وكان بعضهم يقول : كل من أساء إلي بقول أو فعل أو اعتراض , وقصده بذلك وجه الله , أو كان قصده مشوبا بعضه لله وبعضه تبع لغرض النفس ؛ فهو مني في حل , وقد سامحته لله الذي للمسيء إلي نوع احتساب ,
وإن كان مخطئا أو مزورا عليه أو بانيا على قول الطائفة التي عرفت بالإعتراض علي ؛ فكل هذه الأقسام قد سامحته لله علمت بإساءته أو جهلتها ,
وأما من ليس له من المقاصد إلا الأغراض النفسية والعدوان المتمحض الذي يعلمه من نفسه ؛ فهذا لا أقابله بإساءته وأمره إلى الله ,
ومن وصل إلى هذه الحالة فليحمد الله على هذه النعمة الكبرى , وعلى راحة الضمير , وعلى كثرة ما يجني من الخير , وعلى ما يرجى له من جزاء ربه له ومعاملته له , وأنه يرجى أن يكمل الله له النواقص ويعفو عما مزج فيه العبد أغراضه وشهواته النفسية مع داعي الإخلاص ,
ويستثنى من هذا الأصل العفو عن المجرم المفسد المتمرد الذي العفو عنه مما يزيده في عتوه وتمرده ؛ فالواجب في مثل هذا الردع والزجر بكل ممكن ,
ولعل هذا يؤخذ من القيد الذي ذكره الله بقوله ( فمن عفا وأصلح ) فشرط الله العفو فيه صلاح , فأما العفو الذي لا صلاح فيه , بل فيه ضده فهو منهي عنه والله أعلم .
مجموع الفوائد واقتناص الأوابد ( ص 63 – 64 ) للشيخ العلامة عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله .