[وقفت خديجة بنت خويلد ، رضي الله عنها ، زوجة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، إلى جانب زوجها تعينه وتخفف عنه بعض همومه ، فعندما جاءه الوحي أخذ يرجف فؤاده ، صلى الله عليه وآله وسلم ، وأسرع إلى خديجة ، رضي الله عنها ، قائلا: " زملوني {1} زملوني " فغتطه خديجة ، رضي الله عنها ، وحدبت {2} عليه ، إلى أن هدأ روعه {3} ، عندئذ قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : " لقد خشيت على نفسي يا خديجة " فقالت خديجة رضي الله عنها: كلا والله لا يخزيك الله أبدا ، إنك لتصل الرحم {4} ، وتحمل الكل ، وتكسب المعدوم ، وتقري {5} الضيف ، وتعين على نوائب الحق ثم قامت خديجة ، رضي الله عنها ، فجمعت عليها ثيابها ، ثم انطلقت إلى ورقة بن نوفل بن أسد ، فأخبرته بما أخبرها به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فقال ورقة بن نوفل: قدوس {6} ، قدوس والذي نفس ورقة بيده ، لئن كنت صدقتني يا خديجة لقد جاءه الناموس {7} الأكبر الذي كان يأتي موسى عليه السلام وإنه لنبي هذه الأمة ، فقولي له: فليثبت رجعت خديجة إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فأخبرته بقول ورقة بن نوفل ، فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، جواره وانصرف ، صنع كما كان يصنع ، بدأ بالكعبة فطاف بها ، فلقيه ورقة بن نوفل وهو يطوف بالكعبة ، فقال: يا ابن أخي أخبرني بما رأيت وسمعت ، فأخبره رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فقال له ورقة: والذي نفسي بيده ، إنك لنبي هذه الأمة ، ولق جاءك الناموس الأكبر الذي جاء موسى ، ولتكذبنه ولتوذنيه ولتخرجنه ولتقاتلنه ، ولئن أنا أدركت ذلك اليوم لأنصرن الله نصرا يعلمه ، ثم أدنى رأسه منه فقبله ، ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، إلى منزله حيث وجد زوجته خديجة ، رضي الله عنها ، التي سرعان ما أعلنت إيمانها به ، صلى الله عليه وآله وسلم ، وصدقت بما جاءه من الله عز وجل ، وآزرته على أمره ، فكانت رضي الله عنها ، أول من آمن بالله ورسوله وصدق بما جاء منه فخفف الله عز وجل بذلك عن نبيه صلى الله عليه وآله وسلم لا يسمع شيئا يكرهه ، من تكذيب له وتشنيع لما جاء به ، إلا فرج الله عنه إذا رجع إليها وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، يقدر وقفة خديجة إلى جانبه ، ويبادلها الحب والود حتى إنه صلى الله عليه وآله وسلم ، بشرها ببيت في الجنة قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : " أمرت أن أبشر خديجة ببيت من قصب {8} ، لا صخب {9} فيه ولا نصب {10} " وفي إحدى خلوات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، مع خديجة رضي الله عنها ، قالت خديجة: يا بن عم أتستطيع أن تخبرني بصاحبك هذا الذي يأتيك إذا جاءك ؟ فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : " نعم " فبينما هي عنده ، إذ جاءه جبريل ، عليه السلام ، فصدقت به وقالت: يا بن عم ، أثبت وأبشر ، فو الله إنه لملك وما هذا بشيطان ثم إن الوحي الإلهي فتر عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فحزن وشق {11} ذلك عليه ، فكان جبريل عليه السلام ، يظهر لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، بين حين وآخر ويقول له : إنك رسول الله حقا ، فيسكن جأشه وترجع إليه نفسه ، ثم جاءه جبريل بسورة الضحى ، يقسم له ربه ، وهو الذي أكرمه ، وبأنه ما ودعه وما قلاه وإن خير الآخرة خير له ، ثم يعرفه الله عز وجل ، ما ابتدأه به من كرامته في عاجل أمره ، ومنه عليه في يتمه وعيلته وضلالته ، وإنقاذه من ذلك كله برحمته يقول الله عز وجل
