تفضلوا
الطالبة : رزان عمر محمود بدوي
لا تنسوا الردود
باي
والملاحظ ان تراث الإمارات يتميز بالتنوع والثراء من حيث نوعيته وخصوصية الانتاج في مختلف جوانبه الإبداعية والحياتية، ويزخر تراثنا بخاصية معينة فهو إرث انساني يعكس تجارب وفنون وإبداعات الأنماط السكانية الأربعة في الإمارات.. وهي الأنماط التي أدى تفاعلها في بيئة جغرافية مختلفة، الى تنوع الإرث الحضاري الذي خلفته عبر الأزمنة الماضية.
وفي هذه الصفحة التراثية، سوف نورد ملامح من تراث الإمارات وصوراً من إبداعات الماضي العريق، حيث سنبحر معكم في دهاليز الحياة القديمة مستكشفين، ومنقبين عن التاريخ الانساني الذي خلفه الأجداد، وان اختلفت الموضوعات في المعالجة التوثيقية إلا انها سوف ترسخ لوعي أصيل بتراث الإمارات، وهذا ما نأمله ونطمح اليه في تخصيص صفحة من تراثنا نتكلم فيها عن الماضي بروح الحاضر وبعين المستقبل الآتي.
هناك الكثير من التداعيات الفكرية والسياسية والثقافية التي تتبادر الى ذهن السامع عندما يطرح موضوع التراث الشعبي في مختلف المناسبات وعند بعض الشخصيات المهمة، ولدى الدارسين وعلماء التراث، فالتراث الشعبي كما يحلو للبعض يمثل الاصالة والمنبع والجذور، وقد يستقل التراث احياناً في التعبير عن بعض المضامين السياسية والأهداف غير المعلنة، وعند بعض الناس لا يعتبر التراث الشعبي ذا أهمية بل ينعتونه بالتخلف والرجعية، ومن يطالب بإحيائه يوصم بهذه الصفات، ولذا يطالبون بتركه وعدم اعطائه أولوية في الحياة العصرية. تلك هي التناقضات التي تطرح أمامنا عند تناول موضوعات التراث الشعبي، أما المعنيون بدراسة التراث الشعبي فيحاولون من خلال دراستهم له فهم “ديناميات” الثقافة الشعبية في تأسيس حياتنا على دعائم قوية ومكينة. لهذه الأسباب يجب ان نسخر جهودنا للتعرف الى الثقافة الشعبية التي خلفها الأولون، ودراسة الأنماط التراثية المختلفة باعتبارها المنبع الأساسي للثقافة المحلية.
وللتراث الشعبي الكثير من المصطلحات المتداولة، فهو يسمى (علم الفولكلور) أو يطلق عليه (الموروث الشعبي) ولكن الشائع تسميته بالتراث الشعبي. وهو كل ما ورثناه عن الآباء والأجداد من تراث مادي ومعنوي.
وقد يطلق عليه (فولكلور) وهي كلمة تتكون من مقطعين Folk وتعني الناس وLORE اي المعرفة او الحكمة.
أما في لسان العرب، قال ابن منظور في تعريفه للتراث: (هو ما يخلفه الرجل لورثته)، أما تومز فقد عرف التراث بأنه الثقافة الشعبية أو المأثورات الروحية. وأستاذ التراث الشعبي في مصر الدكتور محمد الجوهري قال: “ان علم الفولكلور، انما هو علم ثقافي يختص بقطاع معين من الثقافة”، وعرفه بأنه “الثقافة التقليدية الشعبية”.
ومهما اختلفت التعريفات او تباينت، فإن التراث هو كل ما خلفه الآباء والأجداد من موروثات.
والثقافة الشعبية هي رديفة الثقافة العامية وخلاصة حياة متوارثة ومعرفة وتجارب وتفاعل عبر الزمان والمكان، وهي تعني المعرفة لدى الناس. والتراث هو بمثابة الحياة بجميع منابعها وألوانها، في حين الثقافة الشعبية هي حصيلة هذه الحياة ومفهومها وأبعادها الحضارية والانسانية.
