الميزانية.
هدى عيسى مساعدة مديرة مدرسة هند للتعليم الأساسي نبهت إلى سلبيات كثيرة تنجم عن ابتعاث المعلمين في المراحل التعليمية المختلفة للمشاركة في الدورات التدريبية والتأهيلية المختلفة من دون ضوابط وتنظيم كاف وفي ظل تخبط التوجيه التربوي والمسؤولين في الوزارة والمناطق في هذا الاتجاه والافتقار إلى رؤية واضحة وشاملة.
وتوضح أن مدرستها تعاني من الإفراط في الزج بالمعلمين العاملين لديها في الدورات التدريبية المختلفة والمتلاحقة من دون فصل بين وقت الدوام المدرسي ومواعيد تلك الدورات والورش المتعددة في ظل التضارب بين الإثنين، حيث تجني على العمل وعطاء المعلم في مدرسته وتحرم الطالب من بعض الحصص، مشيرة الى أن 8 معلمين دفعة واحدة وفي مواد دراسية مختلفة مبتعثون في دورات تدريبية متنوعة وفي وقت واحد من دون مراعاة لمبدأ التدرج والتوزيع في المشاركة بين المعلمين على مدى العام الدراسي بأكمله ولكم أو تتصوروا حجم الأثر السلبي لغياب 8 معلمين دفعة واحدة عن مدرسة وطلبتها خلال اليوم الدراسي وإبان الدوام اليومي، مطالبة بتخصيص أيام الخميس والإجازات والعطلات أو خارج الدوام الرسمي للمعلمين في أيام الأسبوع لتنفيذ الدورات وورش العمل وهو ما يقع على كاهل الموجهين وإدارة المنطقة التعليمية كجهتين مسؤوليتين عن تنظيمه.
إن المدرسة تضم نحو 31 معلماً في مختلف التخصصات والمواد الدراسية منهم 8 مضطرون الى المشاركة في الدورات التدريبية والورش التأهيلية أي أن نصيب الطالب في الصفوف التي يشرف عليها أولئك المعلمون من “الحصص المعلقة بسبب مشاركة معلم المادة في دورة تدريبية” يصل إلى نحو 4 حصص في المعدل خلال اليوم الدراسي الواحد.
ورغم الشكاوى والرسائل التي سبق لإدارة المدرسة أن بعثت بها إلى المنطقة التعليمية بهذا الخصوص إلا أن ذلك كان بلا جدوى وظلت الطاسة ضائعة بين إدارة المنطقة التعليمية والتوجيه التربوي، كما بقيت الظاهرة متكررة دون أن تجد الحلول الشافية والناجعة لها والضحية أولاً وأخيراً هو الجدول المدرسي الذي أصابه خلل فادح، اذ لا يوجد بدلاء لهؤلاء المعلمين المبتعثين لتجنب التأثير السلبي في التحصيل الدراسي للطلبة.
هموم المعلم في المدارس
وتتحدث إدارة إحدى المدارس في رأس الخيمة حول بقاء مكان أمينة غرفة المصادر شاغراً، مما تطلب الاستعانة بمعلمة من خارج الملاك على الحساب الشخصي لإدارة المدرسة والمعلمات وبواسطة اجتهاداتهن الشخصية.
إحدى التربويات المخضرمات في تعليمية رأس الخيمة اهتمت بمحور “راتب المعلم” الضعيف الذي يواجه ضغوطا هائلة في ظل موجات الغلاء المتلاحقة، ولا يخلو الميدان من المفارقات حيث نرى معلمين معينين حديثا تفوق رواتبهم مخصصاتنا الشهرية رغم ما بحوزتنا من شهادات عليا، إذ إنني حاصلة على بكالوريوس تربية، وعلم نفس الى جانب دبلوم في التأهيل التربوي، وآخر في الادارة المدرسية ولا يتعدى الراتب ال13 ألف درهم مع البدلات.
وتلفت إلى أن مقارنة رواتبنا كمعلمين مع الموظفين في الدوائر والمؤسسات الأخرى ليست في مصلحتنا بل تميل الكفة المقابلة والمعادلة معكوسة ومنصفة في البلدان المتقدمة كاليابان، حيث راتب المعلم يفوق المخصص للوزير أو يضاهيه.
ومن بين المعلمات الحاصلات على الدبلوم تقول بدرية النعيمي، معلمة مجال تربية إسلامية ولغة عربية، إن خبرة وعطاء وخدمة 25 عاماً لم تشفع لي لرفع الظلم المحيق بنا نحن المعلمات والمعلمين (خريجي الدبلوم)، فحقنا مهضوم وصوتنا كصرخة في واد.