والضحى والليل إذا سجى (12) ما ودعك ربك وما قلى (13) وللآخرة خير لك من الأولى ولسوف يعطيك ربك فترضى ألم يجدك يتيما فآوى ووجدك ضالا فهدى ووجدك عائلا (14) فأغنى فأما اليتيم فلا تقهر وأما السائل فلا تنهر وأما بنعمة ربك حدث 15
وبينما كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، يمشي ، إذ سمع صوتا فرفع بصره فإذا الملك الذي جاءه بحراء جالسا على كرسي بين السماء والأرض فعاد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى زوجته خديجة رضي اله عنها قائلا لها: " دثروني {16} ، دثروني " فأنزل الله تعالى قوله [/color]
يا أيها المدثر قم فأنذر وربك فكبر
المدينة المنورة
جعل الله سبحانه وتعالى لكل نبي حراما يأوي إليه ، وقد جعل الله تعالى لرسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، المدينة حرما آمنا ، مدينة اشتعلت نورا وضياء يوم دخلها رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، مهاجرا إليها ، وجعل فيها من البركة أضعاف ما جعل في مكة المكرمة ، فالمدينة سيدة البلدان ، وهي دار الهجرة والسنة ، وهي دار الإيمان ، حرسها الله سبحانه وتعالى بالملائكة الكرام فلا تدخلها الخبائث ، فهي تنفي عن نفسها الخبث ، كما ينفي الكير خبث الحديد . ولمدينة رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، أسماء عديدة مما يدل على زيادة شرفها وفضلها فمن أسمائها : المدينة ، وقد سماها بهذا الاسم رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، عند دخولها . فعن أبي هريرة ، رضي الله عنه ، قال رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم: " أمرت {1} بقرية تأكل القرى {2} ن يقولون يثرب ن وهي المدينة ، تنفي الخبث ، كما ينفي الكير خبث الحديد " . ومن أسائها طيبة وطابة وسميت كذلك لطهارة تربتها ، وقد سماها بهذا الاسم رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، بقوله : " هذه طابة ، وهذا أحد وهو جبل يحبنا ونحبه " . ومن أسمائها الأخرى : البحرة ، والدرع الحصينة ودار الهجرة وذات النخل ودار الإيمان والقرية والمحفوظة وغيرها من الأسماء . أما اسمها قبل مجيء رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم فهو : يثرب وهو اسم مستقج ، لأنه من التثريب الذي هو التوبيخ والملامة ، أو من الثرب ، وهو الفساد ، لذلك نهى رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، عن إطلاق هذا الاسم على المدينة المنورة ، فعن البراء بن عازب ، رضي الله عنهما قال : قال رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم : " من سمى المدينة يثرب ، فليستغفر الله عز وجل ن هي طابة ، هي طابة " . أما ورودها في القرآن الكريم باسم يثرب ، فهو من قول المنافقين ، وذلك كما في قوله
وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا وإذ قالت طائفة منهم يا أهل يثرب لا مقام لكم فارجعوا 3
وتقع المدينة المنورة في سهل خصب ، يحيط بها النخيل والمزروعات ، التي تسقى من الآبار ذات المياه الغزيرة ، وأعذب المياه هناك ، مياه أبار العتيق ، أما المسجد النبوي فيقع في وسطها ، وقبر رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، شرقي المسجد ، وإلى جانب قبره قبر أبي بكر وعمر بن الخطاب ، رضي الله عنهما ، وكان يسكن المدينة بعض اليهود الذين هاجروا إليها من فلسطين وأشهرهم : بنو النضير ، وبنو قريظة ، وبنو قينقاع ، الذين أقاموا فيها أقاموا فيها الحصون والقصور ، وعملوا مع