سمير التنير
يقال ان الطبيعة إلى جانب استثارتها للفطرة الإنسانية، قد أمدت الانسان بستة مصادر للثراء متجددة، قام على أساسها وجوده المستمر وحضاراته المتعاقبة. هذه المصادر الستة هي: تواصل الأنساب او التناسل، القنص والصيد، الغابات والأحراج، الزراعة، تدجين الحيوانات والطيور، وأخيرا التعدين.
ومنذ ما قبل التاريخ، وحتى وقتنا الحاضر، يواصل التعدين دوره في إمداد الإنسان بالمواد الأولية اللازمة كمصدر للطاقة (الوقود)، وركام للمأوى، ومستلزمات لإنتاج الطعام. ولعله بسبب هذا التأثير الحاسم الواضح لمنتجات التعدين على مجرى تاريخ التحضر الاجتماعي، لجأ علماء الاجتماع الانساني (الانثروبولوجيا) الى وصف مراحله وتطوره الثقافي مستندين اليها. فجرى تقسيم تاريخ التطور الحضاري للإنسان الى عصر حجري قديم وعصر حجري حديث وعصر البرونز، ثم العصر الحديدي الذي يضخم بعض العلماء من شأنه فيرونه ممتدا الى وقتنا الحاضر.
واذا تطرقنا الآن الى الانتاج العربي والاحتياطات العربية من الثروات المعدنية (ما عدا النفط والغاز والفوسفات الى حد ما) لرأينا انها من الأمور الشاقة للغاية على المهتمين والمتخصصين وذلك لأسباب متعددة من أهمها نقص وعدم تجديد البيانات الكمية التي تعبر عن مقادير هذا الانتاج وتلك الاحتياطات. واستعراض الاحصائيات الحديثة حول الثروات المعدنية العربية يمكن لنا ان نستخلص ما يلي:
1ـ احتياطات الوطن العربي من الوقود الصلب (والفحم على وجه الخصوص) تبدو متدنية للغاية ومحدودة. فالمتاح منها يبلغ حوالى 431 مليون طن فقط لا تمثل غير 4% بالمئة من مجمل احتياطيات العالم من الفحم. ولكن لحسن الحظ فإن هذا القصور العربي يمكن تعويضه باستخدام النفط والغاز الطبيعي. وكلاهما موفور الوجود في العالم العربي، كمصدر للطاقة او كوقود صناعي بديل للفحم. أما عن الحاجة الى الفحم في الصناعات الكيماوية فإنه لا يمكن استيفاؤها في الوقت القريب عن غير طريق الاستيراد.
2ـ احتياطيات العالم العربي المدونة من خامات الحديد زادت عن الأحد عشر مليارا من الأطنان. ومن خامات النحاس تجاوزت هذه الاحتياطيات المئتي مليون طن. وكلها كميات ضخمة ومشجعة للغاية. وبخاصة اذا علمنا ان الاحتياطيات العربية من معادن الحديد والنحاس باعتبارهما من أهم الموارد المعدنية الفلزية تتنامى بسرعة مذهلة في العالم العربي.
3ـ يملك الوطن العربي احتياطات قد تبدو محدودة من معادن فلزية اخرى، من بينها معادن الزنك والرصاص الكوبالت والمنغيز. ولكن اذا علمنا بمحدودية احتياطيات مثل هذه المعادن على المستوى العالمي، فإن الملكية العربية في هذا المجال قد تبدو لا بأس بها.
4ـ تتميز المعادن والصخور الصناعية في العالم العربي بتنوعها الشديد، ونذكر منها على سبيل المثال الرمل والزلط وكسر الاحجار، باعتبارها مواد أساسية في صناعة الخرسانات وإنشاء المباني. وكذلك الطين والاحجار الجيرية باعتبارها مدخلات اساسية في صناعة الاسمنت. تمتلك البلدان العربية 76 بالمئة من احتياطي العالم من الفوسفات و18 بالمئة من الكبريت. ويمكن للثروة المعدنية العربية أن تلعب دورا كبيرا في عملية التنمية، لكن هذه الثروة لم تستغل الاستغلال الأمثل، فالناتج القومي الإجمالي المحقق من النشاط التعديني يعتبر في مجموعه ضئيلا جدا مقارنا بالنشاطات الاقتصادية الأخرى وبالإمكانيات الحقيقية لهذا القطاع. اذ ان مساهمة النشاط التعديني في الدول العربية لم تتجاوز الواحد بالمئة من إجمالي الناتج القومي عام 2001، حيث وصلت قيمة صادرات مجمل الدول العربية من قطاع التعدين في ذلك العام الى 1,5 مليار دولار فقط.