وتبين أن طبيعة هذا الظلم تتمثل في غياب الترقيات على مدى عقدين ونصف العقد من الخدمة، مؤكدة أنها لم تحصل خلالها على أي ترقية، وهي معلمة في الميدان منذ عام 1981.
ولظلم المعلمين، خصوصيته في حالة معلمي التأهيل التربوي أو الدبلوم لسنتين، كما يطلق عليه أحياناً، وجميعنا مواطنون، حيث رواتبنا هي الأخرى جامدة تحت درجة الصفر، لا يطرأ عليها تعديل يذكر رغم ما يشهده العالم والأسواق من حولنا من تغيرات وقفزات حادة.
وتتساءل: هل نحن مقصرون خاصة لو قورنا مع سوانا من الموظفين الآخرين؟ ألا يبلغ النصاب المنهك للمعلمة الواحدة منا سقف ال24 حصة أسبوعيا، حالنا في ذلك حال قرينتنا خريجة الجامعة التي تتقاضى راتبا يفوقنا إلى الضعف تقريبا ورغم ذلك لا تكف عن الشكوى، فماذا نفعل نحن اللواتي لا يتجاوز راتب الواحدة منا ال 7 آلاف درهم، وجهدنا لا يقل عن جهدهن، ويعملن كما نعمل، وإذا كان من حق “الجامعي” تمييزه في هذا الصدد في ظل عدد السنوات والتكاليف التي أنفقها في الدراسة، فإنه لا ينبغي أن يصل التفاوت في الراتب والمزايا إلى تلك الحدود العالية.
ومن المستغرب على هذا الصعيد التفرقة السافرة في بدل طبيعة العمل بين الطرفين البدل المخصص لخريجة الدبلوم الأدنى ونظيرتها خريجة البكالوريوس، ورغم أن عمل الجانبين ووظيفتهما لا يختلق فإنني أدعو إلى المساواة في بدل طبيعة العمل كحد أدنى.
ولدى عائشة إبراهيم أحد الوجوه في الميدان التربوي برأس الخيمة، وهي أمينة سر في واحدة من مدارس الإمارة، همومها ايضا حيث يشغلها تثبيت الكادر لجميع شرائح المعلمين والتربويين العاملين في الميدان من دون تمييز وشموله للإجازات والكف عن اقتطاعه خلالها إلى جانب إدخاله في الراتب الأساسي حرصا على حقوق المعلمين في الاستفادة من الكادر في الراتب التقاعدي.
وفي عودة إلى مدارس الطلاب الذكور يحدد أحمد الحردان، الأخصائي الاجتماعي في إحدى المدارس في منطقة رأس الخيمة، قائمة مطالبه بتحديث الحافلات المخصصة لنقل الطلبة والتخفيف من حدة الضغط والنصاب التدريسي عن كاهل المعلم ليكون قادراً على العطاء النوعي وبصورة أفضل.
ويغرف من بئر الهموم التربوية، لافتاً إلى حالته الخاصة حيث يعمل اختصاصياً اجتماعياً كصاحب دور حساس بالغ الأهمية في المدرسة وللطالب خاصة، في نطاق مدرسة تشمل 500 طالب تقريباً، أي أن هذا العدد الضخم من الطلبة يقع على عاتقه وحده وعليه متابعتهم والعناية بهم بمفرده.
كما يناشد الجهات المختصة، توفير مركبة متخصصة في نقل الطلبة المرضى والمصابين خلال اليوم الدراسي تحت إشراف وبمرافقة الممرض المكلف في كل مدرسة حيث تطرأ حوادث مفاجئة في المدارس تدهم الإدارات المدرسية والمعلمين، مشيراً الى ان الراتب المتدني للمعلم اذا ما قورن براتب نظيره في مؤسسات وهيئات اخرى محلياً.
علي محمد إسماعيل مساعد مدير في إحدى المدارس يقول: لدينا نقص مزمن في عدد الكوادر في الهيئة الإدارية في المدرسة وأنا مساعد مدير وحيد في مدرسة بهذا الحجم الكبير، اذ يصل عدد الطلبة الى نحو 515 طالباً، مما يستدعي الحاجة بصورة ملحة إلى مشرف إداري.
وعلى رأس أولوياتنا إعادة النظر في “الكادر” لا سيما مسألة حسمه خلال الإجازات، وهو ما يسفر عن خسارة تستحق القلق من المعلم والتربوي، حيث تصل قيمة المخصوم من الراتب جراء ذلك الى نحو ألفين و400 درهم تقريباً في بعض الحالات.