أهل الحجاز في التجارة على ربا يأخذوه منهم ، أما يهود خيبر وتيماء ووادي القرى ، فإنهم هاجروا من بلاد اليمن ، فبنوا أيضا القلاع والحصون ، أما الأوس والخزرج فهما من أسرة واحدة ، فارقت الغساسنة والناذرة ، بعد خراب سد مأرب ، ونزلت مدينة يثرب ، ثم اختلطت هذه الأسرة مع اليهود ، وتعاملوا معهم وتحالفوا ، إلى أن من الله سبحانه وتعالى عليهم بالإسلام ، بعد أن دبت الخلافات فيما بينهم ، وثارت المعارك ، وكان آخر حروبهم يوم بعاث ، وكان اليهود دور كبير في إشعال نار الفتنة بين أولاد العم ، حتى ملوا الحرب والقتال وتنادى الطرفان لوقف القتال وإعلان الصلح ، واتفقا على تتويج عبد الله بن أبي ملكا عليهم وذلك قبيل دخول رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، المدينة المنورة ، ولكن التتويج لم يحصل ، مما أثار حقد وغضب عبد الله بن أبي ، على رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، الذي منع تتويجه ، فدخل في الإسلام كارها حاسدا ، حاملا الحقد والبغي للمسلمين ، يكيد لهم المؤامرات ، ويسعى للفتنة فيما بينهم حتى لقب برأس المنافقين ، كما ابتلى الله المسلمين في مكة بالمشركين ، كذلك ابتلاهم في المدينة باليهود ، الذين كانوا على خلاف دائم مع العرب ، والذين كانوا يهددونهم بقرب ظهور بنبي جديد ، يؤمنون به ، حيث إنهم كانوا أهل كتاب ، والعرب وثنيون ، فلما جاء رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، إلى المدينة كفروا به ولم يؤمنوا برسالته حسدا وبغيا ، فكيف تكون الرسالة في ولد إسماعيل عليه السلام ؟ فأنزل الله سبحانه وتعالى في حقهم
وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين 4
ولكن الأوضاع في المدينة انقلبت رأسا على عقب ، بعد دخول رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، واتشار الإسلام فيها ودخول الأوس والخزرج في الإسلام والذي وحد رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، اسمها ولقبها بالأنصار ، فانتشر الأمن والأمان ، وتآخى المهاجرون والأنصار ، وبدأ عهد جديد ، قويت فيه شوكة الإسلام ، وأقام رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، الدعائم المتينة لبدء انطلاق الإسلام وانتشاره في كافة أنحاء الجزيرة العربية ، حتى إن بعض اليهود دخلوا في الإسلام ومن أشهرهم عبد الله بن سلام القينقاعي ، الذي هب إليه مسرعا ، عندما سمع بمقدمه إلى المدينة وقال : أشهد أن لا إله إلا الله ، وأنك رسول الله . وكانت وفود المسلمين تتتالى من مكة هاربة بدينها سرا ، لتلحق رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، ومن جملة هؤلاء الذين لحقوا رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، ابنتاه: فاطمة الزهراء وأم كلثوم ، رضي الله عنهما وزوجتاه : سودة بنت زمعة وعائشة بنت أبي بكر ، رضي الله عنهما ، وأمها أم رومان وآل أبي بكر ومعهم أسماء بنت أبي بكر ذات النطاقين ، وكان رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، قد بعث زيد بن حارثة وأبا رافع ، ليأتيا بهم من مكة ، والذين غادروها ليلا خشية المشركين
مشروعية الآذان
