يكاد ما يحدث اليوم شبيه الى حد كبير بالذي حدث في اوائل القرن السادس عشر في منطقتنا، اذ كان هناك انقسام خطير في العالم الاسلامي بين السنة والشيعة ممثلا بامبراطورتين مثقلتين بالاحقاد والكراهية واحدتها ازاء الاخرى.. العثمانية السنية والصفوية الشيعية، وقد دام الصراع قرابة اربعة قرون وكانت ساحته الفعلية بين الجانبين في كل من ارمينيا والعراق، بل وجنى ذلك الصراع المزمن على العراق نفسه وبالرغم من الحفاظ على نسيجه الاجتماعي، الا ان تأثيرات ذلك الانقسام كان كبيرا جدا من قبل الطرفين على التركيبة الاجتماعية والثقافية العراقية.. الفرق بين الامس واليوم هو الفرق بين وجود امبراطورتين قويتين تصارعتا حربيا واقتصاديا قبل صراعهما اجتماعيا وثقافيا، ولم يسمحا بتدويل الصراع، اليوم نجد الصراع اخطر بكثير جدا من صراعات التاريخ الحديث بفعل الحجم السكاني وتكنولوجيا الاعلام وتدويل المشكلات وازدياد التعصبات وتنازع الدول العديدة وتباينات النسيج الاجتماعي.. واضيف ايضا ان الصراع ذاك لم يتدخّل فيه العراقيون وبقي المجتمع العراقي يحافظ على اجزائه.. في حين اجد العراقيين اليوم وقد اصبحوا مادة للصراع، بل وقودا للحرب والانقسامات!
لا اريد من استدعاء التاريخ الا رسم صورة مشابهة لما يحدث اليوم بتأثير الانقسام التاريخي الاول للعالم الاسلامي في القرن السادس عشر.. صراع اليوم لم يزل في طور التبلور، واعتقد ان السنة 2024 ستشهد تفاقما في حدة الخلافات الاجتماعية في منطقتنا والتي ستزيد من وتيرة اعمال العنف التي اعتقد انها ستبدأ بالانتشار شيئا فشيئا متخذة العراق بؤرة او قعرا للتشظيات والدمار بفعل استراتيجيته الكائنة في قلب الشرق الاوسط.. الشرق الاوسط سينقسم شئنا ام ابينا الى قسمين اثنين لا ثالث لهما وما بينهما اسرائيل التي ستشهد مسرحية الصراع الطويل.. انه صراع طوائفي بالدرجة الاولى وبين قوتين اجتماعيتين تسعى كل واحدة منها لالغاء الاخر، او بالاحرى منظومتين اجتماعيتين ترعاهما دول ذات كيانات سياسية.. ليرقب المرء حالة التخندق وافتقاد اغلب السياسيين وحتى اعلى المثقفين قناعاتهم المدنية ومبادئهم الوطنية كي تغدوا الهوية الطائفية ابرز عناوينهم واغرب همومهم.. تجدهم يتشدقون باسم الوطن والوطنية او العروبة والقومية او الاسلام والروح المحمدية او الاتحاد والوحدة الاسلامية.. ولكن اولوياتهم مع النزعة الطائفية والتحسس منها.. لقد ازدادت الاصطفافات مع هذا التخندق او ذاك في حقيقة الامر بالرغم من كل الاكذوبات التي نسمعها اعلاميا والتي تتحدث عن الاخوة والمحبة والتعايش.. ان هذا كله سيزداد بشكل لا يصدق في العام 2024 – 2024 وستزداد المواجهات الدموية، بل وستتسع مدياتها الى مناطق اخرى، فالمشكلة لم تعد محلية او حدودية او مناطقية، بل ان التخوفات تعّم كل ارجاء الشرق الاوسط من امتداد ليس التطرف الديني بحد ذاته، بل من التعصّب الطائفي بأقسى صوره.. وثمة دلالات لما اقول كالذي يأتي على لسان عدد من القادة في المنطقة، ومنها ـ مثلا ـ ما اشار اليه كل من الملك عبد الله الثاني من خلق هلال شيعي او تصريح الرئيس حسني مبارك من ولاء كل الشيعة لايران.. وعلى الطرف المقابل صّرح الرئيس الايراني محمود احمدي نجاد انه لا يريد الدفاع عن حدوده الوطنية بل الدفاع عن حدوده الشيعية .. ناهيكم عن استماتة السيد عبد العزيز الحكيم من اجل حوار ايراني ـ امريكي لترتيب اوضاع العراق والمنطقة وبعد تدخل ايران السافر في العراق. هذه دلالات واضحة لكل محلل او مفكر حيادي عن حرب باردة ستشتعل آجلا ام عاجلا وتغدو حربا أهلية شاملة.. وهنا انبه الى ما سيحدث متمنيا ان يسمع كل الفرقاء لما اقول..
محب التاريـــــــAـخ