ويحقق العالم العربي وضعا متميزا في مجال إنتاج الفوسفات الصخري حيث يبلغ متوسط إنتاجه السنوي 26 مليون طن متري تمثل ما يزيد عن 24 بالمئة من مجمل الانتاج العالمي. هذا ويحتل الفوسفات مكانة عالية، خاصة النوعيات المنتجة في المغرب والأردن، في سوق الفوسفات العالمي، من حيث الجودة والملاءمة للتصنيع.
ويزيد إنتاج الحديد الخام في البلدان العربية سنة بعد سنة، اذ يبلغ 1,9 بالمئة من جملة الإنتاج العالمي. إلا انه لا يزال غير متناسب مع العدد السكاني العربي. اذ لا يزال العالم العربي في مقدمة المستوردين لمسبوكات الحديد والصلب ومصنوعاتهما.
ويسجل العالم العربي إنتاجية متميزة في بعض الخامات والمعادن الثانوية مثل الزئبق الذي تنتجه الجزائر، ثم البوتاس والبروم اللذين ينتجان في فلسطين. وكذلك الباريت والرصاص الذي ينتج في المغرب والجزائر وتونس ومصر.
ورغم ضخامة حركة البناء والتعمير في العالم العربي فإن إنتاجيته من المعادن الصناعية والصخور والمواد اللازمة لأعمال البناء كانت دون التناسب مع عدد السكان ودون الوفاء بالاحتياجات الفعلية.
وفي العالم العربي ايضا عدد من الصناعات المنجمية التي تمثل معظم القطاع التعديني العربي من حيث قيمة وحجم الإنتاج، وهذه الصناعات تشمل استخراج الفوسفات والبوتاس والحديد والكبريت والرصاص. وهذه المعادن تشكل الجزء الأكبر من الصادرات العربية من منتجات الصناعة المنجمية.
وبالوقوف أمام واقع النشاط الاستثماري في قطاع الثروات المعدنية والإمكانات المتاحة في هذا القطاع في بعض الدول العربية من خلال المعلومات المتوافرة سنجد أن حجم الاستثمارات في المملكة العربية السعودية في قطاع التعدين بلغ خلال عام 2024 قرابة سبعة مليارات دولار في حين بلغت إيرادات القطاع الخاص في هذا المجال ثلاثة مليارات دولار، إضافة الى مليار دولار كأرباح.
وتشتهر سلطنة عُمان باستخراج وتصنيع النحاس منذ زمن طويل. فإن الأرقام التي أمكن الحصول عليها تشير الى ان السلطنة تمتلك نحو 15 مليون طن من احتياطي النحاس. ويأتي معدن الكروم مباشرة في المرتبة الثانية حيث تم اكتشاف 450 موقعا للكروم تتوزع في العديد من المناطق العُمانية.
أما تونس وحسب المعلومات المتوافرة فهي تمتلك ثروات معدنية متعددة غير النفط، كما تنتج 60 مليون طن من الفوسفات، حيث تحتل المرتبة السادسة عالميا في إنتاج هذا المعدن. وكذلك الحال بالنسبة للأردن التي تشير التقارير المتوافرة الى ان معدن الفوسفات يمثل أهم الموارد الطبيعية في الأردن ويحتل به المرتبة الثامنة عالمياً.
تتفاوت أهمية قطاع التعدين من قطر عربي لآخر، ففيما يشكل هذا القطاع نسبة معتبرة من حيث المساهمة في الناتج المحلي الإجمالي لدول مثل موريتانيا والمغرب والأردن وتونس، نجد أن هذه المساهمة تكاد لا تذكر في دول مثل السودان واليمن والصومال. وانفرد الأردن بإنتاج اليوتاس. وقد توسعت صناعة صهر الألمنيوم في البحرين والإمارات ومصر. وتحقق نمو واضح في صناعة الاسمنت المرتبطة بالتعدين، لارتباطها المباشر باحتياجات الإنشاء والتعمير.
[/SIZE]