لما اطمأن رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، بالمدينة واجتمع أمر الأنصار ، استحكم أمر الإسلام ، فقامت الصلاة ، وفرضت الزكاة والصيام ، وقامت الحدود {5} ، وعرف الحلال والحرام ، وتمكن الإسلام في قلوبهم وقد كان رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، حين قدم المدينة ، يجتمع إليه الناس للصلاة لحين مواقيتها ، بغير دعوة ، فأراد النبي ، صلى الله عليه وآله وسلم ، أن يجمعهم بعلامة تكون لهم ، فأشار بعضهم عليه أن يتخذ البوق فكرة ، وأشار آخرون بالناقوس فكرهه أيضا ، وأشار غيرهم برفع راية أو بإشعال النيران ، فكره هذه أيضا لأنها لا تفيد النائم أو الجالس في بيته ، فبينما المسلمون على ذلك في حيرة من أمرهم ، إذ أتى عبد الله بن زيد فقال : يا رسول الله ، مر بي رجل وأنا نائم عليه ثوبان أخضران يحمل ناقوسا في يده فقلت له : يا عبد الله ، أتبيع هذا الناقوس ؟ قال : وما تصنع به ؟ قلت : ندعو به إلى الصلاة ، قال : أفلا أدلك على خير من ذلك ؟ فقال : الله أكبر الله أكبر ، الله أكبر الله أكبر ، أشهد أن لا اله إلا الله ، أشهد أن لا إله إلا الله ، أشهد أن محمدا رسول الله ، أشهد أن محمدا رسول الله ، حي على الصلاة ، حي على الصلاة ، حي على الفلاح ، حي على الفلاح ، الله أكبر الله أكبر ، لا إله إلا الله . فلما سمع رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم قال : " إنها لؤيا حق ، إن شاء الله " ثم أمره رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم أن يقوم بلال الحبشي ، ليؤذن بها ، لأن بلالا رضي الله عنه ، كان أجمل صوتا من عبد الله بن زيد ، وكان لرسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم : مؤذنان وهما: بلال الحبشي ، وعبد الله بن أم مكتوم الفهري القرشي ، وكان بلال يزيد في أذان الفجر بعد حي على الفلاح : الصلاة خير من النوم مرتين ، فأقره رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم على ذلك ، وأمر عليه الصلاة والسلام بأذانين في شهر رمضان ، الأول لإيقاظ النائمين ، وتذكير الغافلين ، والثاني لدخول الوقت وأداء الصلاة بعده
ولا اتمنى لكـ سوى دوام التقدم و النجااح
ثـــــــــــــــــــــــــــــانكس
وإلى
الأمام
[وقفت خديجة بنت خويلد ، رضي الله عنها ، زوجة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، إلى جانب زوجها تعينه وتخفف عنه بعض همومه ، فعندما جاءه الوحي أخذ يرجف فؤاده ، صلى الله عليه وآله وسلم ، وأسرع إلى خديجة ، رضي الله عنها ، قائلا: " زملوني {1} زملوني " فغتطه خديجة ، رضي الله عنها ، وحدبت {2} عليه ، إلى أن هدأ روعه {3} ، عندئذ قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : " لقد خشيت على نفسي يا خديجة " فقالت خديجة رضي الله عنها: كلا والله لا يخزيك الله أبدا ، إنك لتصل الرحم {4} ، وتحمل الكل ، وتكسب المعدوم ، وتقري {5} الضيف ، وتعين على نوائب الحق ثم قامت خديجة ، رضي الله عنها ، فجمعت عليها ثيابها ، ثم انطلقت إلى ورقة بن نوفل بن أسد ، فأخبرته بما أخبرها به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فقال ورقة بن نوفل: قدوس {6} ، قدوس والذي نفس ورقة بيده ، لئن كنت صدقتني يا خديجة لقد جاءه الناموس {7} الأكبر الذي كان يأتي موسى عليه السلام وإنه لنبي هذه الأمة ، فقولي له: فليثبت رجعت خديجة إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فأخبرته بقول ورقة بن نوفل ، فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، جواره وانصرف ، صنع كما كان يصنع ، بدأ بالكعبة فطاف بها ، فلقيه ورقة بن نوفل وهو يطوف بالكعبة ، فقال: يا ابن أخي أخبرني بما رأيت وسمعت ، فأخبره رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فقال له ورقة: والذي نفسي بيده ، إنك لنبي هذه الأمة ، ولق جاءك الناموس الأكبر الذي جاء موسى ، ولتكذبنه ولتوذنيه ولتخرجنه ولتقاتلنه ، ولئن أنا أدركت ذلك اليوم لأنصرن الله نصرا