عبدالرحمن يوسف المجيني أحد التربويين المعروفين، في منطقة رأس الخيمة التعليمية يولي الجوانب المادية اهتمامه الأول، حيث ان المبنى المدرسي فقير الخدمات والمرافق والتجهيزات ومتهالك أحياناً، وهو ما يترك آثارا سلبية على المعلم والطالب والإداري على السواء ويتطلب عمليات تجديد وصيانة متواصلة ودائمة.
وفي تصوره ان المعلم بحاجة ملحة كذلك الى إتاحة الفرصة أمامه لخوض دورات تدريبية وورش تأهيلية في التقنيات وأساليب التدريس والتربية الحديثة والمتخصصة وسواها وفي مهارات التعليم المتطورة واستخدام التكنولوجيا المعاصرة وفن إدارة الفصل. ويركز المجيني على توفير البيئة التعليمية والتربوية الحديثة والمتكاملة للمعلم والطالب على السواء وتحسين الوضع المادي والمالي للمعلم داعيا إلى عدم التركيز على الجانب الفارغ من الكأس والنظر إلى الجزء المملوء عبر الاحتفاء بالإيجابيات والإنجازات العديدة التي تحققت على أرض الواقع وفي الميدان التربوي على مدى السنوات الطويلة الماضية مثل مشاريع صيانة المدارس الدورية وتوفير ميزانية تشغيلية “محرزة” لكل مدرسة على حدة وإن كانت أحيانا تأتي بعد سنوات عجاف عند بعض المدارس لتظل تعاني من عدم الصيانة أو الترميم، فتضطر إلى البحث عن أهل الخير واللجوء إلى ريع المقصف المدرسي فيها للتكفل بتكلفة الصيانة وعدم انتظار الدور في مشاريع الصيانة الرسمية.
ومن مطالبه استبدال أجهزة التكييف في المدارس بصورة تدريجية متعاقبة عبر دفعات متفاوتة من المكيفات في كل مدرسة تشملها الصيانة سنوياً وصولا إلى إحلالها جميعا كل مدى زمني محدد، كما أن تكييف الحافلات التي تنقل الطلبة حاجة ملحة تغدو ضرورة في فصل الصيف.
أما حسن غزلان، من التربويين المعروفين أيضا في رأس الخيمة، فرأى ضرورة أن يركز الميدان على تطوير كفاءة المعلمين والارتقاء بمهنيتهم ورفد معارفهم لا سيما في إطار المناهج الدراسية الجديدة بشتى الوسائل والآليات مثل الدورات والورش المتخصصة، علماً أن والوزارة غير مقصرة في هذا الاتجاه.
ويشير غزلان الى أهمية استعادة “المجد الضائع” للمعلم سواء في المدرسة أو المجتمع المحلي عبر استرداد المكانة المتميزة التي يستحقها وتقدير الجهود المخلصة التي يبذلها لخدمة الوطن فضلا عن التقدير المعنوي وإعادة البريق لشخصيته، محذراً من الضرر الذي يلحق تلك الشخصية من قبل بعض الطلبة وأولياء أمورهم.
وطالب في المقابل بدعم المعلم من خلال رفد البيئة المدرسية بمختلف الإمكانات من المختبرات العلمية والتقنية والقاعات المجهزة وغرف المصادر والكتب واستراتيجيات التعليم المعاصر لكي لا يكون المعلم مكبلاً بفقر ومحدودية الإمكانات.
وبنبرة تنم عن العجز والقهر يشير أحمد عبدالله جمعة الحاصل على بكالوريوس آداب في تخصص علم النفس إلى أنه قضى في التربية 22 عاماً من دون ترقية.
وأبرز هموم الميدان كما يراها، هي غياب اللوائح التربوية التي تحكم سلوك الطلبة داخل الحرم المدرسي وتصنف الحالات السلوكية وهو ما يتسبب باستهتار الطلبة ويجني على المعلم.
والكلمة الأخيرة لنسيم الغزاوي، معلم الفيزياء في إحدى مدارس المنطقة، الذي يقول: إن الاحتياجات كبيرة لكن أهمها تطوير البيئة الصفية وتحسين الإضاءة داخل الصف، وتوفير مقاعد مناسبة للطلبة، مؤكدا أن راحة المعلم من راحة الطالب وهو ما يصب في زيادة تفاعل الطلبة وأولياء أمورهم مع المدرسة.
ويدعو الغزاوي إلى تعاون أكبر من قبل الإدارة المدرسية مع المعلم، ومزيد من التنسيق لما فيه مصلحة الطالب في الشؤون الإدارية والتقنية والفنية وسواها، وتقديم كافة السبل المتاحة لهذا المعلم في حين تقع على عاتق الموجهين المتابعة الحثيثة للمعلمين وتلبية احتياجاتهم، مشيداً بالمستوى المادي المتاح للمعلم.