ويشتمل التراث الشعبي على عدد من الفروع، ومن أهم مجالاته أو فروعه: (الأدب الشعبي، الموسيقا والرقص الشعبي، العادات والتقاليد والمعارف الشعبية، الثقافة المادية، الفنون، والحرف الشعبية).
ويمكن ان يقسم التراث الى اربعة أقسام هي: المعتقدات والمعارف الشعبية، والعادات والتقاليد الشعبية، والأدب الشعبي والفنون الشعبية والثقافية والمادية.
ولكل فرع من هذه الفروع الكثير من الصور التي تنضوي تحتها. وفي الإمارات يتميز التراث كما هو في الخليج العربي بالوفرة والتنوع، وهو المرآة العاكسة لوحدة المنطقة تاريخياً وحضارياً، فاللون المحلي للفنون والابداع الشعبي هو نفسه في منطقة الخليج العربي، حتى لو اختلفت المفردات وبعض المعاني، إلا أن الجذور التاريخية وإرهاصات النشأة تعبر عن انسجام وتداخل كبير.
وقد يرجع سبب ذلك الى وحدة التجربة الانسانية والتكوين النفسي للشخصية الخليجية، الى جانب الترابط بين الوحدة الجغرافية والمنبع اللغوي والاصالة الحضارية الواحدة. وللبيئة دور مهم في حياة الناس، اذ تلعب دورا لا يستهان به في تأسيس التجمعات واعطائها صفات معينة، فمثلاً اللهجات الخليجية تعتبر نموذجاً خاصاً من حيث نشأتها وتطورها ومفرداتها، ولحنها الصوتي، اذ ان اللهجة الخليجية معروفة بلحنها اللفظي ونطقها اللغوي المميز، وكذلك بالنسبة للصفات الشخصية العامة لدى سكان المنطقة تكاد تكون واحدة من حيث التفكير والمشاعر وبنية المواطن الخليجي ووحيه النفسي.
التراث الشعبي ابن البيئة وابن المجتمع، وقد ظهر من خلال الاحتكاك المباشر بين الافراد والبيئة المحيطة. ولولا التفاعل بين الانسان ومحيطه المكاني، لما ظهرت الفنون وتنوعت واختلفت التجارب وتشابكت الصور والمظاهر الحياتية لدى الجماعات.
إبداعات شعبية
التراث الشعبي في الإمارات غني ومتنوع ومتعدد لدرجة لا يستطيع الدارس المرور عليه مرور الكرام، بل على الدارسين ان يقوموا بإزالة الغموض عن الكثير من الابداعات المحلية بكشف فنونها وملامحها الجمالية، وكيف نشأت وتطورت واستخدمت، ومارسها الناس في العصور والأزمنة السابقة.
وإذا كان بعض الدارسين ينعت التراث بالماضوية أو التقليدية بالمفهوم التهكمي الفج، فإن في ذلك ظلماً كبيراً ومجافاة للحقيقة، وقفزاً عليها، وعدم معرفة وإلمام بمنابع وصور تراثنا وحياة آبائنا، فالتراث الشعبي عند العرب، وفي منطقة الخليج العربي هو تراث انساني يتميز بصفة الابداع والديموية، لذا المحافظة على التراث في حد ذاته تحرير تراكمات حضارية ضخمة من الضياع والنسيان، وتحويلها من الهامشية، ومن النظرة الساذجة الى علم قائم بذاته، وحصيلة مهمة ينبغي عدم التفريط فيه مهما تغيرت الظروف واذا استهنا بالتراث الشعبي، وحكمنا على تلك الحياة الشعبية بالفناء، فإننا نوقع انفسنا في دائرة مغلقة نتيجة لتجاهلنا للموروث الشعبي.
ولو نظرنا بعين يقظة الى كل ما خلفه الاجداد سنجد انه عبارة عن تجارب حياتية، وألوان مختلفة من الابداع المرتبط بالممارسات اليومية والفنون التي لا ينبغي التفريط فيها، واذا ما سمحنا لأنفسنا التفريط بالتراث، فسوف لن نستطيع تعريف الآخرين بهويتنا وكياننا ووجودنا واصالتنا.