يعلمه ، ثم أدنى رأسه منه فقبله ، ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، إلى منزله حيث وجد زوجته خديجة ، رضي الله عنها ، التي سرعان ما أعلنت إيمانها به ، صلى الله عليه وآله وسلم ، وصدقت بما جاءه من الله عز وجل ، وآزرته على أمره ، فكانت رضي الله عنها ، أول من آمن بالله ورسوله وصدق بما جاء منه فخفف الله عز وجل بذلك عن نبيه صلى الله عليه وآله وسلم لا يسمع شيئا يكرهه ، من تكذيب له وتشنيع لما جاء به ، إلا فرج الله عنه إذا رجع إليها وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، يقدر وقفة خديجة إلى جانبه ، ويبادلها الحب والود حتى إنه صلى الله عليه وآله وسلم ، بشرها ببيت في الجنة قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : " أمرت أن أبشر خديجة ببيت من قصب {8} ، لا صخب {9} فيه ولا نصب {10} " وفي إحدى خلوات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، مع خديجة رضي الله عنها ، قالت خديجة: يا بن عم أتستطيع أن تخبرني بصاحبك هذا الذي يأتيك إذا جاءك ؟ فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : " نعم " فبينما هي عنده ، إذ جاءه جبريل ، عليه السلام ، فصدقت به وقالت: يا بن عم ، أثبت وأبشر ، فو الله إنه لملك وما هذا بشيطان ثم إن الوحي الإلهي فتر عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فحزن وشق {11} ذلك عليه ، فكان جبريل عليه السلام ، يظهر لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، بين حين وآخر ويقول له : إنك رسول الله حقا ، فيسكن جأشه وترجع إليه نفسه ، ثم جاءه جبريل بسورة الضحى ، يقسم له ربه ، وهو الذي أكرمه ، وبأنه ما ودعه وما قلاه وإن خير الآخرة خير له ، ثم يعرفه الله عز وجل ، ما ابتدأه به من كرامته في عاجل أمره ، ومنه عليه في يتمه وعيلته وضلالته ، وإنقاذه من ذلك كله برحمته يقول الله عز وجل
والضحى والليل إذا سجى (12) ما ودعك ربك وما قلى (13) وللآخرة خير لك من الأولى ولسوف يعطيك ربك فترضى ألم يجدك يتيما فآوى ووجدك ضالا فهدى ووجدك عائلا (14) فأغنى فأما اليتيم فلا تقهر وأما السائل فلا تنهر وأما بنعمة ربك حدث 15
وبينما كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، يمشي ، إذ سمع صوتا فرفع بصره فإذا الملك الذي جاءه بحراء جالسا على كرسي بين السماء والأرض فعاد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى زوجته خديجة رضي اله عنها قائلا لها: " دثروني {16} ، دثروني " فأنزل الله تعالى قوله [/color]
يا أيها المدثر قم فأنذر وربك فكبر
المدينة المنورة
جعل الله سبحانه وتعالى لكل نبي حراما يأوي إليه ، وقد جعل الله تعالى لرسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، المدينة حرما آمنا ، مدينة اشتعلت نورا وضياء يوم دخلها رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، مهاجرا إليها ، وجعل فيها من البركة أضعاف ما جعل في مكة المكرمة ، فالمدينة سيدة البلدان ، وهي دار الهجرة والسنة ، وهي دار الإيمان ، حرسها الله سبحانه وتعالى بالملائكة الكرام فلا تدخلها الخبائث ، فهي تنفي عن نفسها الخبث ، كما ينفي الكير خبث الحديد . ولمدينة رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، أسماء عديدة مما يدل على زيادة شرفها وفضلها فمن أسمائها : المدينة ، وقد سماها بهذا الاسم رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، عند دخولها . فعن أبي هريرة ، رضي الله عنه ، قال رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم: " أمرت {1} بقرية تأكل القرى {2} ن يقولون يثرب ن وهي المدينة ، تنفي الخبث ، كما ينفي الكير خبث الحديد " . ومن أسائها طيبة وطابة وسميت كذلك لطهارة تربتها ، وقد سماها بهذا الاسم رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، بقوله : " هذه طابة ، وهذا أحد وهو جبل يحبنا ونحبه " . ومن أسمائها الأخرى : البحرة ، والدرع الحصينة ودار الهجرة وذات النخل ودار الإيمان والقرية والمحفوظة وغيرها من الأسماء . أما اسمها قبل مجيء رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم فهو : يثرب وهو اسم مستقج ، لأنه من التثريب الذي هو التوبيخ والملامة ، أو من الثرب ، وهو الفساد ، لذلك نهى رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، عن إطلاق هذا الاسم على المدينة المنورة ، فعن البراء بن عازب ، رضي الله عنهما قال : قال رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم : " من سمى المدينة يثرب ، فليستغفر الله عز وجل ن هي طابة ، هي طابة " . أما ورودها في القرآن الكريم باسم يثرب ، فهو من قول المنافقين ، وذلك كما في قوله
وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا وإذ قالت طائفة منهم يا أهل يثرب لا مقام لكم فارجعوا 3
وتقع المدينة المنورة في سهل خصب ، يحيط بها النخيل والمزروعات ، التي تسقى من الآبار ذات المياه الغزيرة ، وأعذب المياه هناك ، مياه أبار العتيق ، أما المسجد النبوي فيقع في وسطها ، وقبر رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، شرقي المسجد ، وإلى جانب قبره قبر أبي بكر وعمر بن الخطاب ، رضي الله عنهما ، وكان يسكن المدينة بعض اليهود الذين هاجروا إليها من فلسطين وأشهرهم : بنو النضير ، وبنو قريظة ، وبنو قينقاع ، الذين أقاموا فيها أقاموا فيها الحصون والقصور ، وعملوا مع أهل الحجاز في التجارة على ربا يأخذوه منهم ، أما يهود خيبر وتيماء ووادي القرى ، فإنهم هاجروا من بلاد اليمن ، فبنوا أيضا القلاع والحصون ، أما الأوس والخزرج فهما من أسرة واحدة ، فارقت الغساسنة والناذرة ، بعد خراب سد مأرب ، ونزلت مدينة يثرب ، ثم اختلطت هذه الأسرة مع اليهود ، وتعاملوا معهم وتحالفوا ، إلى أن من الله سبحانه وتعالى عليهم بالإسلام ، بعد أن دبت الخلافات فيما بينهم ، وثارت المعارك ، وكان آخر حروبهم يوم بعاث ، وكان اليهود دور كبير في إشعال نار الفتنة بين أولاد العم ، حتى ملوا الحرب والقتال وتنادى الطرفان لوقف القتال وإعلان الصلح ، واتفقا على تتويج عبد الله بن أبي ملكا عليهم وذلك قبيل دخول رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، المدينة المنورة ، ولكن التتويج لم يحصل ، مما أثار حقد وغضب عبد الله بن أبي ، على رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، الذي منع تتويجه ، فدخل في الإسلام كارها حاسدا ، حاملا الحقد والبغي للمسلمين ، يكيد لهم المؤامرات ، ويسعى للفتنة فيما بينهم حتى لقب برأس المنافقين ، كما ابتلى الله المسلمين في مكة بالمشركين ، كذلك ابتلاهم في المدينة باليهود ، الذين كانوا على خلاف دائم مع العرب ، والذين كانوا يهددونهم بقرب ظهور بنبي جديد ، يؤمنون به ، حيث إنهم كانوا أهل كتاب ، والعرب وثنيون ، فلما جاء رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، إلى المدينة كفروا به ولم يؤمنوا برسالته حسدا وبغيا ، فكيف تكون الرسالة في ولد إسماعيل عليه السلام ؟ فأنزل الله سبحانه وتعالى في حقهم
وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين 4