وهكذا نصل الى سؤال مهم يتبادر الى الذهن ويراود اساتذة التراث ومرتاديه، هو: لماذا التراث الشعبي؟ ولكي نجيب عن هذا السؤال لا بد من الاقتناع بما للتراث من أهمية في حياتنا، اذ ان الماضي بالنسبة لنا تراث، وبالتالي هل ينبغي ان نحافظ عليه ام نتركه ونجري وراء مصالحنا وحياتنا العصرية؟ وهل من الممكن ان ننساه وننسى تاريخاً حضارياً حافلاً بالابداع والانتاج والعمل؟ ولو أهملنا الماضي، فإننا سوف نتسبب في محو حياة شعبية حافلة، وعندها سنكون هامشيين ومجرد كيان بشري لا اساس له، ولا منبع، فالاصول في تعريف الكيان هي الجذور، ومن لا ماضي له فسوف يعيش معلقاً في مهب الريح. ولكن الحضارات الانسانية والتطورات العصرية والاكتشافات الهائلة في المجالات المختلفة يجب ألا تفصلنا عن زمن الغوص والسفر وزمن الوبر والجمل وزمن (اليازرة) والفنون والحرف القديمة. يجب الا ننفصل عن تلك الحواضر التي تراكمت عبر العصور والأزمنة، وعلى هذا الاساس يقفز الى الذهن التفكير في التراث والثقافة الشعبية، ومدى فائدة توظيفها في هذا العصر، فإذا كان زمن الغوص ولى، فإن أدبيات وارهاصات ذلك الزمان تساعدنا على بناء مجتمع قادر على النهوض، مسترشداً بتجارب واجتهادات الأولين، ومستلهماً من الثقافة القديمة الصور والنماذج الابداعية الجميلة.
الثقافة الشعبية
إن المجتمع في الإمارات والخليج العربي من المجتمعات المتحضرة التي استطاعت ان تنطلق في رحاب التطوير في جميع الميادين التعليمية والاقتصادية والتجارية والصناعية، واصبح الناس يقيمون في مدن ويركبون السيارات والطائرات ويشاهدون التلفزيون ويستمتعون بالسينما والقنوات الفضائية ويستخدمون الانترنت ومختلف الوسائل التكنولوجية الحديثة التي قضت على المظاهر التقليدية التي كانت سائدة في الماضي. ومارست أجهزة الدولة الحديثة دوراً مهماً في بناء مجتمع حديث، لكن مع ذلك صححت الدول من اندفاعها نحو التطور، في المحافظة على اصالة المجتمع بإحياء الموروث الشعبي، وتعويد الناس على المحافظة على الفنون والعادات وبعض الحرف والمهارات الشعبية القديمة وقد اخذ ذلك اشكالاً وصوراً متنوعة.
إذا كان لا بد من التنبيه ونحن نتحدث عن التراث الشعبي والثقافة التقليدية، فمن الضروري الاشارة الى المزاوجة بين المجتمع الحديث المتطور وبين الحياة الشعبية التي خلفها الاجداد، والمقصود بالمزاوجة هنا عدم الانفصال بين الاثنين في النواحي الحياتية والتجارب الموروثة التي لا بد ان تحصر جيداً وتحلل وتقدم في ثوب جديد مع المحافظة على الصورة الابداعية أو الفكرة. وهذا هو المقصود بالثقافة الشعبية.. فهي خلاصة الحياة الشعبية. وقبل ان نتعرض الى الاساليب التي اتبعتها دولة الإمارات في محاولتها لحماية واحياء التراث الشعبي فإنه لا بد من تعريف ما هي الثقافة الشعبية المطلوب استمرارها والتي انتقلت من الأجداد الى الاحفاد واصبحت اليوم تقدم على انها خلاصة الكثير من التجارب والممارسات الحياتية، وهنا يتطلب منا الكثير من البذل للحفاظ على الموروث عن طريق مؤسسات تدعمها الدولة وتحافظ عليها وتضمن تقديمها وعرضها بالطريقة الجميلة غير المشوهة أو المحرفة. والثقافة الشعبية هي كل ما خلفته الحياة الشعبية من ملامح ابداعية وفكرية متداولة وما زال الناس متمسكين بها الى الآن. فهي لا تموت بل تظل في نوازعنا وأفكارنا وتوجهنا، واذا ما نظرنا الى تصرفات %C