ولكن الأوضاع في المدينة انقلبت رأسا على عقب ، بعد دخول رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، واتشار الإسلام فيها ودخول الأوس والخزرج في الإسلام والذي وحد رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، اسمها ولقبها بالأنصار ، فانتشر الأمن والأمان ، وتآخى المهاجرون والأنصار ، وبدأ عهد جديد ، قويت فيه شوكة الإسلام ، وأقام رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، الدعائم المتينة لبدء انطلاق الإسلام وانتشاره في كافة أنحاء الجزيرة العربية ، حتى إن بعض اليهود دخلوا في الإسلام ومن أشهرهم عبد الله بن سلام القينقاعي ، الذي هب إليه مسرعا ، عندما سمع بمقدمه إلى المدينة وقال : أشهد أن لا إله إلا الله ، وأنك رسول الله . وكانت وفود المسلمين تتتالى من مكة هاربة بدينها سرا ، لتلحق رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، ومن جملة هؤلاء الذين لحقوا رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، ابنتاه: فاطمة الزهراء وأم كلثوم ، رضي الله عنهما وزوجتاه : سودة بنت زمعة وعائشة بنت أبي بكر ، رضي الله عنهما ، وأمها أم رومان وآل أبي بكر ومعهم أسماء بنت أبي بكر ذات النطاقين ، وكان رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، قد بعث زيد بن حارثة وأبا رافع ، ليأتيا بهم من مكة ، والذين غادروها ليلا خشية المشركين
مشروعية الآذان
لما اطمأن رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، بالمدينة واجتمع أمر الأنصار ، استحكم أمر الإسلام ، فقامت الصلاة ، وفرضت الزكاة والصيام ، وقامت الحدود {5} ، وعرف الحلال والحرام ، وتمكن الإسلام في قلوبهم وقد كان رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، حين قدم المدينة ، يجتمع إليه الناس للصلاة لحين مواقيتها ، بغير دعوة ، فأراد النبي ، صلى الله عليه وآله وسلم ، أن يجمعهم بعلامة تكون لهم ، فأشار بعضهم عليه أن يتخذ البوق فكرة ، وأشار آخرون بالناقوس فكرهه أيضا ، وأشار غيرهم برفع راية أو بإشعال النيران ، فكره هذه أيضا لأنها لا تفيد النائم أو الجالس في بيته ، فبينما المسلمون على ذلك في حيرة من أمرهم ، إذ أتى عبد الله بن زيد فقال : يا رسول الله ، مر بي رجل وأنا نائم عليه ثوبان أخضران يحمل ناقوسا في يده فقلت له : يا عبد الله ، أتبيع هذا الناقوس ؟ قال : وما تصنع به ؟ قلت : ندعو به إلى الصلاة ، قال : أفلا أدلك على خير من ذلك ؟ فقال : الله أكبر الله أكبر ، الله أكبر الله أكبر ، أشهد أن لا اله إلا الله ، أشهد أن لا إله إلا الله ، أشهد أن محمدا رسول الله ، أشهد أن محمدا رسول الله ، حي على الصلاة ، حي على الصلاة ، حي على الفلاح ، حي على الفلاح ، الله أكبر الله أكبر ، لا إله إلا الله . فلما سمع رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم قال : " إنها لؤيا حق ، إن شاء الله " ثم أمره رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم أن يقوم بلال الحبشي ، ليؤذن بها ، لأن بلالا رضي الله عنه ، كان أجمل صوتا من عبد الله بن زيد ، وكان لرسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم : مؤذنان وهما: بلال الحبشي ، وعبد الله بن أم مكتوم الفهري القرشي ، وكان بلال يزيد في أذان الفجر بعد حي على الفلاح : الصلاة خير من النوم مرتين ، فأقره رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم على ذلك ، وأمر عليه الصلاة والسلام بأذانين في شهر رمضان ، الأول لإيقاظ النائمين ، وتذكير الغافلين ، والثاني لدخول الوقت وأداء الصلاة بعده[/QUOTE]